في محاضر ممتعة باتحاد الكتاب الغوص واللؤلؤ في الشعر الحديث

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثارت المحاضرة التي نظمها اتحاد الكتاب وأدباء الامارات في أبوظبي مساء أمس الأول مجموعة من التساؤلات الهامة, وأعقبها حوار حول ما جاء فيها من طروحات وقضايا نقدية تتعلق بشعر الغوص في الخليج العربي حيث حملت المحاضرة عنوان (الغوص على اللؤلؤ في شعر الخليج العربي الحديث), وهو العنوان الذي أثار جدالاً أوضح خلاله المحاضر أنه لا يقبل تطبيق التقسيم التاريخي ومعاييره في مجال الأدب الذي لا يمكن إقامة حدود قاطعة بين فتراته المختلفة حيث يتداخل ويتواشج بشكل كبير يجعل من غير الممكن تأطيره في فترات تاريخية محدودة, علاوة على ايراد بعض الملاحظات الخاصة بغياب الشعر المعاصر (شعر الثمانينات والتسعينات) عن الدراسة, وعدم إىفاء موضوع البحث حقه من الدراسة وغيرها من المداخلات التي شارك فيها عدد كبير من الحضور. وفي بداية بحثه أكد الدكتور الجزائري الرشيد بوشعير على أن الغوص على اللؤلؤ أثر بشكل كبير في جميع مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والوجدانية والفنية والأدبية بالمنطقة وعلى المستويين الشعبي والرسمي, وذكر العديد من الأمثلة على هذا التأثير كعادة الزواج, ودخل الفرد, والأسماء, وألعاب الأطفال وأغانيهم, والرقصات, والإيقاعات, والمواويل الشعبية والشعر موضوع البحث أو المحاضرة, كما أكد ان هذا الأثر يتجذر في الشعر العربي منذ العصور القديمة أمثال الشعراء (السيب بن علس والأعشى ميمون والمخبل السعدي وأبو ذؤيب الهذلي وآخرين), وأشار الى أن هذا الارتباط بالبحر والغوص في المنطقة يضفي على الشعر المعبر عنه مسوح الظاهرة الأدبية المتميزة التي تعد مفاجأة بالنسبة للدارسين لأن عدم اكتمال هذه الظاهرة الشعرية في بعض الأقطار الخليجية يتخذ ذريعة من قبل بعضهم للشك في أصالة الشعر العربي الذي يكتب في هذه الأقطار, واوضح انه يقصد بالاصالة مدى تعبير الشعر عن الواقع واقترابه من هموم الحياة اليومية والاجتماعية بصدق. وتتبع المحاضر في بحثه مستويات التعبير الشعري عند الشعراء الذين تناولوا موضوع الغوص من جانبين: الأول هو الجانب المضموني المتعلق بالموضوع والمحتوى, والثاني هو الجانب البنائي المتعلق بشكل القصيدة وبنائها ولغتها وصورتها الشعرية وتقنياتها الفنية الاخرى, أما جانب الموضوع فتوصل الباحث فيه الى أربعة مستويات هي: * الرؤية الرومانسية وهذه ذات مستوى سطحي تسجيلي يكاد يقترب من المستوى الحرفي عند الواقعيين الطبيعيين ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر (الشاعر القطري محمد احمد عبد الله المطوع والشاعر سلطان خليفة). الرؤية الواقعية وهذه يتبناها الكثير من الشعراء أمثال (سالم بن علي العويس وخليفة الوقيان وعلي السبتي ومبارك بن سيف) ومحمد الفايز الذي استطاع ــ كما يقول المحاضر ــ ان يجعل من الغوص غرضا من أغراض الشعر العربي الحديث. * الرؤية العبثية وهي رؤية ليست مكتملة في أعمال الشعراء الخليجيين بل إنها اقرب ما تكون الى الإرهاصات العبثية التي تعد مستوردة من الثقافة الغربية وليست نابعة من قيمنا العربية الإسلامية المحلية. * الرؤية الرمزية بوصفها توظيفا لعناصر وخدمات مستوحاة من عالم الغوص ويمكن إيجاد شواهد كثيرة يغطي عليها الطابع الرمزي عند خليفة الوقيان وعبدالله العتيبي. بعد ذلك انتقل المحاضر للحديث عن المبنى والشكل وأشار الى صعوبة تحديد السمات الفنية المشتركة التي تربط بين الأعمال الشعرية التي تتناول الغوص بسبب التفاوت الكبير في الاستخدامات الفنية ومدى نضجها لدى الشعراء ولكن الموازنة بينهم والشعراء القدامى تظهر بعض السمات وذلك من حيث القاموس اللغوي والصورة الشعرية والموسيقى. ومن قراءته توصل الباحث الى أن الفاظ المحدثين اكثر لينا وسماحة في حين ان الفاظ القدامى اكثر جزالة لكن هذا لا يحتمل التعميم اذ ثمة نسبية في هذا الأمر فلغة شعراء القصيدة العمودية من المحدثين مثل الدكتور مانع سعيد العتيبة وخليفة الوقيان ومحمد عبدالله المطوع تظل اكثر جزالة وقوة من لغة شعراء قصيدة التفعيلة, اضافة إلى ان المحدثين يستخدمون الالفاظ استخدامات تتجاوز تخومها اللغوية وحدودها المعنوية وتستشرف آفاق الايحاء والحدس والرمز والظلال الواهمة التي تستعصي على التمييز الدقيق, اما من حيث الصورة الشعرية فان اهم فارق بين الصورة عند القدامى على اختلافهم والصورة عند المحدثين على اختلافهم ايضا, يتمثل في الوظيفة التي تؤديها هذه الصورة. تبقى الاشارة إلى ان البحث جاء زاخرا بالشواهد والامثلة الشعرية التي يصعب ايرادها والتي دلل بها الباحث على رؤيته, كما اتسمت بالنهج الاكاديمي الموضوعي والرصين وتضمنت 54 هامشا بين احالة ومرجع ولا غزو في ذلك اذ ان المحاضر هو استاذ الادب العربي في جامعة الامارات في مدينة العين وناقد ادبي له ما يربو على اثني عشر كتابا في اللغة والنقد.

Email