استراحة البيان، المنكوب ـ بقلم: سعيد حمدان

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل مائة عام رسم دهاقنة الصهاينة احلامهم لدولتهم, لم تكن هذه الاحلام مجرد رغبات وامنيات في الخيال ــ كما هي الاحلام العربية ــ وانما كانت دستورا وخططا وبرامج ومؤامرات ومؤتمرات وموازنات ومشاريع, كانت بروتوكلات حكماء صهيون, والمؤتمرات الصهيونية من (بال) سويسرا الى لندن وتشيكوسلوفاكيا وفيينا ومختلف عواصم العالم, ومع ان تلك الاحلام كانت كبيرة وواسعة بمقياس القوة والزمن الذي رسمت فيه ورغم تغير موازين القوى في العالم, الا انها تحققت كما خطط لها هرتزل وحلم بها بن جوريون وجولدا مائير. ساد اليهود في فلسطين وفي العالم كله, لانهم وضعوا ومنذ البداية اهدافا عامة للوصول الى ارض الميعاد فكانت برامجهم تتركز في الهجرة والاستيطان والحصول على مزيد من الاراضي وتوفير اكبر قدر من المياه للمستقبل البعيد والاهتمام بالصناعة. وكانت خيوطهم وبرامجهم لكسب اصوات العالم والسيطرة عليه بالاعلام والجنس وبالتغلغل في اسواق المال, وخلق (لوبي) يملك صنع القرار في امريكا التي تحكم العالم وفي العواصم الكبرى التي تملك التأثير في القرار الدولي. واقامت اسرائيل دولتها وباركها العالم, وكبرت دولة اليهود لانها عرفت وعملت على ان تكون كبيرة وقوية, ولانها وجدت عدوا قويا عنيدا صاحب حق فشلت في ان تسكت صوته وغضبه او ان تصاحبه, فعملت على ان تشغله من الداخل, بأن تباعد بين اطرافه وان تحطم قوته التي تمثلت في صوته الواحد في كل شيء. وساعدها الزمن, فاستشهد آخر الرجال الكبار في حروب الكرامة ومات بعضهم بالغضب والحسرة, ومن تبقى منهم تحول الى اشلاء ممزقة يسكنها الوجع وحزن الارض المغتصبة, والزمن ايضا بلغته الجديدة حكم ان يحل السلام وان تنتصر اسرائيل في هذا العصر وفي المستقبل ايضا. في الوطن العربي ستحكمه اجيال ولدت في غياب الوعي والهوية العربية, وفي احضان الاعلام الدولي, عصر مختلف تتمثل القدوة والمثل الاعلى عند الجيل في الممثل العالمي والمطرب وعارضة الازياء, وهؤلاء صناعة غربية تشارك برامج الصهيونية في تغذيتها. كذلك اللغة التي يتحدث بها القادة الذين يحكمون هذا العالم هي لغة السلام والامن والمشاريع المشتركة, وهو عصر نسمع فيه سادة القرار من امريكا الى لندن يقولون ومن قلوبهم العامرة بالحب وباخلاص وتأثر ان اسرائيل هي دولة المناضلين وانها بلد الشجعان والديمقراطية وانها نموذج يستحق الاحترام والتقدير, ونسمع كلامهم ونصمت, وطبعا يصدق هذا الجيل, فهؤلاء لا يكذبون! اذن لماذا نحارب (طبعا لا توجد حرب ولا يعلم الجيل الجديد انه كانت هناك حروب ومذابح وانتفاضة في يوم ما) لماذا نسب ونشتم اسرائيل, اذا كان العالم المتطور والدول العظمى تقول انها دولة حضارية. هذا منطق جيل اليوم, الجيل الذي لا يعرف عز الدين القسام وعبدالقادر الحسيني, لم يشهد وقائع او حتى يشاهد في اعلامه مذبحة دير ياسين ومجازر صبرا وشاتيلا وحرب 67 و73 ومآسي الحياة بعيدا عن الوطن, في الخيام والشتات. لم يدرس سوى صفحات قصيرة. وقد تكون مشوهة من تاريخ امته الطويل, فمادة التاريخ عند هذا الجيل مقرر ثقيل لا يفهمه ولا يتقبله, فكيف نطالبه بان يدرسه جيدا ويحفظه ويحمل في يوم الرسالة ــ اذا تبقى هناك امانة ورسالة... انها النكبة الكبرى!

Email