استراحة البيان: عربي.. حتى في المهجر: بقلم : سعيد حمدان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الصحافة العربية خارج الوطن العربي كحال اهلها داخل الوطن, لا تتحدث الا بالسياسة, اوهم اصحابها حديث الفضائح وكيل الشتائم والسباب لاهلهم وبعضهم! والصحافة الصفراء التي تتكاثر في الصيف ومواسم السياحة, كنا قبل سنوات نبحث عنها في السفر, وفي احيان كثيرة نؤمن بكل ما فيها, فهي كما تقول تكتب وتغامر من اجل عيون الانسان العربي المظلوم المقهور المفترى عليه. كنا قبل وعندما انفتح العالم وانكشف بعض من اسراره, واصبح عبارة عن قرية صغيرة, وعندما تخلى الاعلام عن غموضه وتحول الى علم وفن وتكنولوجيا وخرج لنا إعلام عربي دولي يترفع ويرفع وطنه, عندما حدث ذلك اكتشف القارىء انه ضحك عليه زمنا طويلا, وان الصحافة العربية في المهجر ــ الصحافة الفضائحية طبعا ــ ليست سوى لعبة وتكتيك وسلاح, فصحافة الحرية التي تشتم النظام الفلاني باسم كشف الحقائق من اجل مستقبل افضل للأمة العربية كانت تشتم من اجل الفلوس, ولم تكن لغة الحرية والمصارحة سوى وسائل لابتزاز مزيد من المال العربي, فهي صحف واقلام يدعمها نظام عربي من اجل الهجوم على نظام آخر, او حزب على حزب او تاجر ضد تاجر, وعندما يتوقف الدعم تنقلب على صاحبها, ويجد النظام الآخر فرصته في الانتقام ورد الكيل. وعندما ملت الانظمة والاحزاب والاشخاص من هذ اللعبة وتوقفوا عن ضخ اوراق المال بدأت هذه الصحف والمجلات تتساقط وتموت. هذه الصحافة الصفراء هي في الواقع جزء من الزمن العربي, ومن واقع هذه الأمة, وخير معبر عن الحال الذي وصل اليه الذكاء او الغباء العربي.. لا فرق. وغير الصحافة الصفراء, هناك صحافة المغتربين, وهي تختلف عن الاولى, فهذه لا تتركز في كبرى عواصم اوروبا, فهي بسيطة لا تملك الثمن لتعيش في اغلى المدن, ولا تنشد اقتناص سائح المواسم. انها تعيش بعيدة من اجل العربي الذي يسكن الغربة الطويلة, صحف ومجلات تصدر في المواقع التي تتركز فيها الجاليات العربية التي هاجرت منذ زمن, في بلدان مثل امريكا اللاتينية وقارة استراليا او اجزاء اوروبا الفقيرة. تجد هذه المطبوعات في المكتبات الصغرى وبقالات الاحياء التي تسكنها الجالية العربية وقد لا تهمك انت المسافر الغريب ولا تغريك بالشكل او بالقراءة, ولكنها بالنسبة للعربي المستوطن غالية عزيزة, فيكفي ان فيها ذكر الوطن ورسم الخط العربي, فللعربية مذاق وحنين عند انسانها مهما تغرب وابتعد. وقد شغلتني ومنذ سنوات هواية البحث عن هذه الصحف في الاسفار وعند الاصدقاء وحاليا من خلال عالم الانترنت. ووجدت في هذه الصحف على اختلاف العالم الذي تصدر فيه, وامكانياتها وحجمها انها تكاد تجتمع في ان خطها يمثل حال الانسان العربي, فحتى وهي مغتربة وتخاطب انسانها المغترب تتحدث عن السياسة اولا واخيرا, فأخبار الوطن سياسية, والمقالات التي تكتب تعالج ايضا قضايا سياسية. وعلى كثرة وتنوع ما جمعته من صحف لم اجد مطبوعة عربية في المهاجر المختلفة تتكلم لغة غير السياسة, باستثناء مطبوعة شاهدتها الصيف الماضي في فيينا عنوانها (آه يا زمن) ومن اسمها عرفت انها كمثيلاتها تحدث المغترب عن احوال السياسة في بلده, ولكن المجلة الشهرية التي صدر منها حتى الصيف الماضي ستة اعداد لا تحدث المغترب عن بلده او عن البلد التي يستقر بها وانما عن شأن واحد فقط هو النادي المصري بفيينا ولا شيء غيره! فأكثر من 30 صفحة تحوي مقالات وتحقيقات وكاريكاتير جميعها يتحدث عن موضوع واحد هو النادي المصري (وبلاويه) طبعا حالة (آه يا زمن) تختلف عن صحافة المهجر الأخرى, في انها غير مهتمة بالاخبار السياسية, ولكنها تتفق معها على انها تعبر عن شخصية الانسان العربي, فهو في (آه يا زمن) مضطهد, يشعر بالظلم, يحاول ان ينتقم, رغم ان مدينة فيينا التي تعيش فيها المجلة يعرفها العالم بمدينة الهدوء والرومانسية وروائع الموسيقى والفن والنهضة العلمية, الا ان صاحب المطبوعة لم يجد فيها الا جحيم النادي المصري, فأراد ان ينفس عن همه وتكلف اصدار مجلة لذلك! كذلك دول صحافة المهجر الاخرى هي في مجملها بلدان مسالمة, ولكن الصحافة العربية فيها اختارت مرارة السياسة, والحديث المكرر والممل عن احوال بلد المغترب. فهكذا العربي حتى لو هاجر وتغرب, تبقى شخصيته وحاله من حال وواقع وطنه.

Email