استراحة البيان: عندما يتناطح الإعلاميون: يكتبها اليوم - سعيد حمدان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاعلاميون بينهم ميثاق شرف, بعضه مكتوب, وجزء منه متعارف عليه ومنه دارج ومفهوم, فهم يتنافسون بشدة ولكن باحترام, يختلفون ولكن يبقى الود , يتناصرون اذا شعروا ان حريتهم في خطر, ولكن ميثاق الشرف هذا تختل موازينه في حالات عند البعض, ويحدث خلاف, والخلاف عند اهل الاعلام يعني مشكلة وقضية علنية فهو يتحول الى نطاح مباشر أمام عالم الجمهور, وعندما يتناطح الاعلاميون تقرأ لغة لا تتمناها لأهل هذه المهنة السامية, تبدو مفرداتها صعبة على القلب وعلى الورق عندما يتخاطبون بها. مشاهدات سجلتها هذا الاسبوع عن هذا النطاح ومن عواصم عربية ثلاث لها وزن ومكانة, وثقل هذه العواصم في مسيرة الاعلام العربي يأتي في انها شهدت ميلاد اهم واكبر المدارس الاعلامية في الوطن العربي وهي كذلك العواصم التي تحمل صفحات البدايات الاولى لتاريخ الصحافة العربية, وهي ايضا العواصم التي ينظر اليها الجميع على ان بها المدارس الاعلامية الاكثر تحررا وجرأة وتطورا, العواصم هي القاهـرة وبيروت والكويت, لهذا تبدو اللغة غريبة مع ان بعضها مغلف بطابع الحرية الصحفية. نبدأ من الكويت فعلى صفحات جرائدها ومنذ اسابيع قضية ساخنة موضوعها قناة (الجزيرة) القطرية, فكُتاب زوايا الرأي او حتى اقلام بريد القراء يرون في طرحهم ان (الجزيرة) ليست بوقا لصدام حسين وانها (حظيرة) لمؤيديه وانصاره وان برامج الرأي فيها لا تعرف الموضوعية والتوازن او حتى المصداقية في فن التفاعل الاعلامي. اللهجة التي تحدث بها كتاب الصحافة الكويتية عن قناة الجزيرة, تهون مع ما يحدث في بيروت مثلا, فتشهد العاصمة اللبنانية هذه الايام خلافا حادا بين عوني الكعكي رئيس تحرير جريدة (الشرق) وشارل ايوب رئيس مجلس ادارة شركة (النهضة) مالكة جريدة (الديار) هذا الخلاف وصل الى ساحة القضاء وفي نقابة الصحافة اللبنانية وعلى صفحات الجرائد. وتفاصيل الخلاف ان رئيس تحرير الشرق كان عائدا وزوجته من سهرة عائلية في منطقة كسروان, فاعترضته اكثر من سيارة وفي احداها شارل ايوب, ويروي الكعكي ان زميله تهجم عليه ووجه اليه تهديدات, وقال له ان وجود زوجته معه هو الذي حال دون تطور الموقف. مجلس النقابة اعلن تضامنه مع الكعكي معتبرا انه اعتداء على الجسم الصحفي بأكمله, وان ما حدث (سابقة خطيرة للغاية) . شارل ايوب والذي لم تذكره النقابة بالاسم رد على هذا الموقف في الديار بافتتاحية عنوانها (السجن لا يخيفني) الملف لا يزال مفتوحا وقد يشهد الايام المقبلة مزيدا من التفاصيل والمهاترات الصحفية. والحال قد يكون مشابها في القاهـرة, فمجلة (روز اليوسف) حمل غلاف عددها قبل الاخير صورة للكاتب المصـري الكبير انيس منصور وتعليقا بالبنط العريض (وثائق عمرها 44 عاما, انيس منصور يطالب باباحة البغاء) داخل العدد تفاصيل القضية ما بين الكاتب والمجلة, فأنيس منصور كتب مقالا في عموده اليومي بالاهرام ذكر فيه ان ما يحدث في مصـر اخطر مما سوف يصيب العراق, وارجع ذلك لما وصفه (بالصحف المأجورة التي تهدم الشعب والقيم الاخلاقية والدينية والوزراء والمستشارين والزوجات وان هذه الصحف تطبق التعليمات والمعلومات, تعليمات بعض الوزراء وفلوسهم ومعلومات اجهزة الامن وحكومات اخرى) . روز اليوسف في تعليقها قالت انها لا تعتبر نفسها معنية بما قاله انيس منصور (اذ ليس على رأسنا بطحة, ولكننا في الوقت نفسه نرفض تآكل مساحة حرية الصحافة بزعم الحفاظ على الاخلاق ونرفض الاستعداء على الصحف بزعم حماية الاعراض, كما نرفض صحافة الابتزاز والتشهير... وان الذي يطالب اليوم باغلاق صحف قد يجد نفسه غدا غير قادر على الكتابة كما نرى ان هؤلاء الذين يزعمون الفضيلة في سنوات الكبر لا يجب ان ينسوا كيف بنوا انفسهم في بدايات العمل وكيف غرقوا حتى اذانهم فيما يعتبرونه خروجا على الفضيلة والاخلاق الان) . روز اليوسف عرضت في أربع صفحات مصورة وثائق من (الجيل الجديد) عمرها 44 سنة وهي المجلة التي عمل انيس منصور مديرا لتحريرها, وتوقفت عن الصدور منذ سنوات طويلة, وتحت عنوان (انظر من يتكلم, سلاح الارشيف يواجه انيس منصور) اختارت مقالا للكاتب عنوانه (انه الحرمان الجنسي) . قراءة الموضوع تصدمك بجرأة الطرح عند انيس منصور, ومتى؟ في زمن كنا نحسبه محافظا جدا عندما نقارنه بحال زمننا هذا. القضية ليست في الماضي وما فيه, والتفتيش في الاوراق القديمة, ولكن في اليوم, ماذا تستفيد صحافة مصـر وجمهور القراء في الوطن العربي وخارجه من هذه المهاترات؟! ... خفوا من التناطح قليلا.

Email