استراحة البيان: أشأم من طويس : يكتبها اليوم- ظاعن شاهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبدو لنا بعض الأشياء احياناً رغم عفويتها وعدم التصاقها بالواقع المعاش وخروجها عن حدود المألوف تبدو كأنها حقيقة واقعة علينا الأخذ بها والتسليم بحدوثها والتشبث بتفاصيلها الدقيقة, ومن ذلك ما تحمله الأيام من أحداث متتالية, سواء كان خيراً أم شراً وربطها بخيط الحظ الذي يلازم احدنا ويصدف معه كثيراً او خيط النحس الذي يتأبط بعضنا فنعتقد انه لا فكاك منه ولا خلاص... وأغلبنا يدرك أنه لا يوجد انسان منحوس وآخر محظوظ بشكل مطلق الا ان ذلك لا يغير مقدار شعرة من يقين هؤلاء الذين يتحسسون نحسهم في كل خطوة يخطونها أو أولئك الذين يراهنون على حظوظهم التي تفلق الصخر مهما كانت العوائق... والصدف هي وحدها من يخلق تلك المتناقضات فترمي احياناً على انسان ما صفة النحس فيتواصل مع تلك الصفة من خلال حوادث بعينها تجعله يعتقد يقيناً بأنه نحس, او ترمي حظوظها على آخر فيعتقد انه من يرسم الحظ ومن يطرق بابه كلما أراد. ورغم عدم قناعتي بالنحس الذي يلازم البعض من الناس او الحظ الذي يبتسم لشخص بعينه دون عباد الله, الا أنني عشت تجربة برهنت لي اننا نحن من يسقط خيوط الوهم على أنفسنا, فنقيد بها ارادتنا ونكبل قوتنا وايماننا. فقد التقيت بصديق باعدت الأيام عني رؤيته, فتشاكينا, وتذاكرنا, وتواعدنا على ان نلتقي قريباً وكان اللقاء الجديد, وبعد التحية والسلام والسؤال عن الأهل والاسرة والعمل توالت الكلمات واسترسل الحديث بشهده وتعبه, فقال صاحبي بأن النحس يكاد لا ينفك الا ويتواصل معي من جديد على جميع الاصعدة, واخشى ان ينالك منه نصيب. وأشار قائلاً: انني لا اذهب الى بلد الا ويحدث مكروه ما في تلك البقعة التي اشد الرحال اليها, فقد ذهبت الى الهند وما كدت انزل الفندق الا وسمعت ان رئيس الوزراء راجيف غاندي قد اغتيل, وهكذا الحال بالنسبة لجزر القمر فقد كنت في زيارة الى هذا البلد وفي اليوم الذي كنت انوي فيه الرحيل حدثت حكاية الانقلاب على الرئيس ومنعت حركة الطيران. ولو قمت بسرد القصص العجيبة والغريبة التي حدثت لأيقنت بأن النحس يتلبسني . - ولكن تلك حوادث متفرقة يربط بينها خيط الزمن بشكل متقطع. ــ اعلم ذلك, لكن في كل الاحوال أنا من يتعرض لتلك المواقف. - تلك المواقف لا تعني الكثير خاصة اذا قمت باسقاط ما تعتقده حقيقة على مرآة نفسك, ولو أردت ان تصل الى حقيقة ما فعليك ان تغفل ما تعتقده واقعاً. ــ كيف؟ - عليك ان تنسى لغة النحس, وتتواصل مع حياتك اليومية, فتلك الحوادث المتفرقة التي ذكرتها ما هي الا صدف توافقت مع ما تعتقده. ــ هل تعتقد بأنه لا يوجد اشخاص يجلبون النحس او الحظ معهم؟ - الذي اعرفه انني مررت بتجربتك نفسها وما زلت مصراً على عدم وجود ما تعتقده حقيقة واقعة, فقد ذهبت الى الولايات المتحدة الامريكية في زيارة صحفية تضم وفداً خليجياً, وقمنا بجولة في بورصة نيويورك وبعد يوم واحد فقط على زيارتنا انهارت البورصة في حادثة شهيرة عرفت بيوم الاثنين الأسود, وبعدها قمت بزيارة الى كوريا الشمالية ومررنا في طريقنا بالمانيا الشرقية سابقاً وقمنا بمشاهدة سور برلين الا ان تلك المشاهدة احدثت بعد خروجنا من المانيا الشرقية انهيار السور وتوحد الالمانيتين, وفي نفس الاطار كان الطريق الى كوريا يمر بالاتحاد السوفييتي سابقاً فنزلنا في موسكو مما ادى بعد خروجنا في أقل من شهر الى تفكك الاتحاد السوفييتي, فهل تعتقد ان النحس يلازمني؟ ــ انا لا اعتقد لكنني متأكد ان النحس يلازمك؟ - ما دام كذلك فأعتقد اننا في هذه الجلسة سننحس هذا المقهى الجميل فلا يزوره احد ولا يؤمه بشر فنكون بذلك أشأم من طويس. ــ وما حكاية طويس هذا؟ - طويس هذا يضرب به المثل فهو يقول: ولدت يوم مات الرسول, وفطمتني امي يوم مات ابو بكر, وبلغت الحلم يوم قتل عمر بن الخطاب, وتزوجت يوم قتل عثمان, وولد لي يوم قتل علي بن ابي طالب, وكانت العرب كذلك تقول في امثالها أشأم من براقش, وبراقش اسم كلبة نبحت جيشاً كان يقصد قومها وخفي عليهم مكانه, فلما نبحتهم عرفوه فعطفوا عليه واجتاحوه. ــ اذن العرب عرفت الشؤم وضربت به المثل. - نعم الشؤم صفة بشرية لا نستطيع ان ننكرها ولكنها غير مطلقة, والصدفة هي ما يثبتها ويجعلها حالة يعتقدها الآخرون انها متواصلة, لهذا لا تعتقد انك أشأم من رغيف الحولاء! ــ ومن هي الحولاء؟ - الحولاء هي امرأة من العرب خطف رجل رغيفاً عن رأسها فقالت:(والله ما اردت بهذا الا اهانة فلان) وهو رجل كان في جواره فثار القوم فقتل منهم الف انسان, فماذا تقول؟ ــ أقول: ان السلامة منها ترك ما فيها.

Email