الموضة تجمع رواندا والنمسا

للموضة قوة لافتة، فهي قادرة على جمع الثقافات معاً على سجادة واحدة، مستندة في ذلك إلى قوة خيوطها وقدرتها على جمع الأفكار وترجمتها على شكل قطعة قماشية، ما إن تطل على السجادة، حتى تبدو أشبه بمقطوعة موسيقية، كل لون فيها يمثل وتراً وكل ثنية فيها تبدو أشبه بحركة على السلم الموسيقي.

تلك الحركات تجسدت واقعاً في عرض مشترك جمع بين أطياف رواندا ونظيرتها النمسا، حيث وقف تحت الأضواء 6 مصممين من البلدين ليقدموا معاً نظرتهم الخاصة للموضة وخطوطها، ففي الوقت الذي أطل فيه الفرح من بين ثنايا الأزياء الرواندية، أطل المستقبل من خلال خيوط التصاميم النمساوية.

خطوات

المسافة الجغرافية الحقيقية بين رواندا والنمسا تقاس بالأميال، حيث الأولى تقع في إفريقيا، بينما الثانية تنتمي إلى القارة العجوز أوروبا، ولكن في معرض إكسبو 2020 دبي، فالمسافة تقاس بالخطوات، حيث البلدان يقعان في منطقة الفرص، فيما لا يكاد الفاصل بين تصاميم البلدين في الأزياء أن يرى، حيث بدت الألوان متقاربة من بعضها البعض، والأمر كذلك انسحب على نوعية القماش المستخدم وحتى الأفكار، وإن تباعدت قليلاً، وهو ما زاد من جماليات التصاميم المقدمة على السجادة الحمراء التي استضافتها النمسا في جناحها، وحيث وقفت التصاميم تحت نور الشمس، وتجلت جمالياتها بين «الحواس الخمس» التي استندت إليها النمسا لتكون شعاراً لجناحها في الحدث الأروع عالمياً.

المصممون الستة، يمثلون علامات تجارية ناشئة في البلدين، ولكن برغم ذلك استطاعت أن تعانق العالمية، بفضل ما تمتلكه من جماليات خاصة، وما تبوح به من أفكار نوعية، حيث ضمت القائمة كلاً من المصممة جين فينكيور مينزيروا، وماثيو روغامبا، وبيرا نتايومبايا، وهؤلاء جميعاً يمثلون خطوط الموضة في رواندا، ذلك البلد الحديث نسبياً في صناعة الأزياء العصرية، أما من النمسا فقد أطل كل من بيتينا ريشيل، وكارين وينستشر، وثانغ دي هو.

ألوان خاصة

وأنت تتابع العروض المقدمة على السجادة الحمراء، ستشعر بأن لكل مصمم منهم ألوانه الخاصة، وتصاميمه وأفكاره، بعضها تقرأ فيها المستقبل، كونها طليعية الطابع، وفي بعضها الآخر ترى كيف يمكن للفرح أن يمد خيوطه بين الناس ويجمعهم معاً على سوية واحدة.

في العرض الرواندي النمساوي، لكل تشكيلة ميزتها الخاصة، وهو ما تجسد في تشكيلة ماثيو روغامبا الذي سعى إلى الاستفادة من «الجدية» التي عادة ما تغلف الملابس الرسمية، وإكسابها نوعاً من الفرح من خلال اختياره لمجموعة من الألوان الزاهية، التي قال عنها لـ «البيان»، إنها كانت «طريقته في التعبير عن القلق الذي ساد العالم أجمع أثناء الفترة التي أغلقت فيها المدن، وخلت فيها الشوارع من المارة، وتحولت المدن إلى جزر منفصلة عن بعضها البعض نتيجة انتشار جائحة «كوفيد 19».

ويضيف: «في تلك الفترة أذكر أنني كنت أنظر من نافذتي لأتلمس ألوان الطبيعة الحقيقية التي أغمضنا عيوننا عنها نتيجة تسارع إيقاع الحياة، وانشغالنا في أعمالنا، في هذه الفترة رأيت مدى الجمال الذي يسكن ألوان الطبيعة، ولذلك مالت كفتي نحو الألوان الزاهية، التي نادراً ما تكون موجودة في الملابس الرسمية»، لكن ماثيو آثر في تشكيلته أن يستفيد أيضاً من «لون العسكر» الداكن، ليكسر به حدة الألوان الزاهية، لينتج تشكيلة تتأرجح ألوانها بين الفاتح والغامق.

جذور تاريخية

على الطرف الآخر، وقف المصمم النمساوي ثانغ دي هو، ليطل بتشكيلة جديدة بالكامل، بدا فيها متأثراً بجذوره الذاتية، فثانغ وفق تعبيره «نصفه نمساوي ونصفه الآخر صيني»، حيث ولد لوالدين يمثلان الثقافتين، وهو ما انعكس على تصاميمه، ويقول: «لا يمكن لي الهروب من جذوري، فكل واحدة من الثقافتين التي أنتمي لها، قد ترك بصمته في نفسي، ولكل واحدة منهما تأثيره وجمالياته والتي حاولت توظيفها والاستفادة منها في تصاميمي».

ويتابع: «المتابع لتشكيلتي قد يكتشف اللمسة الصينية فيها، وقيامي بذلك جاء نتيجة ما تحظى به التصاميم الصينية من هيبة وجمال خاص، كونها تمثل حضارة عريقة، والأمر كذلك يندرج في النمسا التي تنطوي على الحداثة بكل جمالياتها وسرعتها».

الأكثر مشاركة