استراحة البيان: هذا الصنف من البشر

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال الله تعالى في محكم كتابه: (وفوق كل ذي علم عليم), وقال الشاعر: وقل لمن يدعي في العلم فلسفة عرفت شيئا وغابت عنك أشياء واليوم ما أحوجنا إلى التمعن في هذا المعنى وسبر اغواره, سواء كان الحاوي آية كريمة أو بيتا من الشعر أو سطرا من النثر, فالحكمة هي الحكمة قد تكون هنا وقد تكون هناك, لا حدود تحدها وهي ضالة المؤمن يأخذ بها حيث وجدها وتهيأت له, الأخذ بها معناه العمل بها وتطبيق فحواها على الذات اولا ومن ثم اسدائها إلى الغير, اذ لا شىء ينتقص من قدر الانسان اكثر من ان ينهى عن شىء ويأتي مثله, يقول الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك اذا فعلت عظيم ان المتخبطين في كل شىء خبط العشواء كُثَر في كل زمان ومكان, هم يدعون ما لا يعلمون, ويزعمون ما لا يفهمون, وينسبون إلى انفسهم من الاعمال ما هي حق لغيرهم والذين تعبوا من اجلها وبذلوا الغالي والنفيس والجهد الجهيد لانجازها, انهم يغالطون الحقائق, ويسبحون ضد التيار ولعمري ان ذلك خطأ صارخ يمجه العقل السليم والفكر المستنير, غير ان حياة هؤلاء لا تحلو الا بذلك, بحيث اصبحوا عبيدا لاغلاطهم الحمقاء, لا حول ولا قوة لديهم للتخلص منها, فلا غروا اذا ما استأنسوا بالخيال وتفيأوا التخيل تحت وطأة الارهاصات النفسية, بحيث تصبح الكرامة الانسانية لعبة في مهب الاهواء المجردة التي تلوذ بها النفس الامارة بالسوء, وصدق القائل: تحلو الحياة لجاهل أو غافل عما مضى منها وما يتوقع ولمن يغالط في الحقائق نفسه ويسومها سوم المحال فتطمع كأني بهؤلاء وتخرصاتهم يسخرون من العقل والمنطق ويستخفون بقدرات خليفة الله على ارضه (الانسان) , فيصرون على تشويه الصور الجميلة ويعمدون إلى تلبيسها اسمال الدمامة والقبح, ليروا في ثناياها انفسهم الغارقة في ديجور الايحاءات العقيمة وحنادس الاوهام السقيمة. ولكن لماذا هذا الادعاء والاصرار عليه, والجواب من البساطة بمكان بحيث لا يحتاج إلى كبير عناء للعثور عليه, انه الاحساس بالنقص المتمخض عن الجهل بمعرفة ناموس الحياة وقانون الكون, وعدم القدرة على استيعاب التجارب والعبر والافادة منها, لذلك وجب عليهم اللجوء إلى سد ذلك, فكان ما نراه من امرهم: مجافاة الواقع, ومعاداة الواقعية. مثال ذلك صديقي (فلان) الذي (ضيعته) منذ أمد, جمعتني به صدفة خلال الشهر الكريم, صدفة خير من الف ميعاد, لم يعد كما عرفته فقد تخلق بأخلاق لم اعهدها له ولم تكن ديدنه في يوم من ايام حياته السالفة في حيِّنا الصغير, الذي رضعنا فيه در البساطة والفطرة السليمة, هذا الفلان ما ينفك يتفوه بأكثر مما تحتمل قدراته الذهنية, وامكانياته العلمية ويصر على ان ما يقول به عين الصواب مستشهدا بآراء غاية في السخف والسطحية, اهلها ينكرون العلم والمعرفة ويكذبون العصر وروحه وعندما تجادله بالتي هي أحسن وتفحمه بالحجج المشرقة اشراق شمس الضحى, لا يتورع عن رميك بالجهل والجحود بل اكثر من ذلك!! لانه لا يرى (الصح) الا في المستحيل والمبهم من الامور, يغوص في الغيبيات باحثا عن حلول لقضايا ومشاكل العصر مع العلم ان الحلول متوفرة على أرض الواقع, وهي في انتظار المبادرة الجادة والموضوعية فحسب, ولكن أنَّى لعاجز ان يبادر ولناقص ان يكمل حتى لو توفرت له اسباب الكمال وادواته ومهدت له طرق المبادرة: ولم أر في عيوب الناس نقص كنقص القادرين على التمام هذا الصنف من البشر هم علة العلل في اي مجتمع والسبب والمتسبب في الارباك وصرف الاذهان عن المهم إلى ما لا أهمية له وتبذير الطاقات في غير طائل, ومما يدعو إلى التعجب ويصيب بالذهول وجود الكثير منهم في صدور المجالس ما وفر لهم مناخا طلقا يصولون ويجولون فيه, يفتون ويجتهدون, إلى ان أحاطوا انفسهم بهالة من القدسية الاجتماعية لا تقبل النقد, شغوفة بالاطراء, مغرمة بالتزلف: تساءل: اني قد رأيتك راجلا - فقلت له من حيث انك فارس اذا لم يكن صدر المجالس سيدا - فلا خير في من صدرته المجالس وفي شعر بداياتي وجدت الآتي: تشدق شوه الاذهان هيا - فأنت بواقع الأشياء جاهل ففي افكارك البلهاء جدب - وفيها ــ ويك ــ لو تدري مجاهل هي البيداء بادت من زمان - فلا عد هناك ولا مناهل اذا ما حلها ذو العقل يظمأ - ويمسي فكره في الحال خامل تبث سموم جهلك لا تبالي - لأنك بالعواقب غير حافل

Email