استراحة البيان، ظواهر الفيلم الظاهرة ـ بقلم: محمد المر

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل عدة ايام كنت اتجول في مكتبة (المجرودي) في منطقة الجميرا, وهذه المكتبة تعد من افضل مكتبات الامارات المتخصصة في بيع الكتب الانجليزية وخصوصا كتب الاطفال, وفي المكتبة قابلت بطريق الصدفة ممثل احدى دور النشر البريطانية الكبرى وعلمت منه ان الدار قد اعادت طبع رواية (تايتان) التي نشرت قبل غرق سفينة (التايتانيك) بسنوات قليلة, والتي تنبأ فيها المؤلف بأحداث شبيهة بأحداث غرق السفينة الشهيرة. وعلمت منه ان دور النشر في بريطانيا وامريكا منهمكة في اصدار الكتب الجديدة واعادة اصدار الكتب القديمة التي تتحدث عن تلك الحادثة التاريخية الشهيرة. والحقيقة ان دليل الناشرين العالمي في الانترنيت وغيرها يحمل اسماء عشرات من الكتب المؤلفة حول موضوع غرق سفينة التايتانيك فهناك على سبيل المثال عدة كتب تتحدث عن عملية اكتشاف حطام سفينة التايتانيك بالاضافة الى عدة كتب تحكي قصة تلك الكارثة كما رواها ركاب الباخرة الذين نجوا من الغرق والذين كانوا شهود عيان لتلك المأساة الانسانية الكبرى, وهنالك كتب للاطفال حول كيفية عمل نموذج كرتوني لسفينة التايتانيك, وكتب عن انواع ومقادير وجبات الاكل التي قدمت في مطعم السفينة, في اثناء رحلتها الشهيرة, وكتب عن الازياء التي كانت النساء تلبسها في ذلك الوقت على ظهر السفينة, وكتب حفلت بالعديد من الصور عن التايتانيك وركابها ورحلتها, وكتب عن نظرية المؤامرة في غرق التايتانيك, وكتاب عن جبل الجليد الذي اغرق سفينة التايتانيك... الخ ولا شك ان دور النشر تحاول ارضاء الجمهور الذي تدافع لمشاهدة هذا الفيلم ــ الظاهرة ــ وخصوصا النساء والفتيات حتى قيل ان فتاة ايطالية شاهدته اكثر من 47 مرة!! ويقول الدكتور (جويس براذرز) ان سبب اقبال الجماهير على مشاهدة هذا الفيلم راجع الى انه يخلص الكثيرين من الناس من احاسيس الاحباط لانه يصور لهم ان هؤلاء الناس الاغنياء الذين يتمتعون بكل مباهج الدنيا وملذاتها لا تستطيع اموالهم ولا ثرواتهم ان تنقذهم من القدر المأساوي. ويقول عالم النفس (جامي تورندوف) ان مشاهد الحب والتضحية بالنفس في سبيل الحبيب اثرت في قلوب الملايين من الناس الذين يتمنون ان يحصلوا على هذا النوع من الحب الذي يمتلىء بالاخلاص والتضحية. وتحاول الجرائد والمجلات ان تستفيد من شهرة الفيلم ــ الظاهرة ــ لذلك فقد خصصت العديد من التحقيقات للحديث عن احداث غرق سفينة التايتانيك التاريخية واجرت العديد من المقابلات مع القلة القليلة الباقية من ركاب السفينة الذين نجوا من الغرق ومنهم العجوز (الينور شومان) 87 سنة, التي كانت في الثانية من عمرها عندما غرقت السفينة ونجت في آخر قارب للنجاة لانها كانت من ركاب الدرجة الثالثة, وقالت انها ذهبت لمشاهدة الفيلم ثلاث مرات وكانت تبكي من التأثر في كل مرة! لانها تذكرت القصص التي كانت تحكيها امها عن لحظات الرعب وصرخات الخوف والرعب التي صاحبت اللحظات الاخيرة من ذلك الحادث التراجيدي! وقالت العجوز (ميلفينا دين) 85 عاما وكانت اصغر الناجين من الكارثة حيث كان عمرها آنذاك تسعة اسابيع ان والدها استطاع انقاذها هي ووالدتها وشقيقها ولكنه كان من ضمن الغارقين! كما تحدثت الصحف والمجلات عن هوس المخرج (جيمس كاميرون) بدقائق وتفصيلات الفيلم ورغبته في الكمال الفني في الاخراج لذلك فقد رافق فيلم الكارثة بعض الكوارث الصغيرة ومنها ان الممثلة الحسناء (كيت وينسلت) بطلة الفيلم اوشكت على الغرق عدة مرات اثناء التصوير وكانت متعبة جدا في مشاهد التصوير تحت الماء واصيبت بمرض (هايبوثرميا) وهو هبوط حاد في درجة حرارة الجسم يمكن ان يؤدي الى الوفاة لولا ان تداركها زملاؤها في الوقت المناسب! وقام احدهم بمزحة خطرة حيث خلط طعام الطاقم الفني بنوع من مخدر الهلوسة مما ادى الى تضرر ثمانين عاملا وفنيا ومنهم المخرج نفسه واقتضى الامر عناية طبية وتحقيقات بوليسية! كما تعرض العديد من الممثلين والكومبارس الى الكثير من اصابات الكسور والجروح التي احتاج علاج بعضها الى عمليات جراحية, وعندما سمعت نقابة الممثلين الامريكية بهذه الحوادث ارسلت مندوبها ليتحقق من مدى العطل والضرر الذي لحق بالممثلين والعاملين اثناء تصوير هذا الفيلم المثير! الغريب في الامر ان فيلم (التايتانيك) الذي يصور مأساة غرق سفينة كانت تعد من اجمل وافضل وأقوى السفن الفاخرة عابرة المحيطات لم يؤثر سلبا في اقبال المسافرين على الحجز في رحلات تلك السفن في هذه الايام بل ان العكس هو الذي حصل حيث ذكرت مصادر هذا النوع من الرحلات السياحية الفاخرة والمكلفة ان الاقبال الجماهيري قد ازداد بشكل كبير خلال الشهرين الماضيين بعد عرض فيلم مأساة التايتانيك!!

Email