استراحة البيان : عندما يسكن الماء في القلب.. لا بد من العودة: بقلم - سعيد حمدان

ت + ت - الحجم الطبيعي

(ميّة) النيل تحمل بقايا سحر فرعوني, من يشرب منها لا بد ان يعود لها ثانية. حكاية شربة النيل خلدت عند اهالي النهر وزواره, يرددها الضيف والمضيف بسخرية احياناً وبجدية في لحظة الوداع, لا بد ان ترجع لمصر, لانك شربت من النيل . وحال من سكن قرب النيل, ومن سبح فيه, ومن مشى على ضفتيه, ومن عرف عنده العشق لاول مرة, حاله وشوقه اشد من زائر الفسحة, فالذي مشى بين حواري واسواق مدينة النيل, وعاش زحام الحياة اليومية, سهرليل القاهرة وترك فيها اصدقاء واساتذة, لا بد ان يسكنه الوله وأمل العودة لمدينة مختلفة تحمل نكهة لا مثيل لها. هذا الحنين تشعر به عندما يذكر اسم القاهرة امام من سبق ان زارها, وتشتد نغمة الحنين عندما تذكر, وهي دائما مذكورة, عند من درس فيها وسجل احلى سنوات شبابه وعمره عندها, هؤلاء إذا جمعهم مجلس فحديثهم الاول القاهرة وذكريات سنوات الدراسة, يحدثونك وكأنهم هناك, فلا تزال تسكنهم التفاصيل. لكن حديث الحنين يشدك اكثر ــ انت المستمع العاشق او الآخر الذي لم يعرف هوى القاهرة عندما يصدر من شخصية بارزة ــ ويزداد هذا الاعجاب والانصات اذا كانت هذه الشخصية في وزن ومقام سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. رئيس تحرير (الاهرام) الاستاذ ابراهيم نافع حاور سموه في لقاء طويل نشر مطلع الاسبوع, تطرق الى قضايا الساعة وحال الأمة العربية وأمن الخليج واتحاد الامارات واحلام سموه للوطن الكبير ولمستقبل وطننا الصغير الامارات ولمدينة دبي, حديث يحمل رسالة للحاضر ولوثائق التاريخ, وعندما سأل ابراهيم نافع سموه عن مصر, رد عليه الشيخ محمد بلغة تخلو من تعقيدات الدبلوماسية وقوالب اللفظ المحفوظ والمتعارف عليه لمثل هذه الأسئلة, لغة صادقة جميلة مفرداتها من القلب مباشرة. طرح رئيس تحرير الاهرام سؤاله: مضى زمن بعيد على آخر زيارة لسموكم الى مصر, وهذا يدفعني للسؤال او الاستفسار؟ رد عليه سموه: (تريد الصدق.. انا احب عندما اذهب الى مصر ان اترك رفاقي وارتدي الجينز واتجول في الاسواق القديمة, اذكر ذات مرة انني ذهبت بتاكسي الى شارع الجيش ـ بالمناسبة هل ما زال مزدحماً؟ ــ ودخلت عمارة ازور فيها صديقا لي.. وكنت اذكر مدرسا مصريا كان يعمل هنا في دبي ويرتدي نظارة.. وفي اثناء نزولي من عند الصديق اصطدم المدرس بي.. فانتبه ونظر إلي.. واكمل سيره وبعد قليل انتبه ولحق بي وسألني انت الشيخ محمد؟ فرددت عليه (مين الشيخ محمد؟ فاعتذر لي بطيبة وتركني وعاد الى طريقه) . يكمل سموه حديثه (انا احب مصر كثيرا وعندي معارف فيها واحب السير في الشوارع القديمة.. وازور الهرم واشاهد الخيول العربية في المزرعة, ولكن بصراحة انشغلت كثيراً في العامين الماضيين, وعادة انا ارافق صاحب السمو الشيخ زايد في جميع الزيارات الرسمية, ولكن في الزيارتين الاخيرتين الى مصر, شاءت ظروف تعرضت لها ألا اذهب معه, ولكن ان شاء الله اعدك بزيارة خاصة الى مصر بعيدة عن البروتوكول والرسميات وازورك في مكتبك واشرب قهوة في الاهرام) . هذه شهادة حب من رجل تحمل له قلوب كثيرة كل الحب. وطبع الولاء والوفاء ان تحب ما يحب أميرك, فماذا اذا كان عشقك للمراد القديم.. هكذا هي القاهرة وهكذا هي (ميّة) النيل.

Email