استراحة البيان: إعلانات سناء .. وتاريخ كاريوكا

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أيام ظهرت الفنانة العظيمة سناء جميل على شاشة التلفزيون المصري تشكو من الإهمال, وتقول إنها اضطرت أن تطلب بنفسها من إدارة التلفزيون أن تشركها في المسلسلات والأفلام التي تنتجها, فلم تتلق إلا أدواراً تافهة اضطرت للاعتذار عنها, رغم حاجتها إلى ما يعينها على مطالب الحياة في الظروف الصعبة الحالية! وقبل شهور ظهر الفنان فؤاد المهندس في حديث تلفزيوني ليقول إن حرمانه من الوقوف على خشبة المسرح لسنوات يقتله, فالمسرح هو حياته وهو عشقه الكبير, ولكنه لا يجد نصوصاً لائقة يظهر بها على المسرح, ولم يقل بالطبع إن المنتج المسرحي سيعيد حساباته ألف مرة قبل أن يقدم المسرحية (اللائقة) التي التي يتحدث عنها المهندس خوفاً من قلة إقبال جمهور القطاع الخاص الذي تعود على المسرحيات غير اللائقة.. في زمن أصبحت بطلات المسرح الخاص فيه هن فيفي عبده وهياتم وبينهما عشرات من أنصاف الممثلات وأرباع الراقصات! وليست القصة هنا أن جيلاً جديداً قد أخذ فرصته فأزاح جيلاً آخر, فالساحة الفنية تتسع للجميع.. أو هكذا ينبغي أن يكون.. والفنان القادر على تطوير نفسه سيظل محتفظاً بقيمته على مدى السنين. ولا أحد ينكر قدرة فنانة عظيمة مثل سناء جميل هي بالقطع واحدة من أعظم النساء اللاتي وقفن على خشبة المسرح في مصر والعالم العربي. ورغم أدوارها القليلة في السينما فإنها ــ لو كان هناك تقييم حقيقي ــ تستحق الأوسكار عن دورها في (القاهرة 30) أو (الزوجة الثانية) . ورغم ندرة ظهورها في التلفزيون فلا أحد سينسى دورها البديع في (الراية البيضاء) . وموهبة المهندس أيضاً لا شك فيها, وبعيداً عن السينما التي لم يوفق فيها, فإنه ظل حتى النهاية نجماً على المسرح ينتزع الضحكات الراقية, ورغم انه لم يطور أداءه بالقدر الذي فعله الموهوب الآخر عبدالمنعم مدبولي, فقد ظل للمهندس بريقه وخفة ظله وقدرته على الوصول للناس من خلال شاشة التلفزيون. إن سنة الحياة بالطبع أن تنحسر الأضواء عن النجوم في فترات متقدمة من حياتهم, وتظهر أجيال جديدة تأخذ فرصتها. وقد حدث ذلك من سنوات وظهر بعد المهندس جيل عادل إمام وصبحي, وظهر بعد سناء جميل وسميحة أيوب جيل سهير المرشدي, ولكن ذلك لا يعني حكماً بالاعدام على من سبق, بدليل أن الساحة ــ عندما كانت الأمور صحيحة ــ اتسعت للجميع. لكن الأمور اختلفت بعد ذلك.. المسرح الحقيقي, انتهى.. المسرح الذي كان يقدم روائع الابداع العالمي من شكسبير إلى سارتر وما بعدها وما قبلها ويدخله الألوف من مختلف الطبقات يستمتعون ويتثقفون بقروش قليلة لم يعد له وجود. وحل بدلاً منه مسرح (فيما يبدو.. سرقوا عبده) . والجمهور الذي شهد ميلاد وتألق المسرح الحقيقي مع توفيق الحكيم ونعمان عاشور ويوسف إدريس وسعد وهبه وعبدالرحمن الشرقاوي وميخائيل رومان, شهد النهاية مع مسرحيات بدون مؤلف أو مخرج وليس فيها من مقومات المسرح إلا خشبة المسرح نفسه, أما ما يقدم عليها فهو ما كان يقدم في صالات شارع الهرم لجنود الاحتلال السكارى في الحرب العالمية الثانية! وأما السينما فحالتها لا تسر عدوا ولا حبيباً.. وعدد الأفلام التي تنتج أصبحت تعد على الأصابع, وبطولتها محجوزة لنجوم الشباك (وهؤلاء قصة أخرى) وفي هذه الأيام بالذات تدور المعارك الطاحنة في كواليس السينما من أجل حجز دور السينما محدودة العدد لهؤلاء النجوم, والقتال على أشده بين منتجي أفلام عادل إمام ونادية الجندي وأحمد زكي لحجز دور العرض مع أن بعض هذه الأفلام لم ينته العمل منها بعد! ومع تدهور المسرح وانحسار السينما, لم يبق إلا التلفزيون الذي هاجر إليه كل النجوم. ولم تكن تلك مشكلة كبيرة مع ازدهارها والانتاج التلفزيوني والتوسع الهائل فيه بعد انتشار المحطات الأرضية والفضائية واشتداد المنافسة. ففي ظل هذه الأوضاع كان المفروض أن يكون هناك مكان لكل النجوم المهاجمة إلى شاشة التلفزيون.. خاصة إذا كانت بحجم سناء جميل أو فؤاد المهندس, وخاصة إذا كان التلفزيون لا يؤمن بالتجديد, ولا يمنح الفرصة للوجوه الجديدة إلا نادراً, ويجد من المناسب ــ كما نشاهد الآن ــ أن يلعب عزت العلايلي دور عاشق شاب, وأن يتبارى مع فردوس عبدالحميد في تبادل عبارات الغرام, وأن تلعب صفية العمري دور الغادة اللعوب في مسلسل آخر بعد 30 سنة من ظهورها على الساحة الفنية, وأن يلعب حسين فهمي دور الـ (دون جوان) الذي تتبارى النساء في الوصول إليه في (هوانم جاردن سيتي) وأن يكون أصغر الشبان الذين يمثلون أدوار البطولة في مسلسلات رمضان هو يحيى الفخراني! السن ليس المشكلة في هذه الظروف, ولكن أشياء أخرى هي التي تحجب فنانة مثل سناء جميل عن الظهور في التلفزيون.. أشياء مثل الشللية التي تسيطر على العمل في هذا القطاع, والتي تجعل ممثلاً معيناً يوزع وقته على ثلاثة مسلسلات يصورها في وقت واحد.. لأن (المخرج عاوز كده) !! وأشياء ـ لا داعي لتسميتها ــ تجعل ممثلة مثل تهاني راشد تظهر تقريباً في كل مسلسلات رمضان هذا العام حتى يحتار المشاهد في متابعتها في الأدوار المختلفة.. وذلك لسبب واحد وحيد وهو أنها زوجة (صاحب المحل) .. أي مدير الإنتاج التلفزيوني كله! مع أنه بالتأكيد لم يكن سيغضب لو ذهب دور أو اثنان من الأدوار التي أدتها زوجته إلى ممثلة لا بأس بها على أي حال.. اسمها سناء جميل!! وهكذا ينتهي الأمر بفوائد المهندس جالساً في بيته يرتجف قلبه كلما دقت الساعة التاسعة والنصف موعد رفع الستار في مسارح القاهرة التي تحترم نفسها وتحترم المشاهد, وينتهي الأمر بفنانة رائعة مثل سناء جميل إلى الإعلان عن بيع الشقق, وتكتفي العظيمة سميحة أيوب بأحزانها على سعد وهبه وعلى الحالة الفنية... وكل ذلك يهونا بجانب المصير المؤلم لفنانة مثل تحية كاريوكا سقطت في الشيخوخة والفقر والمرض بعد أن استولى آخر أزواجها على آخر ما كانت تملك, وانتهزت محطات التلفزيون العربية التجارية الفرصة لكي تجعلها تفتي في الدين والدنيا, وتؤرخ للثورة وتحكي عن دورها الأساسي فيها (!!) وتروي ذكرياتها السياسية وصدامها مع عبدالناصر (!!) وصداقتها للسادات. والناس تسمع وتضحك, فهي على الأقل تعترف بجهلها, ونحن نعترف بحماقتها, وهي (مزايا) لا يتمتع بها كاتب بلا موهبة مثل ثروت أباظة أو مدرس تاريخ بلا ضمير مثل السيد رمضان.. مع الاعتذار الشديد للشهر الكريم!! بقلم : جلال عارف

Email