انطلقت فعالياتها صباح أمس في بيت الشعر: الاسطورة والابداع في ورشة بحث علمية بالشارقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد نقول ان الابداع ارتبط بالاسطورة بمعنى انه اتكأ عليها في ذهابه نحو تجالياته وتشظيه وصولا الى القمة .. هذا ما يتبينه العديد من المنجزات الابداعية في العالم ومن خلال المبدعين الذين اركبوا خيالهم في بساط اسطورة قديما وعبروا به الى واقعهم او تجاوزوه استشرافات بعيدة المدى, لكن ايضا وفي المقابل نبتت الاسطورة في حضن ابداعي كامل, والانسان الذي غاص في نفسه كثيرا ثم طفا على هيلمان الطبيعة وحوارها الخلاق هو نفسه الذي حاك الاساطير, وصدقها وتعامل بها ورسخها كوجود يتكأ عليه في مكافحة الواقع.. هل كانت الاسطورة واقعا؟.. هذا سؤال مفتوح قد يطرح ونحن نتناول الاسطورة والابداع. في بيت الشعر بساحة الاداب بالشارقة يجتمع ثلة من المبدعين هذه الايام لادارة حوار طويل حول الاسطورة والابداع.. حلقة البحث والنقاش هذه تسعى الى تحقيق اهداف معينة حسب ما جاء في اوراق الورشة.. وهي تعميق الفهم والقدرات الابداعية لجيل من الكتاب الجدد في مجال حفريات الخيال والكتابة في تيمات حيوية وانسانية ومكانية وذلك من خلال مقاربة لمدى استخدام الاسطورة كاداة للكشف والفهم والمعرفة, واستثارة عقل المبدع للتعامل مع الاسطورة كنتاج نفسي وعقلي يتحدث بلغة الرمز عن الانسان.. هذا جزء من الاهداف التي تسعى اليها الورشة التي يترأسها الدكتور جابر عصفور (مصر) استاذ النقد بجامعة القاهرة. جوائز ومبدعون تستضيف ورشة الاسطورة والابداع في الشارقة مجموعة من الفائزين بجائزة الشارقة للابداع العربي, ففي مجال الرواية يشارك كل من ليلى الجهني من السعودية, ابراهيم المصري من مصر, خالد الخضر من الاردن, وفي مجال المسرح يشارك من فلسطين ماهر يوسف, وفي مجال النقد يشارك عبدالله الجناحي من البحرين وريم العيساوي من تونس, وفي مجال ادب الاطفال يشارك من مصر محمود الورواري ورامه عمر باشا من سوريا.. وتمتد ورشة الاسطورة والابداع على مدى اربعة ايام يتخللها تقديم اوراق عمل وورشة تطبيقية يشرف عليها المشرف العلمي للورشة الدكتور جابر عصفور. الاسطورة وخيال المبدع وقد افتتحت صباح امس اولى جلسات ورشة الاسطورة والابداع بورقة مقدمة من رامة عمر باشا من سوريا تناولت وتحت عنوان (الاسطورة وتأثيرها في الخيال المبدع) ملامح التأثير والتأثر بين ثنائية الاسطورة والابداع بالاضافة الى قيمة الاسطورة وتوهجها عبر الزمن الانساني. تقول رامة باشا في مقدمة ورقتها: ان الاساطير في الوقت الحاضر تستمد جاذبيتها من مصدرين: بناؤها الفني الرائع وسحر الحكاية واشتمالها على عناصر التشويق, اضافة الى البعد الانساني في مضمونها والذي جعل منها معينا لاينضب بالنسبة للادب والفكر والآثار الفنية الجميلة. وتضيف رامة: ان اهم اسباب اقتراب الاساطير من نفوسنا هو وفاؤها لقيم الخير وتجاوبها مع الجوهر النبيل للانسان وهذا مالم يتعارض مع قيمنا الدينية, بل انها نفس القيم التي رفع بسببها الكثير من اجدادنا الى اعلى مراتب التكريم, فنحن نذكر بكثير من الفخر والاجلال حب الوطن والتفاني في الدفاع عنه لدى (سيف بن ذي يزن) وعلو النفس والفروسية لدى (عنترة العبسي) والشهامة وسخاء اليد وكرم حاتم الطائي.. وتضيف: هذا ما يقرب من نفوسنا شخصية (هكتور) النبيلة الشجاعة وحكمة وتفاني (هرقل) ونستهجن موقف ميديا وهي تقتل اخاها في سبيل زوجها. الاساطير المتوهجة وتشير رامة باشا الى ان الاساطير على الرغم من توالي الازمنة ودورة العصور لاتزال تتوهج بالمعاني الانسانية العميقة وحرصها الدائم على الالتزام بالخير ومحاربتها لكل ضروب الشر. وتؤكد رامة على ان الاساطير تذكر باستمرار ان الاحداث العظيمة التي جرت في سالف الازمنة على الارض, تقبل الاعادة بصورة جزئية, وتقول: فكثيرا ما نعثر على نظير اسطورة معينة او لموضوع معين لدى شعب لآخر لاتربطه بذلك الشعب اية علاقة تاريخية, كما في الكوميديا الالهية لدانتي التي تشابهت مع رسالة الغفران لابي العلاء المعري, وان هناك تشابها واضحا بين آجامنون والسلطان حسن واوديسيوس وابي زيد الهلالي. ثم تمضي رامه باشا الى اعطاء امثلة لتأثير الشخصيات والاحداث الاسطورية التي تتقارب مع احداث وشخصيات الواقع المعاصر.. ثم تنتقل في ورقتها الى الاشارة للتناظر بين ابطال الاساطير وابطال افلام الكرتون ومدى استفادة المبدعين في هذا المجال وخاصة القاصين في عصرنا الحالي, في محاولة منها لربط العملية في بناء شخصيات المسلسلات والنهل من الاسطورة وملامحها. مدخل واشكالات في الاسطورة والابداع الورقة الثانية المشاركة في ورشة الاسطورة والابداع كانت لخالد خضر من الاردن والذي تناول فيها العلاقة بين المبدع العربي والاسطورة وطرق تعامله معها.. يقول خالد خضر: بالرغم من ان الشعر الذي هو ديوان العرب وليد الحضارة العربية العريقة الجذور والمتأثرة الى حد بعيد بالمناخ الحضاري للمنطقة والتي شملت مجموعة من الحضارات كبابل وآشور وفينيقيا وفلسطين واليمن ومصر القديمة, تلك الحضارات التي سجلت الكثير من التجارب الانسانية العميقة بشكل ايمائي ورهيف ايمائي ورهيف في اساطيرها الا اننا نادرا ما نلمس هذه الدلالات في شعرنا العربي وتحديدا القديم منه, فما اسباب التأخر لتسلل الاساطير لأدبنا العربي؟ يقول خضر بعد هذا التساؤل: في اعتقادي انه علينا ان نعترف بأن النظرة السلفية المغلقة للتراث حالت دون ذلك. ثم يعود خالد خضر في حديثه عن اشكالية الهوية للقول: مع دخول الاستعمارات المتعاقبة على منطقتنا وبتعدد اشكالها وثقافاتها ومع واقع التجزئة والقطرية الضيقة تداعى المثقفون العرب وباختلاف اطيافهم السياسية للبحث عن هويتهم التي فقدوها, وربما دون انتباه عبر سنين خلت, فإذا بنا نرى تموز وعشتار وبعل والفينيق والعنقاء وغيرها من الرموز الاسطورية ترتسم على مساحات الابداع الادبي الحديث, وقد فسر البعض ظاهرة الشعراء التموزيين باستخدامهم للاساطير البابلية والسومرية برموزها (تموز) او مرادفه (ادونيس) بمثابة اعادة ربط الحاضر بجذوره من اجل الانبعاث في الحاضر. ثم يشير خضر الى ان المبدعين العرب اعتمدوا على الاسطورة في الاسقاط السياسي لايجاد مساحة لحرية التعبير عن رأيهم في مجتمعاتهم وهذا ما جعل الاسطورة حاضرة من جديد في الواقع الابداعي العربي. ثم يختتم ورقته بالقول: ان الاسطورة هي مغامرة العقل الاولى كما يراها فراس السواح وهي مازالت فضاءات شاسعة وخصبة لمغامرات العقل فمن بمقدوره ان يوقف تحليق المبدع بالافكار؟ حيث يعيد بها تشكيل العالم, بل ويعيد خلق الاشياء بالكلمات ويبني عالمه النصي كما يشاء, ان الطبيعة وما وراءها قائمان وما على المبدع الا ان يطلق عقله للاستكشاف في مغامرة العقل التي لا تنتهي سوى بالموت, فمازال العالم بشقيه يحمل الكثير من الاحتمالات والدلالات والتفسيرات ومن الاساطير التي لم تولد بعد. بعد قراءة الورقتين قام الدكتور جابر عصفور بفتح باب النقاش والمداخلات, كما قدم عصفور مداخلة حول توظيف بعض المبدعين العرب لأساطير انتجت اعمالا رائعة واطلقت خيال الفكر والنقد. الجدير بالذكر ان ورشة الاسطورة والابداع والتي ترعاها دائرة الثقافة والاعلام بالشارقة سوف تستمر على مدى اربعة ايام, يتناول فيها المشاركون ثنائية الاسطورة ــ الابداع من جوانبها المختلفة, كما تستهدف الورشة من خلال جلساتها مجموعة من الجهات ومنها: رابطة اديبات الامارات, جمعية المسرحيين, اتحاد كتاب وادباء الامارات, بعض الفائزين في مسابقة الشارقة للابداع العربي. كتب مرعي الحليان

Email