ماريا كالاس في رحلتها الغريبة: من أحلام الأوبرا الى أوهام أوناسيس

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت مغنية الاوبرا ماريا كالاس (1923 ــ 1977) من اشهر الاصوات الاوبرالية في القرن العشرين, وكان صوتها يصدح في كل موسم في دار اوبرا لاسكالا في ميلانو ويصل الى معجبيها في كل مكان, وقيل انها نصف ساحرة ونصف نمرة , فهي تملك الجاذبية والقوة والثقة والموهبة, ولا ندري كيف استطاع المخرج السينمائي بازوليني اقناعها بأداء دور سينمائي وحيد في حياتها هو دور ميديا في فيلمه (ميديا) العام 1971 مع انها لم تغن في هذا الدور العاصف المأخوذ عن مسرحية يوربيدس حيث تضحي ميديا بشقيقها وثروة ابيها الملك في سبيل الزواج من البطل الخرافي جاسون, وعندما يعرض عليه الملك كريون فيما بعد الزواج من ابنته يقبل بهذا العرض ويطلق ميديا التي تجن وتحاول ان تقتل العروس, ثم تحرق ابناءها نكاية بزوجها الاسطوري, ولكن بازوليني كعادته اضاف الى الاسطورة رؤيته المعاصرة الخاصة. كانت حياة ماريا مستقرة, فهي زوجة ممتازة تقضي وقتها بين منزلها ودار الاوبرا (لاسكالا) حيث تقوم بتدريباتها المألوفة وكانت تردد قولها: ان اهتمامي ينصب على الاعتناء بفني وزوجي... حيث كانت تشكل مع زوجها ثنائيا منسجما, اذ يقوم زوجها (منجيني) بدور مدير اعمالها وهي لا تتخذ اي قرار دون استشارته, وكانت تصر على اقتران اسميهما في الاعلان عن اي عمل فني لها. ويبدو ان حياة ماريا كالاس ظلت هادئة حتى العام 1959 حيث دعي الزوجان الى رحلة بحرية على متن السفينة (كريستينا) التي يملكها امبراطور الاساطيل البحرية والجوية المليونير اليوناني الراحل اوناسيس وكان ونستون شرشل مدعوا الى تلك الرحلة. كان اوناسيس قد التقى ماريا كالاس اول مرة في ميلانو في احدى الحفلات فانحنى وقال لها باللغة اليونانية (مدام ماريا كالاس, انت فعلا الالهة الاغريقية التي كنت اتخيلها واتمنى ان نلتقي مرة اخرى) وكان اوناسيس يشير بذلك الى جذور ماريا كالاس, فهي يونانية المولد, وحينما تحقق هذا اللقاء على ظهر السفينة كريستينا بدأت مرحلة جديدة في حياة ماريا. اما زوجها فقد ترك نابولي وعاد الى مدينة فيرونا حيث كانا يسكنان في البداية, وكانت الصحف تكتب عن سهم كيوبيد الذي اصاب اشهر مغنية اوبرا واشهر الاثرياء في العالم وكان لابد من الانفصال بين ماريا وزوجها, وحينما غادرت المنزل صرخ زوجها قائلا: خذي كلبك معك, ورمى لها كلبها وصفق الباب بقوة. قضت ماريا كالاس السنوات الاولى مع اوناسيس في حالة من الانتظار الدائم وكانت نجمة المجتمع الباريسي, وفي تلك الفترة كان اوناسيس يدعى الى ولائم خاصة بصحبة ماريا, ولكنه ينصرف الى متابعة اعمال امبراطوريته المالية ليلا, وكان قد اعتاد ان يناقش اموره العملية مع زوجته السابقة تينا, اما ماريا فانها لم تكن تحب احاديث المال والاعمال لانها تغرق في احلام الفن دائما, ومع ذلك فهي تحتمل المتاعب وتنتظر من اجل حبها, بينما كان اوناسيس في مزاج متقلب دائما, وحينما طالبته في العام 1966 بالزواج كما وعدها اجابها بسخرية: انت تريدين عائلة وانا اريد العالم! حينذاك ادركت ماريا ان احلامها بدأت تتحطم, ولكنها حاولت ان تتجاوز الازمة فالتحقت بأوناسيس وامضت معه الصيف في جزيرة سكوربيوس في ارخبيل اليونان. كان صيف العام 1967 هو الصيف الاخير الذي امضياه معا, وكان الاكثر توترا في تلك العلاقة المضطربة حيث كان اوناسيس يتصرف وكأن ماريا غير مهمة في حياته فهو يتأخر عن مواعيد الطعام ويمضي اكثر الوقت بعيدا عنها فأدركت ماريا اخيرا انها بدأت تفقد الرجل الذي احبته وشعرت بانه كان يمارس الكذب والخداع. في تلك الفترة نشرت الصحف المولعة بالاخبار الخاصة بالمشاهير وفضائحهم صورا تجمع بين جاكلين كيندي واوناسيس في منتجعات المغرب, وحينما عاد اوناسيس الى باريس اقترح على ماريا القيام برحلة الى جزر الكاريبي, واخبرها ان جاكلين ستنضم اليهما هناك وفهمت ماريا كلامه, وتذكرت موقفا مشابها ولكنه معكوس حينما كانت مع اوناسيس في نيويورك واتصل بجاكلين يدعوها الى رحلة وقال لها ان ماريا ستنضم اليهما فأجابته جاكلين: في هذه الحالة ربما نلتقي مرة اخرى... وادركت ماريا معنى (في هذه الحالة) ... وانفجرت غاضبة في وجه اوناسيس, ووجهت اليه اتهامات صريحة ولكنه لم يكترث فأدار ظهره وخرج ليستمر في مغامرته الجديدة فقد انجز منذ زمن طويل نجاحات تجارية واسعة من خلال اسطوله التجاري البحري وشركة طيران (اولمبيك) واستثمارات واسعة في العالم ولكنه يريد ان يحقق شهرة اعلامية واسعة من خلال ارتباطه بمشاهير من نوع اخر. تخلت جاكلين كيندي عن الصورة التي رسمتها لها الصحافة الامريكية كزوجة مفجوعة بمصرع زوجها, وام حنون, واصبحت مغامرات (جاكي) هدفا للصحافيين والمصورين الذين يبحثون عن الاثارة. كانت السفينة الخاصة (كريستينا) في رحلة الى جزر الكاريبي وعلى متنها جاكلين واوناسيس وظلت ماريا في المنزل تعاني من الغيرة والخيبة والوحدة في الوقت الذي تم فيه الاتفاق على الزواج بين جاكلين واوناسيس, ولكن الاعلان عن هذا الزواج تأخر حتى تنتهي الانتخابات الامريكية لكي لا يسبب فضيحة لآل كيندي, ومع ذلك لم يكن الامر سرا فقرر اوناسيس ابلاغ ماريا بالخبر, ولكنه حاول التخفيف من اثار الصدمة, لم يقطع الاتصال بها, ولم يتأخر في ارسال باقات الزهور الضخمة اليها بين حين واخر. فجأة ظهرت ماريا على ظهر السفينة وعندما رآها اوناسيس قال لها: ماذا تفعلين هنا؟ أريدك ان تعودي الى باريس وتنتظري هناك فردت عليه غاضبة, وسألته: ماذا يجري؟ فأجابها ان لديه ضيوفا ولا يريدها ان تكون هنا. كانت ماريا تعرف كل شيء ولكنها كانت تأمل في حدوث معجزة ولكن هذه المعجزة لم تحدث, فغادرت الباخرة بانكسار وألم وقالت لاوناسيس: في هذه الحالة لن تراني مرة اخرى ابدا, وراحت تتجول بين العواصم بحثا عن السلوان والراحة, ولكنها ادركت ان حياتها في خطر وان اعصابها لا تستطيع احتمال ما حدث, فلجأت الى تناول الادوية المسكنة. وفي نهاية ذلك الخريف الساخن نشرت الصحف خبر زواج اوناسيس من جاكلين وكان بمثابة صفقة كبيرة بين المال من جهة والشباب والشهرة من جهة اخرى, وراح الصحفيون والمصورون يلاحقون (جاكي) من مكان الى آخر وشعر اوناسيس ان جاكي تستغله اكثر مما تحبه, واكتشف طمعها الذي لا يقف عند حد, فعاد الى ذاكرته طيف ماريا التي كان صوتها يصدح في اوبرا لاسكالا في ميلانو فيطرب العالم. وقبل ان ينتهي (شهر العسل) مع جاكي اتصل اوناسيس بماريا, واستمر في الاتصال بها كل يوم, فلم يكن زواجه من جاكي سوى ملصق اعلاني, وهكذا شوهد وهو يزور منزل ماريا في وقت متأخر من الليل, والتقط المصورون لهما صورة مشتركة في مطعم مكسيم في باريس, وبعد يومين اصرت جاكلين على مرافقة اوناسيس الى مطعم مكسيم لتأكيد ان علاقتهما لا تزال على ما يرام كان ذلك في العام 1970 حيث عادت الاحلام تداعب مخيلة ماريا كالاس فسافرت الى اليونان ولحق بها اوناسيس واقسم لها بانه يحبها ويريدها ان تكون الى جانبه دائما. وفي العام 1973 تعرضت حياة اوناسيس لكارثة هزت كيانه, حيث توفي ابنه الكسندر في حادث سقوط طائرته الخاصة وظهرت علامات الشيخوخة على ملامح اوناسيس, وطلب من ماريا ان تكون الى جانبه وتساعده في تجاوز هذه المحنة, وكانت جاكلين قد ابتعدت عنه شيئا فشيئا, وحينما تعرض اوناسيس لذبحة صدرية نصحه الاطباء بالتوجه الى المستشفى الامريكي في باريس, وحمل معه الى المشفى بطانية حمراء من الكشمير كانت ماريا قد اهدتها اليه في عيلاد ميلاده, وقبل ذهابه الى المشفى استدعى محاميه الخاص وطلب منه تخفيض حصة جاكلين من الارث, تعبيرا عن شعوره بالندم على الزواج منها. وحينما توفي اوناسيس فجأة في 15/3/1975 شعرت ماريا بانها اصيبت بصاعقة وان حياتها في خطر وظلت تعاني من الكآبة والحزن حتى توفيت في خريف ذلك العام وتركت وراءها مشاعر الخيبة لدى عشاق فنها, حيث كان صوتها يصدح في دار اوبرا لاسكالا كل عام.

Email