المفكر الاسلامي فهمي هويدي في محاضرة بالمجمع الثقافي: الفكر الاسلامي شهد تطورا كبيرا في التعامل مع تحديات العصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

تناولت محاضرة الدكتور والمفكر الاسلامي فهمي هويدي التي القاها في المجمع الثقافي بأبوظبي مساء امس الاول اربعة محاور اساسية تتعلق بالتحديات التي تواجه الفكر الاسلامي, وعكست رؤية مستنيرة وروحا بحثية معمقة في موضوع تجديد الفكر الاسلامي وضروراته, وحذرت من مخاطر الثورة العلمية وطالبت بالحذر في التعامل معها لاسيما في موضوع الثورة البيولوجية وبحوث الوراثة والعبث بالجينات, وابرزت سلسلة تطورات شهدها الفكر الإسلامي في عدد من القضايا والطروحات الإسلامية الفقهية والسياسية. أشارت المحاضرة بداية إلى اختلاف موقف المسلمين من الغرب في الوقت الراهن عنه في بدايات القرن, حيث تراجعت كثيرا حدة الانبهار بالغرب وتطوره العلمي ومحاولة تقليده لتحل محلها رؤية نقدية تقرأ تجربة الغرب في وجهيها السلبي والإيجابي ولا تتعامل معها باعتبارها نموذجا أعلى. وألمح المحاضر إلى أن التحديات التي تواجه الفكر الاسلامي تتمثل في التحديث والتجديد الفكري, وان هذه الدعوات للتحديث مرت بمراحل مختلفة منذ بدايتها في نهاية القرن, وأن ظروفا كثيرة أدت إلى خلق فراغ في الجسم الإسلامي مما استدعى ظهور جماعة تملأ هذا الفراغ, أما المشكلة التي حدثت فهي أن هذه الجماعة ظهرت على مراحل, حيث ظهر الرأس في مرحلة, ثم الجسد في مرحلة ثم الأنياب والأظافر معا. احتلت قضية الديمقراطية حيزا كبيرا في محاضرة هويدي الذي تحدث عن ديمقراطية في إطار الإسلام أي لا تحل حراما ولا تحرم حلالاً, ورأى في المذاهب التي شهدتها التجربة الإسلامية نوعا من الأحزاب في الدين, فما الذي يمنع من اعتبار الأحزاب مذاهب في السياسة, ومن هنا لماذا لا نقبل التعددية السياسية إذا كنا قبلنا أصلاً التعددية في الأديان والمذاهب. وأكد هويدي أن الفكر الإسلامي تجاوز الخلاف التقليدي بين الديمقراطية والشورى, وقال أن ما يجري في سويسرا هو أقرب إلى الشورى انطلاقاً من كون الثانية هي أعلى مراحل الديمقراطية, فهذه تعني أن لك صوتا وان المشاركة تحققت ثم تأتي مرحلة أرقى وهي ان تتطور المشاركة ليكون للناس رأي في كل ما يجري حولهم, وهكذا تصبح الديمقراطية قيمة في المجتمع وليس آلية في السياسي. وأوضح هويدي ان الفكر الإسلامي تجاوز أيضا فكرة ان النظام السياسي الاسلامي له شكل معين او واحد وان القول بالخلافة هو محل احترام لكن لا أصل له في النص او الفقة الاسلامي فالاسلام يقيم نظاما يعتمد قيماً اساسية ينبغي تحقيقها ضمن اي شكل, وعليه, نعتز ونحترم مقولات اهل الحل والعقد, وزراء التنفيذ ووزراء التفويض وهذه كلها اجتهادات لبت حاجات ظرف تاريخي معين, يمكننا مراجعتها والاستفادة منها لننطلق الى آفاق أبعد, وليس هناك شكل مؤسسي يلزمنا في كل التجربة الاسلامية. وافرد هويدي جزءا من محاضرته للحديث عن التعددية السياسية والمشاركة في الانتخابات مبينا اجتهادات الفقهاء ورأيه فيها مؤكدا ان فكرة تداول السلطة طرحت في الساحة الاسلامية وقبل بها المثقفون الاسلاميون (بعيدا عن التطبيقات الميدانية) وجاء هذا القول من منطلق النص القرآني (فان اعرضوا فما ارسلناك عليهم حفيظا) وهذا يعني ان قبول الاعراض عن العقيدة يتيح قبول الاعراض عن تأييد حزب اسلامي اذا ما رشح نفسه للانتخابات واعرض الناس عنه. وخلص هويدي من مناقشته الطويلة لهذه القضية الى ان قبول الفكر الاسلامي بالتعددية السياسية والمشاركة الديمقراطية, والتغيير السلمي, وتداول السلطة يعني ان رؤية هذا الفكر للواقع الاسلامي قطعت شوطا جديرا بالملاحظة والاهتمام. ثم انتقل المحاضر الى المحور الثاني في هذه المحاضرة وهي قضية غير المسلمين التي تثار دائما, وناقش خلالها ثلاثة امور هي: الجزية والذمة والتعايش وقال: ثارت في مرحلة معينة اسئلة من نوع: نحن نطالب الآخرين بأن يدفعوا لنا الجزية فماذا اذا انتصر المسلمون على الشيوعيين هل نقبل منهم الجزية واجاب: هذه مرحلة تعبر عن سذاجة وتبسيط كبير في التفكير لكن من المهم ان نلاحظ الآن ان الفكر الاسلامي تجاوز الجزية واهل الذمة, وهذه مفاهيم لم يقررها الاسلام بل كانت موجودة قبل ذلك, وبعد قيام الدولة ظهرت فكرة المواطنة وصار غير المسلم يشترك في الدفاع عن بلاده ولم تعد فكرة الجزية واردة لكن في اجواء التوتر والتطرف عادت افكار قديمة تطل من جديد. وحول التعايش قال: ان العودة الى فكرة الاحترام المتبادل هي عودة الى اصول ما قرره الاسلام وهي تتمثل في البر والقسط طالما ان الآخرين لم يفتنوا الناس في دينهم ولم يعلنوا الحرب عليهم, والبر علاقة حميمية في الاسلام تربط بين الآباء والابناء وهي قيمة حميمية في علاقة المسلمين مع غيرهم. وناقش المحاضر موقف الاسلام من المرأة والمشاركة السياسية والاجتماعية مؤكدا ان التقاليد هزمت التعاليم في موضوع المرأة مطالبا بازالة الصدأ عن تعاليم الاسلام الحقيقية التي تعتبر المرأة عاملة سواء داخل بيتها أو خارجه, وتتيح لها المشاركة في المجتمع ان كانت تمتلك طاقة وتوفرت لها الاستطاعة, وقد قبل المفكرون والمثقفون الاسلاميون ذلك, وبالتالي سجل الفكر الاسلامي تطورا ملحوظا في المجالات الثلاثة: المشاركة السياسية والعلاقة مع غير المسلمين, وموضوع المرأة. وجاء المحاضر الى المستوى الرابع وهو العلاقة مع العالم الخارجي التي وصفها بأنها تحولت من اسلام وغرب الى اسلام في الغرب, حيث يعيش الملايين من المسلمين في الغرب ولابد من استثمار وجودهم ليتحولوا الى منارات للهداية والتبليغ والتعايش الآمن, وفي ظل هذا الوضع الجديد برز تطور هام في الفكر الاسلامي هو تأسيس فقه الأقلية, حيث بني الفقه الاسلامي اصلا باعتبار المسلمين اغلبية تعيش بينهم أقلية غير مسلمة, والآن طرأ وضع جديد رغم أن له شبيها في التاريخ الاسلامي عندما تحول المسلمون في الاندلس الى اقلية واستفتوا أهل المغرب في وضعهم: هل يجوز لهم البقاء فقال بعض الفقهاء بجواز التعايش ورفض آخرون. وفي هذا الوقت الذي أصبح فيه العالم الخارجي في بيوتنا نطوفه بضغط زر صغير ووجود المسلمين في اوروبا وامريكا من الصعب القول ان بلادنا دار الاسلام ودار الآخرين دار حرب, وهذه الصياغات هي اجتهادات كانت مقبولة في زمنها للتعامل مع أوضاع سياسية واجتماعية اختلفت كثيرا في العصر الحاضر, ويمكن القول ان كل بلد يرتبط مع المسلمين بعهود هي دار عهد, وكل من يعتدي على حق المسلمين أو يغتصب لهم ارضا هو دار حرب لأنها مازالت تحتل وتغتصب الأرض. بالطبع لا يتسع المجال لا يراد كل ما قيل بالتفاصيل, لكن من الضروري التأكيد على ان هذه المحاضرة كانت قيمة وهامة وحظيت بحضور كبير وأثارت الكثير من الاسئلة وهي النشاط الاكثر نجاحا حتى الان في برنامج الفعاليات المصاحب لمعرض الكتاب. متابعة: شهيرة احمد

Email