استراحة البيان : تقدم الجنس اللطيف: بقلم: محمد المر

ت + ت - الحجم الطبيعي

في صباح الثلاثاء الماضي حضرت افتتاح (اليوم المهني) لكليات التقنية العليا للطالبات في مدينة دبي. وبعد كلمات الافتتاح التي ألقاها وزير التعليم العالي والعمل والشؤون الاجتماعية , اخذتنا ادارة الكلية في جولة دارت بنا الاقسام الداخلية والمكاتب التابعة للمؤسسات العامة والخاصة المهتمة بتوظيف الطالبات. وقد لاحظت ان بعض الزوار (واغلبهم ذكور) كانوا ينظرون الى مجهودات الطالبات ورغبتهن في الحصول على الوظائف والمهن بشيء من الابوية المخلوطة بالاستغراب وبالاشفاق وكأن لسان حالهم يقول: هل تقدر بنات الجنس اللطيف والناعم على القيام بالاعباء الشاقة والمسؤوليات المتعبة التي تفرضها الوظيفة عليهن؟!. والحقيقة ان هذه النظرة نتاج لقرون طويلة من السيادة الذكورية والتي قامت على التفوق العضلي الرجولي. ومنذ بدايات الثورة التكنولوجية التي تعتمد (بخلاف المرحلة الزراعية والصناعية) على قوة العقول والافكار لا على قوة العضلات والسواعد فإن السيادة الذكورية تتعرض لتآكل مستمر, واصبح ميزان القوى بين الرجل والمرأة يميل بكفتية للتعادل. تقدم الجنس اللطيف في جميع انحاء العالم يسير بخطى حثيثة ومستمرة وبطريقة هادئة تخلو من الضجيج في كثير من جوانبها. في بريطانيا والعديد من الدول الاوروبية اثبتت نتائج امتحانات المدارس الاولية من سن سبع سنوات الى 16 سنة تفوق الاناث على الذكور. واثبتت الدراسات ان البنات يفقن الاولاد في مهارات القراءة والتركيز الذهني ومجابهة المواقف الصعبة والانتاجية والاعتداد بالنفس وباقي المهارات الاجتماعية. ــ في بريطانيا تتفوق الطالبات في اللغات حيث اجتاز في السنة الماضية 64.5% من البنات امتحان اللغة الانجليزية بنجاح في شهادة الثانوية بينما كانت نسبة نجاح الطلبة حوالي 47% فقط.! ــ في امريكا كانت نسبة الطالبات الناجحات في شهادة بكالوريا المحاسبة عام 1970 لا تتعدى 10% بينما كانت نسبة الطلبة الناجحين 90% اما في عام 1996, فقد بلغت نسبة الطالبات الناجحات 55% ونسبة الطلبة الناجحين 45%! ــ في السنوات الدراسية اثناء التسعينات بدأت نسبة الطالبات الملتحقات بالتعليم الجامعي في امريكا وبعض الدول الاوروبية تزيد على نسبة الطلبة كما تقل بينهن نسبة التسرب الدراسي مقارنة مع الطلبة واصبحن يحصلن على شهادات جامعية اكثر من الطلبة! ــ العديد من المهن التي كانت حكراً على الرجال او التي كانت قياداتها حكراً على الرجال بدأت تتعرض للكثير من التغيير, حيث دخلت النساء باعداد كبيرة في مجالات المحاسبة والطب والمحاماة والتدريس الجامعي والبحث العلمي وغيرها, كما اصبحن قيادات فاعلة في العديد من المجالات, واثبتت العديد من الدراسات ان النساء اكثر قدرة على التأقلم مع تغير ظروف سوق العمل وتغلبن على الذكور في مجالات وضع الاهداف والتخطيط والحسم! ــ الرياضة التي كانت تعتمد على القوة العضلية الذكورية بدأت النساء يحققن فيها ارقاما قياسية فوجدنا العديد من النساء يبحرن في قوارب شراعية حول العالم ويقمن برحلات لاستكشاف مجاهل القطب الجنوبي الباردة ويتسلقن اعلى قمة جبلية في العالم الا وهي قمة افرست في جبال الهملايا! كما ان الافكار القديمة عن الجنس الضعيف والناعم تتعرض لتحديات مستمرة في الابحاث الجديدة التي تثبت انهن الجنس القوي فهن اقل تعرضا لامراض القلب والسكر ويعمرن خمس سنوات اكثر من الرجال (معدل الرجال 74 سنة تقريبا ومعدل النساء 79 سنة!) ويتعرضن لحوادث أقل من الرجال ونسب تناول المخدرات والانتحار لدى الاناث أقل بكثير من الذكور! بل لقد اثبتت الدراسات ان المرأة العزباء اقل احتياجا للرجل, حيث يعاني الرجل الاعزب من مشكلات عاطفية وعقلية تفوق مشكلات المرأة العزباء. ــ القوات العسكرية التي كانت اكبر معقل من معاقل الذكورة تتعرض الآن لاختراق انثوي مستمر وكمثال على ذلك, في بداية هذه السنة عين سلاح البحرية الملكية البريطاني امرأتين لقيادة سفينتين حربيتين! ــ ذهبت بعض الدراسات البيولوجية الى فرضية ان الكثير من التصرف العدواني الذكوري راجع الى اسباب بيولوجية مثل هرمون التيستوستيرون الذكوري الذي يجعل الرجال اكثر ميلا الى العنف من النساء, وبالتالي فإن تقدم النساء في المجالات العسكرية سوف يقلل من الحروب المدمرة والمهلكة للحرث والنسل! الوضع في الامارات وباقي دول الخليج والعالم العربي مختلف في بعض جوانبه عن الوضع في امريكا واوروبا, فالمرأة مازالت ترزح في الكثير من جوانب الحياة تحت وطأة عادات وتقاليد اجتماعية بالية تركز على دونية المرأة بشكل يتنافى مع تعاليم الاسلام العظيم التي تكفل لها العديد من الحقوق التي لا تتمتع بها حتى المرأة في الدول الاوروبية. ولكن تقدم المرأة عندنا قطع اشواطاً عديدة وهو يسير بخطى ثابتة. فالدراسات تثبت ان البنات اكثر جدية وتحصيلا واجتهادا ً في جميع المراحل الدراسية, والارقام تثبت ان اعداد الطالبات في التعليم الجامعي اصبحت منذ عدة سنوات تفوق اعداد الطلبة (في جامعة الامارات عدد الطالبات مقارنة بعدد الطلبة 3 إلى 1 وفي كليات التقنية اعدادهن تزيد على اعداد الطلبة وان كان بنسبة اقل في نسبة الزيادة في الجامعة) والحال كذلك في العديد من الدول الخليجية. صحيح ان الظروف الاجتماعية السلبية تضعف من حراك المرأة الخليجية المهني ولكن المسألة كما حدث في امريكا والدول الاوروبية مسألة وقت, فخلال العقدين القادمين سيكون اكثر الخريجين الجامعيين في الامارات وباقي دول الخليج في مجالات الطب والهندسة والمحاسبة والادارة المالية والقانون والعلوم والاعلام والتربية والاداب والادارة العامة من الاناث. لقد دخلت المرأة في الامارات العمل العسكري والعمل الشرطي واثبتت في كلا المجالين كفاءة وانضباطا وانتاجية واضحة, ودخلت قبل ذلك مجالات التدريس والطب والمصارف, ولن يمضي وقت طويل حتى تدخل معظم مجالات العمل بل وحتى تصل الى مراكز قيادية وسطى وعليا في تلك المجالات. والنظرة الابوية المختلطة بالاستغراب والاشفاق سيلقيها الآباء على الخريجين من ابنائهم الذكور الذين سيدخلون في ذلك الوقت سوق العمل حيث سيتنافسون مع شقيقاتهم اللواتي لن يقلن علما وكفاءة ومهارة وتصميما عنهم, هذا اذا لم يتفوقن عليهم.

Email