الرئيس الامريكي والنساء

ت + ت - الحجم الطبيعي

بقلم: محمد المر في قصص التراث نقرأ عن احد الملوك الذي اغرم بالنساء حتى شغلته عن امور الملك والحكم والسياسة. فقام وزيره بتقديم النصح له وحثه على اهمال امرهن وشرح له عن مكائد النساء وشرورهن واخبره ان هذا الاهتمام الزائد بشؤونهن سوف يؤدي الى ضياع ملكه وزوال عرشه. فسمع الملك نصيحة وزيره وبدأ يخفف من شغفه بالنساء والجواري. فلاحظت زوجته اومحضيته الاولى انصراف الملك عن نسائه. فسألته عن ذلك فلم يجبها صراحة عن السبب, فمازالت تستدرجه حتى حكى لها ماكان من نصح وزيره له في ذلك الموضوع الحساس, هنالك قامت تلك المرأة بإرسال اجمل جواريها الى الوزير واخذت تستميله بغنائها ورقصها ودلالها حتى زال تحفظه ونسي وقاره وتحطمت هيبته فخضع لها طالبا الوصال, ومازالت تلك الجارية حسب وصية سيدتها تتمنع على الوزير حتى كادت توصله الى الانهيار العصبي ثم اخبرته انها لن تمتعه بوصالها حتى تضع البردعة على ظهره واللجام في فمه ورأسه وتركب عليه مثلما تركب المسافرة على الحمار. فاستغرب من طلبها ورفضه في البداية ثم وافق في نهاية الامر بعد ان فاض به الكيل من حبها والشوق لها. وعندما وضعت عليه البردعة واللجام وركبت عليه ومشى على اربع احضرت المرأة الملك لكي يشهد منظر الوزير المعادي للنساء. فجاء الملك وشهد هذا المنظر الطريف فقال للوزير: كيف تنهاني عن النساء وانت تخضع لهن كما ارى. فقال الوزير: يامولاي لقد كنت اخاف عليك من مصير مماثل لهذا المصير!! وتلخص هذه القصة بطرافتها باباً كوميدياً من ابواب سيطرة النساء على رجال الحكم تذكرت هذه القصة وانا اتابع ما يكتب عن قصص الرئيس الامريكي بيل كلينتون مع النساء, والحقيقة ان علاقة الملوك والرؤساء بزوجاتهم وجواريهم وعشيقاتهم طيلة تاريخ العالم والتاريخ الغربي حفلت بالعديد من الابواب المثيرة والقصص الغريبة. فخلال تاريخ الممالك الشرقية المختلفة كان للخلفاء والملوك والسلاطين مئات الجواري والمحضيات وبعضهم خصوصا خلفاء بني العباس بلغ عدد جواريهم الآلاف وقيل ان المعتصم تمتع بخمسة آلاف جارية! وهذا برأيي من المبالغات. وخلال تاريخ الممالك الغربية الاوروبية وجدنا ان ملوك فرنسا مثلا كانت لديهم مئات من المحضيات وقيل ان افضل العائلات الارستقراطية الفرنسية في عهد لويس الرابع عشر (الملك الشمس) كانت تتنافس في احضار اجمل بناتها الى البلاط الملكي لكي يصبحن محضيات لجلالة الملك لكي ينعم عليهن وعلى اسرهن بالاراضي والالقاب الملكية! وكانت مسألة وجود عشيقة او عشيقات للملك في مختلف الدول الاوروبية من الامور المسلم بها وبعضهن خلدهن التاريخ مثل مدام بومبادور عشيقة الملك الفرنسي لويس الخامس عشر! بل ان غياب او عدم وجود عشيقة هو الامر المستغرب. ولم تؤثر مسألة الاهتمام بالنساء في كفاءة اولئك الملوك, فبعضهم كانت له قدرة ادارية ممتازة على الرغم من تهالكه على النساء وبعضهم الآخر كانت مواهبه القيادية متواضعة على الرغم من انصرافه عن النساء. وفي التاريخ الامريكي المعاصر يذكر احد المعلقين الامريكان انه في مرحلة الاربعينات والخمسينات وبداية الستينات كان المجتمع الامريكي وخصوصا في المناطق الريفية مازال محافظا من النواحي الاخلاقية والدينية الا انه لم يستنكر وجود عشيقات في حياة رؤسائه مثل الرئيس ايزنهاور والرئيس كيندي اما الان بعد ان اصبح المجتمع الامريكي منفلتاً من كثير من القيود الاخلاقية والدينية السابقة الا انه اصبح يستاء من اهتزاز اخلاقيات قيادته السياسية الممثلة في مؤسسة الرئاسة. ويقول احد المعلقين ان اهتمام المجتمع في امريكا وباقي دول العالم بغراميات الرئيس الامريكي كلينتون وقبله بغراميات الاسرة المالكة في بريطانيا والتي انتهت بنهاية فاجعة اثر موت الاميرة البريطانية ديانا مع عشيقها دودي الفايد في نفق باريسي راجع الى الاهتمام المجنون الذي تبديه وسائل الاعلام العالمية وخصوصا الصحافة ومحطات التلفزيون بهذه الامور والقضايا, والذي تتنافس حوله بالظفر والناب لكي تكسب المزيد من القراء والمتابعين وبالتالي المزيد من المعلنين والارباح التجارية! قضية الرئيس كلينتون مع النساء يعرف كل القراء تفاصيلها من الاخبار الصحافية والتغطية التلفزيونية وهي مازالت مفتوحة على كل الاحتمالات لكن كثيراً من صناع القرار والرأي في امريكا مازالوا منقسمين حول غراميات الرئيس وخصوصا قضية الفتاة المتدربة (مونيكا لوينسكي) واكثرهم وخصوصا في المعسكر الليبرالي والديمقراطي المؤيد للرئيس لم يصدم كثيرا بالعلاقة الغرامية في حد ذاتها (مادامت زوجة الرئيس لم تتأثر كثيرا بالموضوع) الا ان الامر الذي اثار استياءهم هو امكانية ان يكون الرئيس قد كذب عندما انكر وجود العلاقة او ان يكون قد اجبر الفتاة مع صديقه المحامي الزنجي جوردن على الكذب امام الهيئة القضائية وتلك هي برأيهم الطامة الكبرى اذ كيف يجبر الرئيس شاهدة على الكذب امام هيئة قضائية اسست بمقتضى الدستور الامريكي الذي اقسم على احترامه!! اما المعسكر المحافظ والجمهوري الامريكي فهم بالطبع يتهمون الرئيس كلينتون بالكذب والغش وخداع البنات القاصرات واستغلال منصبه الرسمي للتغرير بهن طبقا للمثل الشعبي (موت لك, فرج لي) . والشعب الامريكي حائر ولا تعكس حيرته الا ارقام قياس الرأي العام التي تنشرها الصحف في بداية الفضيحة وقبل الخطاب السنوي وبعده وفي الايام القليلة الماضية. كثير من الامريكان يريدون ان يصدقوا ان علاقة الرئيس بمونيكا لوينسكي رومانسية عابرة, فقد اعجب بها وبشبابها وحيويتها عندما شاهدها تخطر امامه في اروقة البيت الابيض, واستجاب لاعجابها البريء به واهداها ديوان شعر رقيق للشاعر الامريكي والت ويتمان بعنوان (اوراق العشب) وبعض الهدايا البسيطة الاخرى واهدته هي بدورها ربطة عنق, وان التضخيم جاء اما من البنت التي صورت لها مخيلتها امور شائنة لم تحدث بينها وبين الرئيس طلبا للشهرة او من معسكر خصوم الرئيس المحافظين! واساس رضا اولئك الامريكان عن كلينتون ان امريكا تعيش في عهده عهد رخاء اقتصادي لم تشهد مثله منذ الخمسينات وفي المنظور العالمي هي الدولة الاولى والاعظم التي تتهالك الدول على كسب عطفها ورضاها. ويبقى السؤال: لو تحكم الرئيس بيل كلينتون بعواطفه وشهواته ولم يتورط في سلسلة الغراميات النسائية والتي توشك ان تطيح به او ان تؤثر تأثيرا سلبيا على تاريخه الرئاسي هل كان سيدخل التاريخ كأفضل رئيس امريكي في النصف الاخير من القرن العشرين؟! لا احد يدري, وهل كان السبب مكر النساء ام شهوة الرجال؟!... ولنقرأ القصة التراثية التي بدأت بها هذه المقالة مرة ثانية.

Email