استراحة البيان: نهضة عامرة وماض تليد: يكتبها اليوم - محمد خليفة بن حاضر

ت + ت - الحجم الطبيعي

أغنية من أغاني العصر ولوحة رائعة من لوحات الموهبة, ونسيج متناسق من نسيج الذوق. هنا يعبر بك الزمن الى البعيد, ويمتد بصرك حالما بتطلعات الاجيال المتعاقبة, ما يخرج بك الى آفاق يقترب فيها الامس من اليوم والحاضر من الغد, وتتوالى عليك الاسئلة والتساؤلات , وتتزاحم الافكار والتأملات, وبدون ان تشعر بالوقت تجد نفسك في قلب المنظومة التي تظن انها لم تشكل الا لك وحسب ذوقك. كل شيء هنا يرحب بك وكأنه يعرفك من قبل معرفة جيدة, بحيث لاتجد مندوحة من التجاوب والتناغم وفق ايقاع النظام المعبر بدقة متناهية عن طموح باهر, لم يكن التليد دافعه الوحيد بل الجديد ايضا, الذي قام بدوره على اكمل وجه, اما العتيد فان القلوب هنا تشرئب اليه بلهفة ملحوظة تتماوج خطوطها الوسيمة في كل العيون التي تلتقيك. وعلى طول الطريق المحاذي لذلك الساحل الازرق لا ينقطع الجمال, فمظاهره بادية على الجانبين, الى ان ينتهي بك المطاف الى (الحاضرة) حيث يطالعك وجه من وجوه الاشراق, لاشيء عليه من اسارير العبث والمغالاة, اسارير عربية اصيلة تعكس دماثة الخلق ورفعة السمت, وما ان تغشى تلك الروضة الفاتنة تتضح لك معالم النهضة وتقف على سرها, والحقيقة ان (بشاشة وجه المرء خير من القيرى) قول ينطبق على هذه الروضة بل اكثر من ذلك, اذ ان البشاشة هنا والقيرى صنوان متلازمان لا يحتملات الافتراق. والان هل لنا ان نتعرف عليها, انها (مسقط) حاضرة السلطنة العمانية, واحدة من اجمل العواصم العربية, حيث النظام والنظافة عاملان يحرص على التقيد بهما الى حد التزمت, لقد حافظت مسقط على هذا المظهر الجميل منذ اليوم الاول لنهضتها المباركة ولكنها لم تفرط في تليدها وموروثها وذلك من خلال التطوير الشامل والتنمية المدروسة بعناية فائقة, فكانت بذلك جديرة بمواكبة الحضارة الحديثة ومتطلبات العصر دون الاخلال بالهوية العريقة والتقاطيع الاصيلة. هذه هي المرة الاولى التي ازور فيها السلطنة وقد حملت معي الكثير من الاسئلة والتصورات, وجدت اجوبة العديد منها في هذه العاصمة الاصيلة بكل ماتحمله الكلمة من معنى, لكنني لم استغرب مارأيت ولم تنتابني الدهشة في اية لحظة من لحظات اقامتي, لقد تذكرت فورا ما كتبه اديبنا محمد المر تحت عنوان (بلاد جميلة وشعب كريم) والواقع أنها أكثر من ذلك, والكاتب هنا سيحتاج الى خيال رحب اذا مانوى رسم صورة حقيقية عن عمان اليوم, اما عن عمان الامس فصورها تتراءى لكل ذي بصر وبصيرة, اذ أن التاريخ حافل بها حتى خارج حدود السلطنة. وعندما بدأت رحلة العودة تذكرت شيخ المعرة وحكيمها, ابو العلاء حيث يقول: (كلفنا بالعراق ونحن شرخ- فلم نظفر به الا كهولا) نعم, لقد كلفت بهذا الجزء الغالي من جزيرتنا وطالما تقت الى زيارته, للوقوف على سحر وجمال بيئته, غير ان الرياح جرت بما لا تشتهي السفن. وفي مسقط الساحرة تمخضت الرؤى عن هذه الرؤيا: هنيئا لكم يا اخوتي دانة العقد/ هنيئا لكم عهد العزيمة والجدم هنيئا لكم دار تجلى جمالها/ وحسن به فزتم فريد بلا ند/ بنيتم فمد اليمن كفا كريمة/ فكان البناء الشامخ الهامة المجدي/ ورمتم محلاً عنده تنسب العلا/ فجاء كما شئتم على قمة المجد/ وسمراءكم هذي فتونا تبلورت/ اذا مارأتها العين تذهب بالرشد/ حللت بها يوما فهشت تجملا/ وبشت تضاهي نفحة العود والند/ وطفت بها طولا وعرضا فلم اجد/ سوى الجود في آماقه بسمة الود/ ولم تر عيني غير أرض جميلة/ وشعب كريم بالندى عيسه تخدي/ وجبت الأماسي أمنيات عزيزة/ وشرخ الضحى وجها لطالعة السعد/ فأرسلت انغاما ترنمت عبرها/ كطير على غصن رشيق من الرند/ وقلت كما قالوا قديما ورددوا/ وربي ذو الاجلال أعلم بالقصد/ (سقى الله سلطان البلاد وقومه/ سحابا غواد خاليات من الرعد)

Email