استراحة البيان، دار... لا غدر فيها ولا حزن - بقلم سعيد حمدان

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبقى هناك منازل لها في القلوب مكانة, وحال الزمن ان يدور وتتغير احواله واهله إلا ان هذه المنازل تظل شامخة محفورة في دواخلك, تحفظ بقايا قديمة منك, من احلامك وذاكرتك, ومن رسم اشخاص يسكنوك , من هذه المنازل العزيزة, منزل الشيخ سعيد بن مكتوم, بيت عمره اليوم مئة عام وسنتان لايزال شاهدا يحكي قصة تاريخ وحضارة هذه الارض الطيبة واهلها, والجهد الذي بذل في إعادة ترميم البيت ودقة تنفيذ المشروع وكذلك الوثائق والصور النادرة التي يضمها البيت, المتحف, تجعل الضيف الزائر يشعر انه بالفعل يعيش تلك الحقبة من الزمن, عندما كانت الحياة بسيطة في مطالبها شحيحة في معطياتها الى حد انها تخير صاحبها بين الموت في قاع البحر بحثا عن الثراء او السراب, وبين الموت بالجوع والمرض على اليابسة لكن الانسان الذي عايشها كان أكبر وأقوى من خياراتها وقسوتها كان يملك الايمان والارادة لان يحلم بيوم أجمل, يحمل هذا اليوم الحلم كل معاني الاستقرار والراحة والطمأنينة للابن وللحفيد الذي سيولد في الغد البعيد, الذي هو نحن اليوم. وطبيعي ان يشعر زائر الدار في نهاية جولته, بالصدمة بين حال ذلك الزمن وبين الحاضر, كيف حدث هذا, بهذه السرعة, بهذه الضخامة وبهذا الاتقان؟! انها الارادة وانه الانسان الكبير في صبره وسعيه واحلامه وآماله. في بيت الشيخ سعيد بن مكتوم كل ركن يحتاج الى تركيز واعادة مطالعة, فهو يحوي كنوزا لايعرف قدرها الا من عايشها او المهتم الذي يشعر بحجم النقص الذي نعانيه في مجال نشر الوثائق ودراسات التاريخ في هذا الوطن. في الدار, استوقفني بيت شعر يتيم مخطوط على مدخل جناح الشيخ سعيد بن مكتوم, يقول: ألا يادار لايدخلك حزن/ ولا يغدر بصاحبك الزمان بيت رائع ساحر في كلماته ومعانيه, ولابد ان وجوده محفورا هنا له قصة: لمن هو, ولماذا كتب, ومتى كتب؟ بحثت في المقالات والمراجع التي تتحدث عن الدار, وكذلك سألت بعض المهتمين بالتراث والشعر, فلم أجد اجابة, وهاتفت السيد عبدالله بن جاسم مدير البيت, وأجابني: انه بيت شعر مؤثر يقف كثير من الزوار عنده, ولكن قصته مجهولة, وقد تكون كالتالي: ان البناي كان يحفظ هذا البيت, فرسمه على جناح الشيخ, حبا في أهل هذه الدار, ان يقيهم الله شر الاحزان والغدر, ولكن السؤال والحديث لعبدالله هل كان هذا البيت محفورا على باب غرفة الشيخة ميثا بنت عبيد والدة الشيخ سعيد, ام انه رسم عندما أعيد ترميم الغرفة في عهد الشيخ سعيد بن مكتوم؟ واضاف ان هناك بيتا آخر مكملا يقول: فنعم الدار أنت لكل ضيف/ إذا ما ضاق بالضيف المكان قصة هذا البيت مثلها كالعديد من الاماكن الاثرية والوثائق والشخصيات والتاريخ الذي نعرف منه سطورا مبتورة او لايزال مجهولا, مدفونا يحتاج الى من يبحث عنه ويحقق فيه ويكتب عنه, فهذه أرض لها حضارة عريقة وغنية تمتد جذورها الى أقدم الحضارات التي عرفتها الانسانية كما تدل على ذلك بعض المكتشفات الاثرية التي اعلن عنها في اماكن متفرقة من هذا الوطن, ولكن أين المهتمون؟ فعدد الباحثين الذين قدموا دراسات عن تاريخ الامارات لايتعدى أصابع الكف الواحدة, ومعظم بحوثهم تدور في موضوعات محددة ومتشابهة من جوانب التاريخ. انها خسارة ان نترك هذه الثروة مجهولة مدفونة, وخسارتنا الاكبر ان نفقد ذاكرتنا الحية المتمثلة في ذكريات (الشواب) دون ان نتحرك ونوثق هذا التاريخ. هذه الخسارة نشعر بها اليوم, ولكن حجمها سيكبر وستصبح كارثة في المستقبل!

Email