استراحة البيان : بلد الشعراء: يكتبها اليوم - سعيد حمدان

ت + ت - الحجم الطبيعي

من منظور الموجود حاليا والمعروف, لايوجد بلد مثل الامارات في اهتمامها بتنمية الشعر ورعاية الشعراء وتحديدا الفن النبطي منه, فرعته في اكبر عمل اعلامي يمكن ان يقدم , تمثل في تسخير جميع وسائل الاعلام لخدمة هذا الجانب وتطويره, فبرزت ومنذ اكثر من عشرين عاما برامج تلفزيونية للشعراء, تتجدد هذه المجالس كل اسبوع في موعد لايتغير وفي اكثر من محطة, ومن فرط الاهتمام بهذه المجالس اصبحت على الشبكات الفضائية يشاهدها كل العالم, وكذلك الحال في الاذاعات, فخصصت برامج اسبوعية ويومية للشعر النبطي, وايضا الصحافة المكتوبة افردت صفحات اسبوعية وزوايا يومية للشعراء, وتنافست المجلات الاسبوعية في زيادة صفحات الشعر النبطي فيها بحثا عن اهتمامات القارىء. وتأتي اكبر رعاية لفن الشعر النبطي بالامارات وفي الوطن العربي بشكل عام, في اهتمام سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وتقديمه لغزا شعريا سنويا يتنافس الشعراء في الرد عليه, واللغز في طياته يحمل اكثر من رسالة, فهدفه تشجيع وتحريك الساحة والخروج من فلك التكرار الذي يمارسه البعض على مدار العام في نمطية الصورة المرسومة ومعاني الكلمات والموضوعات المطروحة وحتى في قافية ووزن القصائد. وكذلك خلق التنافس في التجويد, فمن يرد على لغز سمو الشيخ محمد بن راشد يفترض ان يكون شاعرا متمكنا يحاول تقديم افضل ما عنده, وفي اللغز اكتشاف المواهب والطاقات الابداعية بمجال الشعر, والتي يفترض ان تكون جيدة واعدة, فهو اكبر مسابقة سنوية للتنافس والتجويد, وهذا جانب معنوي مهم للشعراء الذين هم اكثر الناس تأثرا بهذا الجانب. واللغز كذلك جائزة مادية ضخمة لاتضاهيها اية جائزة شعرية, وهو ايضا عمل اعلامي مميز, فصدور ملحق يومي يحمل الردود على مدى شهر او اكثر وتوزيعه مجانا لجميع القراء داخل الدولة وخارجها, وبث هذه الردود على شبكة (الانترنت) هذا العمل في الواقع هو اضخم عمل يقدم لتشجيع الشعر والشعراء وبلغة العصر الحديث. اكثر من هذا التكريم والاهتمام والتشجيع, لا اظن انه توجد وسيلة افضل لتقدير الشعر, ويبقى ماذا يقدم الشعراء؟ وتحديدا الشباب يستحق هذا الاهتمام ويحمل معنى رد الجميل. أين هي الابداعات التي تستحق هذا الاعلام المتاح لها بتقنياته واشكاله المنوعة؟ نعم توجد ابداعات تصدر عن كبار الشعراء على فترات, وعندما تنشر وتذاع هذه الروائع تجد صداها في المجالس المهتمة او التي لايعنيها الشعر, وتظل راسخة في القلوب, ولكن هذه الروائع تصدر عن شعراء معدودين فأين الابداعات او الابداع في المنشور او الذي يبث لجموع الشعراء, كم يبلغ حجمه؟ اين التجويد والجديد المختلف, اين روح الشعر التي تسحر القلب قبل العين؟ كذلك اين الدور المفترض بذله من الشعراء الشباب ايضا في تشجيع قدامى الشعراء الذين حفرت اسماؤهم في دواخلنا لكثرة وروعة قصائدهم في زمن لم تتحرك فيه عجلة الاعلام بهذه السرعة والمدى والحجم والابهار, لماذا لانعيدهم لنا ونعود لهم؟ ايضا وهو المطلب الاهم اين تاريخنا الشعري؟ فعلى هذه الارض ولد وعاش شعراء لايجود الدهر دائما بامثالهم, على رأسهم بن ظاهر ومنهم مبارك العقيلي, ومجموعة كبيرة من الاسماء الكبيرة التي لايذكر الشعر في هذا الوطن او المنطقة الا وتذكر هي في المقدمة, ماذا عملنا لنحفظ هذه الثروة ونجعلها حاضرة بيننا في هذا الزمن؟ اعمال مهمة وفريدة قدمها الاستاذ حمد خليفة بوشهاب على رأسها موسوعة (تراثنا من الشعر الشعبي) (والتي ذكر فيها قصائد لاكثر من 100 شاعر وشاعرة من اهم شعراء الامارات وكذلك تقديمه وشرحه لعدة دواوين لبعض هؤلاء الكبار, كذلك جهد الاستاذ ابراهيم بوملحه في تسجيل سيرة بن ظاهر, وبرامج وكتابات عارف الخاجة عن بعض الشعراء الاعلام, وناصر النعيمي في اصدار ديوان راشد الخضر, والعمل المتميز الذي قدمه جمال خلفان بن حويرب عن سيرة العقيلي وتقديم ديوانه (كفاية الغريم عن المدامة والنديم) , هذه اهم الاسماء التي اهتمت بتوثيق تاريخ الشعر واعمال الشعراء في الامارات, وقدمت مراجع لولاها لضاعت هذه الثروة من الذاكرة الحية ومن صفحات التاريخ, لكن هناك شعراء كثر يحتاج من يجمع اعمالهم قبل ان يمسح الزمن ما تبقى من ذكر لهم, فأين من يقوم بهذه الرسالة, في بلد وفر كل شيء لهذا الهدف.

Email