أبجديات: بقلم - عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما بدأت رحلتنا مع القراءة, لم نسأل أنفسنا هذه الاسئلة التي يتعب البعض أنفسهم في طرحها, ويعاني آخرون مأساة الاجابة عليها: لماذا نقرأ؟ وماذا نقرأ؟ ومتى نقرأ؟ كل ما نتذكره اننا وجدنا أنفسنا ـ وبدون مقدمات ـ متورطين في اكثر التجارب الانسانية تألقا ورقيا. وقد زادت هذه القراءة ألق العمر ألقا, فوهبنا هذا العمر لرياح الكتب التي هبت علينا من أرجاء الدنيا, والتي ماكان وهكذا وجد جيل كامل نفسه في مواجهة مشرقة مع خزائن التراث العالمي ومكنوناته, وكان ذلك في وقت باكر جدا من نهار العمر الطويل, هذا الجيل الذي كان على موعد لن يخطىء جيل آخر به, وللأسف لم يحظ به حتى الآن, موعد الوعي الجميل. ولذلك صار طلاب الاعدادية والثانوية الصغار في منتصف السبعينات يكافحون طوفان الصدمة المادية والرخاء القشري بأفكار تولستوي وهيجو ودستوفيسكي وديكنز وهيمنجواي وغيرهم. وعندما اخذت مقعدي في دار العرض التي كانت تقدم رائعة تولستوي (أنّا كارنينا) وجدتني اغادر عالم الحضور الى حيث يتحرك أبطال القصة أمامي بين موسكو وبطرسبرج, وتساءلت بشكل اتعبني كثيرا وامتعني في الوقت ذاته: كيف أمكن لمراهقي السادسة عشرة الصغار ان يقبلوا على عوالم غامضة خرافية كتلك التي جاءت في روائع مثل: (الحرب والسلام) و(أنّا كارنينا) و(الاخوة كرامازوف) و(قصة مدينتين) و(البؤساء).. وغيرها؟ وما هذا الاستعداد الخرافي الذي توافر لدينا لنلج هذه العوالم ونعشقها ويتناغم العمر البهي الجميل معها؟ ولما لم أعرف الاجابة فقد استغرقت في العمل المقدم أمامي وبصناعة سينمائية وصلت حد الابهار حقا. بعدها بفترة وجيزة تاقت نفسي لتفاصيل القصة التي قرأتها منذ زمن والتي تاهت في ثنايا الابهار السينمائي فرحت افتش عن القصة في المكتبات اليتيمة التي لدينا, فكانت الصدمة التي كشفت الوجه (الثقافي) الحقيقي لمدن الرفاه القشري! صاحب مكتبة سألني ان اكتب له اسم المؤلف لانه لم يستطع ان يلتقطه مني بسهولة, ومسؤولة مكتبه اجابتني: لم اسمع بهذه الكتب ولا بهذا المؤلف!! آخر قال لي: اعطينا مهلة كي نبحث في الكتب التي لدينا عن هذا الاسم, وسألني ان اعيده عليه اكثر من مرة وفي كل مرة كان ينطقه بشكل يثير الاسى!! تولستوي عملاق الادب العالمي لم يسمع به مسؤولو المبيعات في مكتباتنا, فصار من حقهم ان (يقايضوك) بروايات عبير كبديل له, أليست أفضل كما قال أحدهم؟ قلت: اذن فليست مبالغة ان يقول احدهم ان ثقافتنا اصبحت (كامننا) وتفسيرها عند أصحابها: انها التعبير عن حالة الحلم المكسور عند الشباب العربي. .... ولا تعليق

Email