استراحة البيان، بلاد جميلة وشعب كريم ، الحلقة السابعة، يكتبها اليوم: محمد المر

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الداخل على يسار بوابة حصن جبرين وبالقرب من السلم الذي يؤدي الى الطابق الاول شاهدنا قبر الامام بلعرب بن سلطان اليعربي في حجرة كان يعتكف فيها للعبادة والصلاة وقد كانت نهاية ذلك الامام العادل والمحب للعلم واهله نهاية مأساوية فقد تمرد عليه اخوه سيف بن سلطان اليعربي ويقول ابن رزيق مؤرخ الدولة اليعربية: (وخرج سيف الى اخيه فأخذ حصون عمان كافة, ولم يبق في حكمه من حصون عمان إلا جبرين فحصره فيه ورجع ليضرب الحصن بالمدافع) . واستمر القتال الى ان وصل رجال المعسكرين الى حل: (ثم تعاهد قوم سيف وبلعرب على الكفاف عن الحرب وقالوا: الرأي السديد ان نغمد السيف عن بعضنا بعضا فإذا اقتتل سيف واخوه بلعرب وقتل احدهما اخاه صرنا له رعية وتبعا, فإن ابيا عن ذلك فيمكث كل واحد منا في المعسكر, فإذا طالت على ذلك المدة فليرجع كل واحد منهما الى وطنه, فلما بلغ بلعرب ما عول القوم عليه, توضأ وصلى, نفلا لله, ركعتين, وسأل الله عز وجل ان يميته. فما فرغ من دعائه الا وخر على البساط الذي صلى فيه ميتا) . واختلف المؤرخون العمانيون وغيرهم حول موضوع ثورة سيف على اخيه بلعرب خصوصا مع قلة المصادر وندرة التفاصيل, فهل كان قتال الاخوة هو اعادة لمأساة قابيل وهابيل القديمة ام انه لخلاف بين بلعرب النظري والمثقف والمحب للعلم والادب من جهة وبين سيف العملي والمحب للمعارك الحربية والامور الميدانية من جهة اخرى. واضيف الى ذلك البعد الفقهي الاباضي لان دولة اليعاربة في عهد الامام ناصر بن مرشد وفي عهد الامام سلطان بن سيف كانت قد ارجعت الى عمان تقاليد الامامة الاباضية في انتخاب الامام الذي يشكل الزعامة السياسية بعد حكم النباهنة الذي يسمى حكمهم في الادبيات التاريخية الاباضية بحكم الجور والظلم. لذلك فقد اعتبر الكثير من علماء المذهب الاباضي ان سيف بغى على اخيه وتمرد على الامام المنتخب انتخابا شرعيا. ويقول الشيخ سالم بن حمود السيابي في كتابه (عمان عبر التاريخ) في هذا الموضوع (عرفنا قول القائلين ان سيفا باغ على اخيه, وهو الظاهر لانه لم تقم على بلعرب حجة توجب عزله او الخروج عليه, ولم نعرف ما يحتجون به لسيف وهذا عين الاشكال) ويذكر السيابي ان هذه السابقة في اخذ الحكم بالقوة بدلا عن الانتخاب هي التي ادت الى نهاية دولة اليعاربة بعد ذلك. مسألة موت الامام بلعرب بن سلطان ايضا مازالت غامضة فرواية ابن رزيق حول وفاته فجأة بعد صلاته الحزينة يستبعدها بعض المؤرخين, فالاوروبيون يعتقدون انه انتحر عندما عرف بخذلان رجاله له وبحتمية انتصار اخيه عليه. واعتقد في رأيي المتواضع ان الانتحار مستبعد عن رجل عالم يعرف مدى بشاعة الانتحار في الدين الاسلامي حتى ولو كان ذلك لحقن دماء المسلمين. وربما قتله خدمه او بعض مساعديه للتقرب من الحاكم المنتصر الذي تشايعه الاكثرية. صحيح ان ابن رزيق ذكر ان الخدام الذين اخبروا سيف عن وفاة اخيه عندما اتهمهم بقتله حلفوا له انه مات حتف انفه. ولكن هذه الرواية الوحيدة في الموضوع وربما دفن موضوع القتل والاغتيال خصوصا اذا عرفنا هيبة سيف بن سلطان وكيف دخل الكثير من اهل عمان في بيعته تقية كما يقول ابن رزيق. المعلومات التاريخية قليلة حول الموضوع خصوصا وان معظمها مأخوذ من ابن رزيق, وهي لا تجعل الامر واضحا بالنسبة لموت ونهاية باني حصن جبرين الجميل. تجولنا في حجرات حصن جبرين المتعددة الجميلة, شاهدنا حجرة الشمس وحجرة القمر وحجر المجالس وحجر الدرس وحجر السجم وحجر المؤن الغذائية واعداد الغذاء. ما اجمل سقوفها المطلية بجمالياتها الزخرفية والهندسية والنباتية والكتابية, وما اروع ابوابها الخشبية المحفورة وما احلى قمرياتها وشبكياتها الجصية المزخرفة. في هذه الحجر الجميلة ترددت ايام الامام بلعرب الآيات القرآنية والاحاديث النبوية والقضايا الفقهية والمسائل النحوية والبلاغية واليها جاءت اخبار انتصارات جيش الامام ضد اعدائه البرتغاليين في ديو بالهند وهرمز بفارس, وبين جدرانها اطلقت زفرات الحزن من قبل المخلصين من اصحاب الامام اثناء حصار زعيمهم المنتخب من قبل اخيه الذي تمرد على الشرعية الدينية وجمع الجيوش وطالب برأس اخيه. وضاق هذا الحصن الكبير على الامام بلعرب عندما اكتوى بنار ظلم ذوي القربى وخذلان الاتباع وانفضاض الناس حتى ان لئام عمان كما يقول ابن رزيق اسموه (بلاء العرب) بعد ان كان يسمى (ابا العرب) لسخائه وكرمه وورعه وتقاه وعدله وانصافه, ومرت عليه في محنته ايام وساعات ودقائق وثوان سوداء تمزق الفؤاد وتمض الروح ككوابيس مرعبة تمتلىء بخفافيش مخيفة زاعقة تحمل صيحات الموت والخيانة والفناء. اثناء رجوعنا من جبرين الى نزوى مررنا بمدينة (بهلا) وكانت قلعتها الشهيرة مغلقة للترميم والاصلاح شاهدناها من الخارج, وتفرجنا على احد افلاج بهلا وتمشينا في القسم القديم والتاريخي من تلك المدينة العمانية التي شهدت احداثا جساما من فصول التاريخ العماني العريق. في نزوى تغدينا في مطعم شعبي صغير في منتصف المدينة, وتوجد به خلوات اشبه ما تكون بالخلوات او الزوايا في اقسام العائلات في بعض المطاعم الخليجية. جاءنا الجرسون, وطلب زميلنا الكريم محمد هاشم خوري كعادته معظم الاطباق في قائمة الطعام. ولكن للاسف لم تكن وجبة الغداء في المطعم شهية مثل وجبة الغداء في مضافة السيق. فعاد صديقنا الذواقة الى ملاحظاته الانتقادية حيث وجد ان اللحم في اطباق اللحم كان قاسيا جدا يحتاج لاسنان من حديد لمضغه, ووجد ان الدهن في اطباق الدجاج كان كثيرا ومبالغا فيه, ووجد ان البهارات في اطباق السمك لم تكن بالقدر المطلوب. وعاد استاذنا عمران بن سالم العويس الى تحفظاته الغذائية ولم يقرب معظم الاطباق المعروضة. اما بقية الاخوان فقد ركزت على اطباق السمك وخصوصا اسماك (الشعري) المشوية اللذيذة, وباقي الاطباق استعانوا عليها بكمية لا بأس بها من المخللات والمشهيات. وساعد صوت التلفزيون العالي الموجود في القسم المجاور في زيادة خفض الشهية. في العصر ذهبنا لزيارة بلدتي فيقين ومنح جنوبي مدينة نزوى. حصن فيقين نالته يد الترميم فبدا جميلا وعلى الاخص برجه الشامخ. قبل الغروب تمشينا قرب حصن منح ومدينتها القديمة المهجورة. الجدران متداعية والشروخ ظاهرة والنباتات منتشرة بشكل غير نظامي. هذه البلدة المحصنة الرائعة لم تمتد اليها يد الترميم بعد ويا حبذا لو رمم الحصن والمدينة القديمة التي مازالت موجودة ببيوتها ودكاكينها ومساجدها وبوابتها الكبيرة كنموذج رائع للعمارة العمانية الكلاسيكية. ولاشك انها ستكون معلما سياحيا وثقافيا وتراثيا جميلا يجذب الزوار من داخل وخارج الاراضي العمانية. ولايوجد دليل على ترابط العلاقات الاخوية بين عمان والامارات اكثر عذوبة من الاشعار التي جادت بها قرائح الشعراء الدالة على القرب الجغرافي والمودة القلبية, فهذه منح الواقعة جنوبي الجبل الاخضر ترد في شعر شاعر الامارات عبيد بن سعيد السويدي حيث يحيي في بداية قصيدته النسيم الذي يشبهه بأمير النسمات الشرقية القادمة من بطحاء منح. وهذا النسيم او الريح هو الذي يسمى (الكوس) وكان قويا, ومنذ الصباح مر على التلال والهضاب مبكرا مع (السريح) او الراعي. وهذه التلال الرملية فيها المناجاة العاطفية والروائح الشذية والطيور المغردة بألحان حزينة وفرحة, ويطلب الشاعر من السحاب الذي لمع برقه ان يسقي حبيبه الذي يمتاز بجمال العنق وحلاوة العيون. حي ابمير الشراجي كوسه شل العجاجي صبح يتلا العراجي عراجيب الاناجي جيل به الضجضاجي يبكي اومره ايناجي يعل السحاب الساجي يسجي حلو العناجي يا من بطحا منح ما دوك واستنح مع سريح سرح فيها الشيذي نفح بر اصواته وضح ابرايات الفرح لي براقة لمح عين الجدي لميح وهكذا ودعنا بلاد الطبيعة الساحرة والتراث العريق والقوم الكرام وعيوننا لم تكتحل الا برؤية معالم قليلة فيها وقلوبنا لم تأخذ حظها من الارتواء من كل جمالياتها. وكيف يشبع الزائر من عمان وهي الجمال الذي قال عنه الشاعر يزيدك وجهه حسنا اذا ما زدته نظرا

Email