هل يخسر رجال الأعمال العرب نتيجة ربط سعر الصرف بعملة رئيسية: بقلم - يحيى المصـري

ت + ت - الحجم الطبيعي

مازالت الازمة النقدية الطاحنة التي حدثت في جنوب شرق آسيا تلقي بظلالها على جوانب اقتصادية عديدة, ومازالت ايضا محل اعتبار ودراسة من كبار الاقتصاديين في مختلف دول العالم, خاصة بعد اصرار صندوق النقد الدولي على مواصلة السياسة النقدية التي يطبقها بالرغم من الثغرات الخطيرة التي ظهرت بها والتي ادت فعلا الى كارثة نقدية في المكسيك قبل سنتين كادت تودي باقتصادياتها لولا وقوف الولايات المتحدة الامريكية بجانبها, بالاضافة الى قرض هذه السياسة في معالجة الازمة الاقتصادية التي ظهرت مؤخرا في دول جنوب شرق آسيا. من هنا فان عدم مساهمة اكبر فلاسفة الاقتصاد والنقد في كل من المانيا واليابان ساعد على عدم اخراج ميثاق دولي سليم يحكم النظام النقدي العالمي ويحل محل نظام الذهب ونظام الورق النقدي الالزامي اللذين سادا قبل الحرب العالمية الاولى. وهو ما أدى الى مواجهة النظام النقدي العالمي لمشاكل عويصة اثرت عليه خاصة في الاداتين الرئيسيتين فيه وهما القيود النقدية وسعر الصرف. في مايو عام 1971 وبعد ان تراكمت ارصدة ضخمة من الدولارات الامريكية لدى كل من المانيا وايطاليا وفرنسا وغيرهم من الدول الاوروبية طالبت هذه الدول امريكا بسداد هذه الارصدة لانها تمثل ديونا عليها نتيجة سلع وخدمات سحبتها من هذه الدول ولم تسدد قيمتها وعندما اعلنت الولايات المتحدة الامريكية في ذلك الوقت عدم استطاعتها سداد هذه المديونيات للدول الاوروبية ردت عليها الدول الاوروبية بالتوقف عن قبول الدولار الامريكي في تسوية اية معاملات للمؤسسات والهيئات في الولايات المتحدة الامريكية او حتى للمواطنين الامريكيين الذين كانوا يقيمون بالدول الاوروبية لاغراض التجارة او السياحة او العمل وقد قرأنا حينئذ في الصحف العالمية ان الامريكيين الموجودين بالدول الاوروبية وصل الحال بهم الى بيع امتعتهم وملابسهم وما يملكونه مقابل مبالغ بالعملات المحلية يشترون بها مأكلهم واحتياجاتهم الضرورية, وقد انخفض سعر صرف الدولار الامريكي من 35 دولارا لكل اوقية من الذهب الى 28 دولارا لكل اوقية من الذهب. ونتيجة هذه الازمة قام مجلس المديرين التنفيذيين للصندوق بتاريخ 18 ديسمبر عام 1971 باصدار بعض القرارات المتعلقة بتغيير انظمة سعر الصرف الواردة في اتفاقية الصندوق تضمنت امكان العضو التعامل بسعر صرف مختلف عن سعر التداول المعلن لعملته وهو ما اطلق عليه (السعر المركزي) . غير ان هذه التعديلات لم تكن كافية لمعالجة نظام اسعار الصرف المنصوص عليه في اتفاقية صندوق النقد الدولي فخرجت كثير من الدول التي كانت تعاني عجزا في موازين مدفوعاتها عن نظام اسعار الصرف التي كانت تعمل به, وانقسم العالم حينئذ الى ثلاث جبهات بالنسبة لتحديد اسعار الصرف: 1 ـ جبهة ظلت علاقتها ثابتة بالدولار الامريكي ودون تغيير. 2 ـ جبهة قامت بتعديل اسعار صرف عملتها في ضوء ظروفها النقدية. 3 ـ جبهة انشأت لعملاتها انظمة جديدة في مجال سعر الصرف مع بقاء الانظمة القديمة. وقد اصبح الوضع العالمي بالنسبة لنظام اسعار الصرف حاليا يتبلور في نظامين يسودان اغلب دول العالم كالاتي: أ ـ دول تأخذ بنظام ثبات اسعار صرف عملاتها مع الدولار الامريكي ومنها مصـر. ب ـ دول تأخذ بنظام ثبات سعر صرف عملاتها مع سلة من العملات الرئيسية كوحدة حقوق السحب الخاصة التي تضم كافة عملات الدول الرئيسية ومنها الجنيه الاسترليني والمارك الالماني والفرنك السويسري بالاضافة الى الدولار الامريكي الذي يشكل ثلث السلة تقريبا. ولكل نظام من النظامين ايجابياته وسلبياته, غير ان السلبيات الناتجة عن ربط العملة بحقوق السحب الخاصة او بسلة اخرى تقل كثيرا عن السلبيات الناتجة من ربط العملة بالدولار الامريكي او بأي عملة رئيسية اخرى ما لم تقتصر معاملاتها على الدولة صاحبة هذه العملة الرئيسية, فمصـر على سبيل المثال قد لا يكون لربط عملتها بالدولار الامريكي مساوىء او سلبيات اذا كانت معاملاتها التجارية والخدمية تقتصر على الولايات المتحدة الامريكية فقط, وهو امر يصعب ان يتم ولا يمكن ان يتم!! ولاشك ان لكل من هذه الانظمة ايجابياتها وسلبياتها وربما يكون ما تأخذ به لبنان هو اقرب الانظمة التي لا تؤدي الى خسائر نقدية نتيجة نظام تحديد سعر الصرف اما نظام ربط العملة المحلية مع سعر صرف عملة رئيسية كالدولار الامريكي او الفرنك الفرنسي فهو من اكثر الانظمة التي تؤدي الى خسائر نقدية طالما لا تشكل المعاملات بالعملة المحلية مع العملة الرئيسية نسبة تزيد عن الـ 60 في المائة على الاقل وهو ما يحدث بالنسبة لمصـر, وبالتالي فان ارتفاع سعر صرف الجنيه المصـري بالنسبة لهذه العملات نتيجة لارتفاع سعر الدولار الامريكي يؤدي الى ما يلي: 1 ــ انخفاض العملات الاوروبية امام الجنيه المصـري او ارتفاع سعر صرف الجنيه المصـري امام هذه العملات وتقريبا بنفس نسبة ارتفاع الدولار الامريكي امامها وهو ما يؤدي الى ارتفاع اسعار المنتجات المصـرية في الاسواق الاوروبية بشكل اثر فعلا على حجمها في هذه الاسواق وبالتالي ادى الى انخفاض في السلع التي يصدرها المصدرون المصـريون الى الدول الاوروبية وهو ما يحقق خسائر لهم. 2 ــ زيادة عجز الميزان التجاري المصـري وميزان المدفوعات المصـري بوجه عام لان انخفاض الصادرات المصـرية الى اوروبا وهي التي تشكل نسبة يعتد بها في حجم الصادرات المصـرية بلغت حوالي 46.5 في المائة عام 94/1995 هذا الانخفاض في حجم الصادرات مع استمرار مستوى الواردات على ما هو عليه يؤدي بلاشك الى زيادة عجز الميزان التجاري وايضا عجز ميزان المدفوعات. 3 ـ تحقيق ارباح ضخمة للاجانب والمواطنين الذين يريدون تحويل مبالغ كبيرة الى اوروبا نتيجة عمليات مضاربة قد تكون غير مقبولة شرعا وهي الارباح الناتجة عن شراء دولارات امريكية بدلا من الجنيه الاسترليني ثم اعادة استبدالها بغرض المتاجرة على سبيل المثال. انني لا أشك ان الخبراء العرب في مجال النقد الاجنبي الذين اخذوا يتناقصون في السنوات الاخيرة بعد خروج اغلبهم من الخدمة الرسمية وابتعاد بعضهم عن الحياة العملية مع عدم الاستعانة بهم لا أشك انهم يتأخرون عن المساهمة في دراسة هذا الموضوع الحيوي ــ اذا تم دعوتهم الى ذلك ــ تجنبا للخسائر الضخمة التي يتحملها المصدرون ورجال الاعمال والاقتصاد القومي بشكل عام فالولاء القومي وليس الكسب المادي يدفع اي عالم بهذا المجال للمساهمة في دراسته والتوعية به من اي موقع ولاي مسؤول حديث السن بعيدا فنيا عما يسمونه (طلاسم نقدية) وغير دارس لاهداف النظام النقدي العالمي. مستشار اقتصادي مصـري*

Email