استراحة البيان : تكريم في محله ـ بقلم: محمد المر

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مساء الخميس الماضي كرمت جمعية الفجيرة الثقافية الاجتماعية شخصية من الشخصيات الرائدة في تاريخنا المعاصر في دولة الامارات العربية المتحدة, وهذه الشخصية التي كرمت لريادتها في العمل الوطني هي شخصية محمد سعيد الملا وزير المواصلات السابق . ولكي نعرف مدى المساهمة الكبيرة والانجاز المهم لهذه الشخصية الرائدة فيجب ان نلقي قليلا من الضوء على جوانب من مسيرتها التاريخية الطويلة طيلة عقود متوالية من تاريخ مجتمعنا ودولتنا الحديثة. ولد محمد بن سعيد بن راشد المهيري في حي الشندغة في مدينة دبي عام ,1928 وكان والده سعيد بن راشد المهيري من وجهاء المدينة ومن رجال الدين والخير المعروفين, واتصف بالورع والكرم حيث كان يحل عليه الاضياف من سواحل الخليج العربية والفارسية, وكان الذين يقدمون من السواحل الفارسية يطلقون عليه اسم (الملا) وهو اللقب الذي يطلق عندهم وفي بعض المدن العربية الخليجية ايضا على المعلم ورجل الدين حتى اصبح لقبا له. توفي سعيد بن راشد المهيري وابنه محمد مازال طفلا في بداية تعرفه على البشر والحياة فلم يؤثر هذا الحادث المأساوي على ذلك الطفل الصغير بل زاده اصرارا على الرغبة في الاجتهاد حيث عرف مبكرا ان العصامية والاعتماد على النفس هما قدره المحتوم وطريقه الوحيدة للابحار في مجاهل المستقبل المحفوف بالصعاب والتحديات, درس مع ابناء جيله في مدرسة (الاحمدية) بمدينة دبي فعرف فيها ابجديات المعرفة المتوفرة في ذلك الوقت وتشمل مبادىء اللغة العربية والدين الاسلامي والحساب وغيرها من المعارف, ولم يكتف بذلك القدر من المعرفة المدرسية بل ثقف نفسه بالاطلاع على الجرائد والمجلات العربية التي كانت تصل للامارات من مصر مثل جرائد ومجلات الاهرام والهلال والمصور وغيرها ففتحت له نافذة اطل منها على ما يجري في عالمنا المعاصر من معارف انسانية وتيارات سياسية وتطورات اقتصادية... الخ, كما تعلم بعد ذلك قدرا لا بأس به من اللغة الانجليزية, لغة العصر والاعمال التجارية. بدأ العمل مبكرا في مجال التجارة حيث شارك ابن اخيه الحاج عبيد بن بطي بن سعيد المهيري رحمه الله, وعملا في مجال تجارة المواد الغذائية والاخشاب وتوسعت تجارتهما مع دول شبه القارة الهندية, كما تأثر بشخصية رجل الاعمال المعروف علي بن عبدالله العويس رحمه الله, وبشخصية الوجيه ورجل الخير ثاني بن عبدالله الرميثي رحمه الله, ووجد منهما التوجيه الطيب والقدوة الجيدة والابوة الرحبة, كما صادق منذ بداية شبابه الشاعر ورجل الاعمال والخير سلطان العويس وجالا معا في دول العالم رغبة منهما في كسب الفرص التجارية وفي اكتشاف مختلف أوجه الثقافة والحضارة في دول العالم المتخلفة والمتقدمة, ورافق في مسيرته التجارية معظم رجال الاعمال من جيله امثال سيف الغرير وعبدالله الغرير وماجد الغرير ومحمد عبدالله القاز وناصر عبداللطيف السركال ومير هاشم خوري وحمد الفطيم وماجد محمد الفطيم وعبدالله حمد الفطيم وغيرهم. تطورت شركة (محمد وعبيد الملا) طيلة ما يزيد على العقود الخمسة الماضية من دكان صغير في حي الشندغة إلى مؤسسة اماراتية كبرى يشمل نشاطها المصارف والفنادق والمقاولات والمصانع والمراكز التجارية والمستشفيات وغيرها من اوجه النشاط التجاري والعقاري والصناعي حيث شاركت بنشاط في حركة التنمية الحديثة. ساهم محمد بن سعيد الملا بنشاط لا يكل, وبهمة لا تفتر في معظم مشاريع النهضة المعاصرة في دولة الامارات العربية المتحدة بشكل عام وفي امارة دبي بشكل خاص, فكان من اعضاء مجلس ادارة شركة كهرباء دبي عند تأسيسها عام 1959 وكان نائبا لرئيس المجلس البلدي في دبي في بدايته عام 1961 وترأس مجلس ادارة غرفة تجارة دبي عندما بدأت عام 1965 وشارك في تأسيس العديد من المؤسسات المحلية الاخرى, وساهم ايضا في العمل الاداري الوطني في امارة أبوظبي حيث كان احد اعضاء مجلس التخطيط الذي اصدر صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مرسوما اميريا بانشائه في العشرين من مارس عام 1968 في امارة أبوظبي. اما في المجال الاتحادي فكان محمد سعيد الملا من الجيل الذي كان اتحاد الامارات العربية المتحدة حلمهم الكبير وامنيتهم الغالية وعاشوا بكل وجدانهم واحاسيسهم متابعين لمداولات الاتحاد التساعي ثم الاتحاد السباعي بعد ذلك, وتقلد في بداية المسيرة الاتحادية منصب وزير لشؤون الاتحاد والخليج ثم تحمل بعد ذلك مهام وزارة المواصلات الاتحادية منذ الثالث والعشرين من ديسمبر عام 1973 وحتى التشكيل الوزاري قبل الحالي, وطيلة تلك السنوات كانت شخصية محمد سعيد الملا من الشخصيات السياسية والادارية الاتحادية التي حرصت على التوفيق بين الآراء المتعارضة وعلى تغليب المصلحة الاتحادية والوطنية العامة على المصلحة الضيقة والخاصة وعلى اعلاء صوت العقل والاتزان والحكمة, وارتبط بعلاقة مودة واحترام وتقدير مع قادة مسيرتنا ونهضتنا الحديثة وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حفظه الله وصاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله وصاحب السمو الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم واخوانهم حكام وقادة الامارات. وقاد باقتدار دفة العمل الوزاري في وزارة المواصلات حيث كان رائدا مميزا في المجال الاداري فتبنى منذ وقت مبكر تحويل وزارة المواصلات إلى هيئات ومؤسسات عامة ومختلطة يكون لها استقلالها الاداري والمالي والمعنوي بحيث تتخلص من قيود البيروقراطية القاتلة وتعمل بشكل مبدع وخلاق, وعلى رأس تلك المؤسسات كانت مؤسسة (اتصالات) التي اصبحت مؤسسة رائدة ليس على مستوى دولة الامارات بل على المستوى الخليجي والعربي بامكانياتها العملاقة ونجاحها المعروف وطاقمها الوطني وجهودها التدريبية الاكاديمية وطموحاتها المستقبلية. ان المتأمل لسيرة محمد سعيد الملا الذي استطاع ان يتغلب على ظروفه الصعبة بشخصيته العصامية وكفاحه المتواصل حتى استطاع ان يكون احد اعمدة نهضتنا المعاصرة في دولة الامارات العربية المتحدة يتذكر بلا شك قول نابليون: (كنت ارد بثلاث على ثلاث, من قال: لا اقدر, قلت له: حاول, ومن قال: لا اعرف, قلت له: تعلم, ومن قال: مستحيل, قلت له: جرب) .

Email