المترنم بالتراث العراقي المطرب فريد حافظ: الأغنية في خطر وكل الحق على الاعلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

لكي تكون الاغنية جيدة وعلى علاقة وطيدة بالتربية الجمالية, ترتقي بالذوق وتهذب النفس, وتسمو بها الى مدارج الجمال والاصالة, لابد لها ان تحمل الفكرة والمعنى وتناقش موضوعا او تعبر عن واقع او تحكي هموما معينة, هكذا يعتقد الفنان المطرب فريد حافظ الذي يكرس جل حفلاته واعماله الفنية للكلمة الجميلة, واللحن المتقن والطرب الاصيل باعثا تراث الغناء العراقي عبر رموزه الكبار, ومساهما من جانبه بأغنيات تنحو هذا المنحى. ويرى فريد ان لدينا مخزونا ثريا من الغناء الجميل لكنه غير منتشر اعلاميا, ولا تسلط عليه اضواء التلفزيونات والفضائيات العربية التي تولي جل عنايتها للاغاني السريعة والراقصة دون الاهتمام بمحتواها وما تبثه من قيم ومفاهيم قد لا تتفق في اغلب الاحيان مع تقاليدنا وعاداتنا, وان كانت تلبي حاجة الشباب (للرقص والفرفشة) . وفي حواره هذا يحمل فريد على الاغنية السائدة والمسؤولين عن نشرها بين الناس من منطلق (الجمهور عاوز كده) رغم ان الجمهور بريء من هذا براءة الذئب من دم يوسف, فهذا الجمهور ــ يشهد له فريد ــ بحسن التذوق والاستماع , وانه يطالبه في جميع حفلاته بأداء الاغنيات الراقية والاصيلة (ناظم الغزالي, فاضل عواد, صباح فخري وغيرهم), ويتساءل فريد: من الذي ربى الجمهور على هذا المستوى من التذوق ان كان ما يقال صحيحاً؟ ومن الذي يحرص على تبني الموجات من الغناء الهابط ويفتح له الابواب ويجلسه على عرش الفن ويروج له؟ لكن, ربما كبار السن هم الذين يطلبون هذه الاغنيات, هكذا يقال؟ ـ لا, هذا ليس صحيحا, بل الشباب هم من يطلبون الاستماع للموال العراقي والاغاني الدسمة اضافة الى اغنياتي الخاصة, وفي مهرجان (الهيلي) على سبيل المثال كان اغلب الحضور من الشباب وتذوقوا هذه الاغاني واعجبوا بها كثيرا, ومن يقول هذا هم الدخلاء على الاغنية والفن, يدعون ذلك لأنهم عاجزون عن انجاز وتقديم الاعمال الجيدة. يعتقد البعض ان انتشار الاغاني السريعة والراقصة يعود الى طبيعة العصر الذي يتسم بالسرعة في كل شيء, ويحتجون بأن لا احد يملك الآن وقتا طويلا يستمع فيه لأم كلثوم مثلا أو غيرها؟ صحيح ان الحياة الآن لم تعد كالسابق, وصحيح ايضا اننا نعيش عصرا يتسم بالسرعة في كل شيء, لكن الصحيح ايضا ان الحياة ليست رقصا فقط, وهناك فترة يحتاج فيها المرء للخلو بنفسه, والراحة, وما يقال عن ضيق الوقت غير صحيح اطلاقا, لأن الاغلب يقضون الساعات امام التلفاز ينتقلون من محطة لاخرى ومن قناة لثانية. ان هذا ليس سوى هروب من الواقع ومعالجة ما يطرأ على ساحتنا الفنية وحياتنا عموما من مشكلات, وما اصابنا من فوضى في كل شيء, لماذا بقي الفن الكلاسيكي الجميل موجودا في اوروبا الى جانب الاغنيات الهابطة ذات الايقاع السريع؟ (بالطبع ليست كل اغنية سريعة الايقاع هابطة بل هناك ما هو جيد منها, لكننا في معرض الحديث عن الاغنية التي لا تحمل مضمونا ولا فكرا ولا فنا وكل مقوماتها الايقاع السريع). نحن تأثرنا بهذا الايقاع بينما هم في اوروبا ظلوا يعيشون في توازن, وامكن ان يتعايش هذا مع ذاك, انها الفوضى التي تسود حياتنا وتؤثر بالتالي على الاغنية والفن في مختلف انواعه, وعلينا ان نفكر جيدا فيما يجري لأن الاغنية اكثر خطورة وتأثيرا, وهي ضمير الشعوب وثقافتها وحضارتها. قلت ان هناك بعض الاغاني الجيدة وتحمل ايقاعا سريعا هو ايقاع العصر, مثل من مثلا؟ ـ هناك نماذج كثيرة, كاظم الساهر على سبيل المثال وليس الحصر, فهل يختلف اثنان على جمال ما يقدمه وهو من الاغاني الخفيفة او التي تسمى شبابية؟ هذه الاغنية توفرت لها من مقومات النجاح ما جعلها تنتشر وتصل رغم انف الفضائيات, وماجدة الرومي نموذج آخر, وهناك آخرون ينجحون هنا ويفشلون هناك وربما لا يصل صوتهم لكنهم يحاولون, اذا فالمشكلة لا تكمن في عدم وجود الاغنية الشبابية الجيدة بل في ندرتها وقلتها وطغيان هذا السيل من الاغاني الهابطة عليها, بحيث تبدو مثل وردة صغيرة في بستان من الشوك. ثمة من يقول ان جميع المقومات (لو توفرت) فلن تحقق لصاحبها الشهرة اذا لم تسنده علاقات قوية بشركات الانتاج والقائمين على امور الفضائيات والاعلام, فهل تعتقد ان هذا صحيح؟ ـ نعم, واي فنان مهما كانت قدراته واهميته وجود ما يقدمه فلن يصل اذا لم تكن لديه مثل هذه العلاقات, وان كان سيصل في سنة في ظل وجودها فانه يحتاج الى عشر سنوات دونها وقد يحدث هذا وقل لا ينتبه له احد, واذا لم يجد الصوت الجميل, واللحن العظيم فرصة ليظهر من خلال وسائل الاعلام فلن يسمعه احد, من هنا يأتي التركيز على الاعلام لأنه البوابة التي ينفذ من خلالها الفن الى الناس ويخاطب اسماعهم واذواقهم. وماذا عنك, هل تعتقد ان اغنيتك وصلت عبر الاعلام؟ ـ غنيت مجموعة من الاغاني لكبار المطربين العراقيين ولم تأخذ حقها في الانتشار, والآن اعيد تقديمها بنجاح, وشريطي الاخير تضمن واحدة منها هي (زلزال الحب) كما انتهيت من تسجيل اغنيتين لنظام الغزالي هما: (قل لي يا حلو) و(مروا على الحلوين) . وفي اغنياتي الخاصة احاول باستمرار ان اقترب من التراث العراقي الاصيل, وانوع فيما اقدمه للجمهور واحرص على غناء الريف لأنه اساس الغناء العراقي. اما موقف الاعلام من اغنياتي فيخيل لي انها لم تأخذ حقها من الاهتمام, لكن الصحف الاماراتية انصفتني ونشرت حولي موضوعات كثيرة في الصحف العربية. ما رأيك بالاغنية الخليجية؟ ـ متقدمة ووصلت الى الجمهور العربي لأنها تسير في الطريق الصحيح من حيث اختيار الكلمات الجميلة, والمعاني الراقية والالحان الحلوة, وهي مطلوبة ومرغوبة بسبب ظهور مجموعة جيدة من الملحنين والكتاب والاصوات مثل عبد الله الرويشد, راشد الماجد, عبد المجيد عبد الله, احلام وغيرهم. هناك من يفرق بين المطرب والمغني, هل تعتقد ان هناك فروقا جوهرية بين الاثنين؟ ـ في الصوت العربي مسحة حزن دافئة قبل ان تكون مسحة فرح, واذا توفرت له مجموعة من المقومات يكون مطربا, وليس كل من يؤدي كلمات بمطرب, اما المقومات فهي: سلامة الجواب والقرار, جمال الاداء, القدرة على اداء المقام او الموال, والانتقال من مقام الى آخر اثناء الغناء, لهذا يمكن القول ان المطربين قلة في الوطني العربي, ولا يتجاوزون أصابع اليدين. لماذا تغيب الاغاني الاجتماعية واغاني الطفولة من ساحتنا الغنائية؟ ولماذا هذا التركيز على اغاني الحب فقط؟ ـ حتى الحب في الغناء اصبح رخيصاً, الكلمات نفسها, والمشاعر متشابهة, حب وفراق ودموع وآهات وغيرها, ولم يعد تلك العاطفة النبيلة الصادقة, بل مجرد كلمات لا تنطلق من القلب ولا تخاطب القلب وتبقى في حدود الاذن واللسان وتبقى خارج الاعماق. بخصوص تجربتك, قل من مجموعة من الاغاني والاشعار النبطية, هل تحدثنا عنها؟ ـ منذ سنوات غنيت لمجموعة من كبار شعراء النبط ونجحت التجربة بشكل كبير, وفي تجربتي ابحث عن التنوع وتقديم الوان كثيرة ومتباعدة, ولا يقتصر الامر على الغناء العراقي فقط, وغالبا ما اقوم بكتابة كلمات الاغنية الخاصة بي والحنها لكن لا مانع لدي من غناء قصائد شعراء او التعاون مع ملحنين آخرين, وهناك مشروع مع الشاعر المعروف عزيز الرسام سيرى النور في الفترة المقبلة. ما جديدك؟ ـ شريط بعنوان (ربيع العمر) يشتمل على خمس اغنيات هي: ربيع العمر, ما لقوا بيك عيب يا ورد, هلا يمه, واغنيات (قل لي يا حلو) ومروا على الحلوين لناظم الغزالي, اما درة اعمالي فهي اغنية (تسلمي بغداد) من كلماتي والحاني . حوار ـ شهيرة أحمد فريد حافظ

Email