جمال ابوحمدان صاحب - الموت الجميل:الكتابة حالة نرجسية والمبدعون هامشيون

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتفرغ الروائي جمال ابوحمدان للكتابة الروائية ويعكف على ما يسميه (كتاب الهذر) وهو اشبه ما يكون ببوح للسيرة الذاتية يحاول ان يقف في مواجهة ملحمة الشاه نامة للفردوسي التي يروي فيها سير الملوك والابطال. انه يكتب ـ جمال نامة ــ عن شخص عادي, لا يملك شيئا ولم يُملك على شيء ولا ينطوي على اية بطولة. ولا يرى جمال ابو حمدان ان الكتابة تنطوي على مهام جسيمة في تغيير العالم او قيادته ولا حتى التعبير عن اوجاعه بل يراها عملية نرجسية تخص الكاتب وحده, فيقول: الاقتصاديون والعسكريون يحكمون السياسيين. والسياسيون يتظاهرون بحكم العالم, اما الابداعيون فهم هامشيون يتسلون احيانا بنجومية زائفة وبخداع التراث ليقولوا نحن موجودون, لكن كمن يسير مذعورا في درب موحش معتم ويغني ليسري عن نفسه ويذهب عنها الروع, الكتابة في النهاية نوع من الدفاع عن الذات ضد عالم متغول, ونكتشف مع نضوجنا المتأخر ان الكتابة لم تغير لا للاحسن ولا للأسوأ, لقد استطعت اخيرا ان اخرج من وهم اثر الكتابة ورغم ذلك فقد واصلتها ولم اتوقف. ويقول: وهم اخر خرجت منه اثناء الكتابة وهو مخادعة النفس وخداع الاخر المبني على الظن بان الكاتب يكتب لانه يعاني ولانه يحمل هموم ومعاناة الاخرين والحقيقة ان معاناة الكاتب الوحيدة هي سيطرة كتابته عليه وقسوة تلك السيطرة. اما حمله لهموم ومعاناة الغير فهي مخادعة مكشوفة ومناقضة لقاموس الطبيعة, اذ كيف يحمل كاتب هم انسان اخر دون ان يربح هذا الاخر منه. وحول روايته الاخيرة (الموت الجميل) يقول: على حفاف الوعي بوغت بان ما اكتبه يبدأ بموت فاجع او ينتهي بموت فاجع وما بين البداية والنهاية حضور للاول او تهيوء للاخر. استذكر انني في لحظة تفتح وعيي على الحياة لحظتها استيقظت محاطا بندب وتفجع وكان الموت قريبا انتزع حلمي وظل بعدها يهدهدني وربما ما زال ولانني كاتب يحب الحفر في الموضوع الواحد, وحيث تبين لي ان الموت هو الانجاز الاكبر للحياة الذي لا انجاز بعده وقلت فلأذهب اليه اذن, فذهبت اراوغه ورضينا نحن الاثنان هذه المراوغة واعرف يقينا بانه في النهاية سيقوى علي لكنني اعرف انني تركت عنده وديعه لا يقوى على تجاهلها او انكارها. وفي الوقفة الحائرة بين امس لا يقيم وغد لا يأتي كان علي ان امسك باللحظة الراهنة كما تمسك بنا ونرتهن لها, وفي سبيل ذلك انفلت من جاذبية المكان والزمان صحيح اني اعاني غربة في المكان واغترابا في الزمان ولكنني اعطي كتاباتي المدى الذي اردته لها. ويقال انني كاتب بعيد عن الواقعية, لكنني اقول ان كل كتابة هي كتابة واقعية, واذا كنت منجذبا الى فنتازيا الحياة والموت فلانه لا يوجد فيهما الا واقعا, ولكنه واقع اكثر اثارة من اية فنتازيا ولا اعرف خيالا مهما جمع يستطيع ان يجتاز هذا الواقع بكل ما يحويه ــ واعرف ان المسافة بين القلب والعقل. لا تزيد عن اشبار وانني بكتابتي المتواضعة احاول تحقيق التواصل بينهما دون ان اعني بمن يطغى هذا على ذاك. وقد خرج الروائي جمال ابوحمدان من عزلته التي ينقطع فيها للكتابة ليلتقي بالجمهور في ندوة في دارة الفنون وليقول انه يكتب دون تخطيط مسبق وان الكتابة تنهمر عليه دفعة واحدة دون فواصل, في حين تحدث في هذه الندوة الناقد د. طراد الكبيسي عن رواية (الموت الجميل) قائلا ان هذه الرواية رواية دائرية تبدأ من حيث تنتهي وتبين قدرة الكاتب التناحية مع قضية الموت والحياة في بعدها الانطولوجي في نص يحفل بالتموج بين الانفتاح والانغلاق كما يحفل حواره بالخلفية الفلسفية التي تدور حول الحياة والموت من خلال استعادة الرؤيا الحلمية مجسدة بحدث واقعي, كما يتخلى المؤلف عن تسمية المكان وتعيين الزمان بل عن تسمية شخصياته ما عدا واحدة فقط هي (وطفا النعمان) . وقد فسر جمال ابوحمدان هذه الشخصية قائلا: في حين ان كل الشخصيات هم الضحايا المصلوبين فان اسمائهم لا تهم. الا وطفا النعمان انها الصليب لا المصلوب وهي الرمز لهذا تميزت. عمان ـ سميحة خريس

Email