يوفر فرصة اطلاع للاجيال المقبلة: متحف لآثار النوبة وثقافتها في اسوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الرأس الحجري لفرعون اسود معروض في خزانة مسنودة الى الحائط في المتحف النوبي, كشهادة على ان شعبا (افريقيا) غزا مصر في القديم ولكن موطن هذا الشعب هو اليوم على عمق مئات الاقدام تحت مياه بحيرة ناصر. المتحف الذي تم افتتاحه مؤخرا يكرم الاقلية الافريقية في مصر بعد مضي اكثر من 20 سنة على امتلاء سد اسوان وفيضان مياهه على كل بلاد النوبة المصرية تقريبا ومعظم انحاء النوبة السودانية, وقد اغرقت المياه عشرات من القرى وحملت اكثر من 100 الف شخص على النزوح. وقد توزع النوبيون النازحون على مختلف انحاء مصر وهم يعززون جهودهم هذه الايام من اجل الحفاظ على ثقافتهم ولغتهم التي تعود الى ايام الفراعنة. ويقول الشاعر النوبي محمد سليمان جدوباك المقيم في القاهرة : ان المتحف سيساعد على بقاء تقاليد النوبيين ولغتهم ويمنع اندثارهما في الثقافة المصرية. ولا ريب ان الصراع من اجل الحفاظ على الهوية النوبية المتميزة هو صراع صعب في بلد يشكل فيه النوبيون الذي تقول تقديرات ان عددهم يتراوح بين نصف مليون ومليوني نسمة اقلية ضئيلة من اصل 60 مليون مصري. ويقول كمال ابراهيم احمد, من مركز الدراسات والتوثيق النوبية في القاهرة ان كثيرا من النوبيين قد نسوا لغتهم الاصلية, مثلما يحدث لكل الشعوب التي تنتقل من اراضي الاجداد وتفقد ارتباطها بالماضي. ويتزعم جدوباك وشعراء وكتاب آخرون حملة لاحياء اللغة النوبية, ويقوم جدوباك بتسجيل اشعاره على اشرطة الكاسيت ليستمع اليها اولئك الذين لا يقرؤون النوبية, واللغة النوبية تقليديا هي لغة محكية واذا ماكتبت بالاحرف العربية يجد النوبيون صعوبة في قراءتها. ويضم المتحف في اسوان, على بعد 430 ميلا جنوبي القاهرة مكتبة ومركز ابحاث للخبراء العاملين في مجال المحافظة على التراث النوبي. ويتتبع المتحف بمعروضاته 6000 سنة من التاريخ النوبي, ابتداء من رسوم النمور المخطوطة على الصخور منذ ماقبل التاريخ وصولا الى القرى التقليدية التي كانت موجودة قبل بناء سد اسوان, الذي انجز في العام 1971 لضبط الفيضان السنوي لنهر النيل. وقد اغرقت المياه التي تجمعت وراء السد ضفاف نهر النيل واوجدت بحيرة ناصر التي طولها 310 اميال ودمرت كافة القرى النوبية في مصر على جانبي النهر تقريبا. في احد اقسام المتحف هناك ناعورة ماء خشبية موضوعة امام واجهات مجموعة من المنازل النوبية النموذجية المصنوعة من الطين وشبيهة بالوف المنازل التي غمرتها المياه. ويحمل باب احد المنازل المعروضة رسوما (للغلال والزهور) التي ترمز الى البركة وثمة بطتان تسيران فوق الممر. ويقول مدير المتحف عبد الوارث : ان المتحف يحافظ على هذه الاشياء لكي تطلع عليها الاجيال المقبلة. ويقول بعض النشطين النوبيين ان المتحف جاء متأخرا كثيرا, بخلاف الجهود الدولية الجبارة التي بذلت باشراف الامم المتحدة في الستينات لانقاذ المعابد الفرعونية من مياه السد المرتفعة, ولم يكترث آنذاك لضرورة مساعدة الشعب النوبي. كما يخشى النشطون ان يكون المتحف مجرد محاولة لاجتذاب الدولارات السياحية اكثر من الاهتمام بابراز الثقافة النوبية. يقول جدوباك: عندما تبني متحفا, هل يكون ذلك من اجل الاحياء ام الاموات؟ اننا احياء, وهذا المتحف هو للسياح وليس لنا. ويطالب جدوباك بان تولي الحكومة المصرية الشعب النوبي الاهتمام نفسه الذي اولته للنصب الفرعونية. عندما يدخل الزوار المتحف يطالعهم اولا تمثال ضخم لرمسيس الثاني, الفرعون الذي مد حكمه الى بلاد النوبة التي تشكل مدخلا لمصر الى المناطق الافريقية جنوبي الصحراء التي كانت مصدرا قديما للذهب والجرانيت وخشب الابنوس. وقد قام رمسيس ببناء عدد كبير من المعابد التي تم انقاذها من خلال المجهود الدولي. والى اليسار من رمسيس هناك تمثال صغير بالحجم الطبيعي لرأس (تاهركا) , الزعيم النوبي الذي حكم المنطقة كفرعون في القرن السابع قبل الميلاد, والى جانب تاهركا يقف تمثال (امينرديس) , الاميرة التي تنتمي الى السلالة النوبية التي حكمت شمال السودان ومعظم الاراضي المصرية لحوالي 100 سنة. والعديد من حوالي 3000 قطعة اثرية معروضة في المتحف جيء بها من المتحف المصري في القاهرة حيث كانت تعرض مغمورة في ظل الاثريات الفرعونية الباهرة ككنز عنخمون الذهبي, كما يحتوي المتحف على قطع جيء بها من المتحف الاسلامي والمتحف القبطي في القاهرة. اسوان - لويس مايكسلر

Email