استراحة البيان: مصرع السفاح يكتبها اليوم- ظاعن شاهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكبر الصحف اليومية في العالم وأكثرها رزانة وعمقا تدفع يومياً ثمن الاخطاء الاملائية والنحوية والبشرية وتواصل الاعتذار أو تغفله أحيانا من باب ان القراء الأعزاء يقدرون حالات اللهاث اليومي الذي تعيشه الصحف والعاملون فيها للحاق بوقت دوران المطبعة ومن ثم الوصول للقارئ, وتكاد لا تخلو صحيفة أو مطبوعة يومية من ثمة خطأ في مكان ما من صفحاتها التحريرية المتنوعة, أيا كان شكله وتأثيره. ويبدو ان المصححين والمدققين بشكل أكثر قرباً هم أتعس الفئات حظا في المؤسسات الصحفية كونهم من يتلقى العتب والغضب والتوبيخ والتعنيف والخصم والتفنيش أحيانا, ورغم ذلك يظل هؤلاء الاسفنجة التي تمتص حمرة الغضب وصفرة اللوم, بينما يصبح جهاز الكمبيوتر هو الشيطان الاكبر او الشماعة التي يعلق عليها الكل أخطاء ما يحدث وما سوف يحدث, رغم براءة هذا الاختراع الجميل من كوارث مستخدميه ومن جهل متعاطيه بفنياته العالية... ونحن هنا لا ندافع عن الزملاء المصححين الذين يعرفون وحدهم دون غيرهم من الفئات امكانيات كل الزملاء المحررين في الاقسام التحريرية المختلفة, حيث يبدو الكثيرون امام هؤلاء مكشوفين ومفضوحين, ولكننا نقول ان الخطأ يمر أحيانا هكذا دون ان يعلم اكثرنا لماذا وكيف, فالعين الرقابية رغم دقتها تمر منها احيانا كلمات تعتقد انها صحيحة وهي في واقع الامر مقلوبة وتؤدي الى عكس المعنى, والمصححون امام الخطوط الردئية التي يستحيل فك طلاسمها أحيانا والتي يحاول اكثر الزملاء المحررين تمريرها الى الصف بسرعة يكاد هؤلاء المصححون ان يفقدوا صوابهم قبل ان يفقدوا عملهم, فيجتهد اكثرهم ويخطأ بعضهم فيكون الخطأ جسيما غير مغتفر. وعن الاخطاء الصحفية والمطبعية ظهرت قصص وحكايات لو اراد بعضنا سردها لما وصل الى نهاية لكثرتها لانها حدثت وتحدث وسوف تحدث رغم كل التكنولوجيات والابتكارات العالمية للحد منها, وفي هذا المقام أرصد لكم أيها الاعزاء أشهر قصة حدثت عن الاخطاء الصحفية والتي يذكرها ويرددها دائما اساتذة الصحافة, فقد جاء شخص في وقت متأخر الى موظف الاعلانات بخبر وفاة شخصية بارزة فرفض المسؤول الاستجابة لرغبته لتأخر الوقت لكن حامل الاعلان لم يقتنع وصعد الى مكتب نائب رئيس التحرير, وكانت الصيغة معدة من قبل وجاهزة وكانت تلك صيغة ثابتة ومعروفة, وأمام ضغط العمل وتواصله عرض موظف الاعلانات عليه تلك الصيغة لكي يقرر نشر الاعلام من عدمه, فكتب زميلنا العزيز على آخر الورقة عبارة (اذا وجد له مكان) في اشارة الى الاعلان حتى لا ينسى وبعد ان راجع موظف الاعلانات مع سكرتير التحرير المناوب الصفحات وجد لهذا الاعلان مكانا حيث تم حجزه وارسال الورقة الى الصف لصفها وهكذا دون ان يراجع احد من المصححين ذاك الاعلان حيث فوجئ الجميع في اليوم الثاني بصياغة مثيرة للاعلان حيث اصبح هكذا: (وأسكن الله الفقيد فسيح جناته, وخلفها رأسا عبارة اذا وجد له مكان!. ولأن القصص والروايات كثيرة مثيرة حول تلك الاخطاء قام الاستاذ منذر الاسعد برصد تلك الاخطاء في كتاب اسماه طرائف الاخطاء الصحفية والمطبعية, بالاضافة الى روايات حقيقية على لسان أبطالها نحاول ان نقتطف منها جزءا. روى الاستاذ مصطفى أمين هذه الواقعة التي حدثت في (الاهرام) فقد نشرت الصحيفة في يوم من الايام على صدر صفحتها الاولى رأيا لها تطالب فيه المسؤولين بتجديد شباب القضاء وكان المفروض ان يكون العنوان (الاهرام تطالب بتجديد شباب القضاة) , فنزلت هكذا (الاهرام تطالب بتجريد ثياب القضاة) , فثار القضاة ثورة عارمة وأبلغوا الجهات العليا باحتجاجهم وطالبوا برد شرف! اما الاستاذ عثمان لطفي في صحيفة الاخبار القاهرية فيشير الى انه في اوائل الستينات كان يعمل سكرتير تحرير في الصحيفة وحدث ان الرأي العام المصري كان يتابع قضية سفاح روع الناس بجرائمه وأتعب رجال الأمن الذين لم يستطيعوا القبض عليه, وتصادف ان كان الرئيس عبدالناصر سيقوم برحلة الى باكستان وسط هذه الضجة الاعلامية عن هذا السفاح فقال عبدالناصر لزكريا محيي الدين وهو على سلم الطائرة (يازكريا أرجو ان اعود وقد قبضتم على هذا السفاح) وضحك عبدالناصر وسافر, وفي مساء اليوم الذي سافر فيه عبدالناصر الى باكستان فوجئ الجميع بأن الشرطة قد قبضت على ذلك السفاح في المقابر ولكنه لقي مصرعه. ويضيف الاستاذ لطفي في روايته: كان علينا ان نذكر هذا الخبر المهم عن مصرع السفاح وننشر خبر وجود عبدالناصر في باكستان, وكان هناك تقليد قديم في الاخبار هو ترتيب العناوين حسب اهميتها من أعلى الى أسفل بشرط وضع خط فاصل بين عنوان وآخر, فكتبت العناوين (مصرع السفاح) في اعلى الصفحة, ثم وضعت خطا فاصلا ووضعت العنوان الثاني وهو عبدالناصر في باكستان وذهبت الى منزلي لاستريح واذا بالاخبار تصدر وبها العنوانان بلا فاصل فبدت للقارئ (مصرع السفاح عبدالناصر في باكستان) وحدث مالا تحمد عقباه! ويرى البعض ان هذا الخطأ كان سببا في صدور قانون تأميم الصحافة بمصر.

Email