«التسامح» شجرة إماراتية زرعها «المؤسس» ورعاها «عيال زايد»

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن نهج التسامح في الحياة السياسية والاجتماعية الإماراتية المعاصرة وليد اللحظة، ولا هو بفعل قرار آني أو ظرفي أو نتيجة التحولات الإقليمية والدولية التي يشهدها العالم، بل يرتبط بشكل وثيق بالتاريخ والتقاليد الإماراتية، حيث كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، نموذجاً سيخلده التاريخ في ترسيخ التسامح الديني في الوسط العالمي بشكل عام والوسط المحلي بشكل خاص، فقد اعتنى الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بالتسامح بشتى فروعه عناية خاصة، حيث سطّر أمثلة عديدة عن التقارب والانفتاح مع مختلف الحضارات والشعوب.

حيث ان التسامح شجرة إماراتية زرعها «المؤسس» ورعاها «عيال زايد» وها هو إكسبو 2020 دبي منصة عالمية ملهمة تعزز التعاون الدولي بين ثقافات وحضارات العالم لترسيخ مبادئ السلام والتسامح والحوار والتضامن والأخوة الإنسانية وجعلها قيما مشتركة لمواجهة التحديات وصناعة مستقبل مشرق ومزدهر للإنسانية جمعاء.

قيم التسامح والتعايش والصداقة، محاور أساسية في فلسفة المغفور له الشيخ زايد ومنهجه في بناء علاقات وتعاون دولة الإمارات مع بقية دول العالم. بداية من دول الجوار الخليجي وامتداداً إلى العمق العربي القومي، ومنها إلى العلاقات الإقليمية والدولية.

وقد أسس، طيب الله ثراه، أسس القيم الإنسانية المشتركة، كالحوار والتعايش والتآخي والاحترام وقبول الآخر المختلف والتعاون والتضامن، مؤسساً دعائم وبنياناً صلباً، حيث فتحت الإمارات في عهده وما زالت ذراعيها للجميع، عبر ثلاثية الإخاء والمساواة والحرية الدينية.

حجر الأساس

كانت زيارة الشيخ زايد إلى الفاتيكان في العام 1951 هي حجر الأساس في نظرته إلى أصحاب الديانات الأخرى، فمنذ ذلك الحين أرسى الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، قواعد التسامح كنهج فكري وسلوكي على الصعيد الشخصي، وعلى الصعيد المؤسسي. ومن هنا كانت ثقافة التسامح جزءاً لا يتجزأ من فكر الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وكانت إحدى لبنات تأسيس دولة الإمارات في 1971.

التسامح واجب

حدّد رحمه الله سياسته الخارجية الواعية العقلانية في خطابه في اليوم الوطني عام 1972، قال: «لا توجد دولة تستطيع الحياة في عزلة عن المجتمع الدّولي، ولا يستطيع شعب أن يتقدّم دون أن يرقب عن كثب خطوات الشعوب الأخرى التي سبقته على طريق التّقدم، ويحاول أن يستفيد من التجارب التي تلائم ظروفه، والعالم بما فيه من الدول ما هو إلا مجموعة من الأسر المتجاورة، وإذا حسنت العلاقة بين الجار والجار وكان شعارها الأخوة والتسامح شاع الأمن والاستقرار».

محاربة التمييز

حارب المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، التمييز بكل أنواعه، حيث قال في خطاب موجّه إلى القمة الرابعة لدول عدم الانحياز في الجزائر: إننا ندين التمييز العنصري بكافة أنواعه وأشكاله، ونساند حركات التحرر في العالم مساندة كاملة وعلى الأخص في أفريقيا، ونحن على استعداد لبذل كل ما نستطيعه من مساعدة من أجل انتصار هذه الحركات وتحقيق العدالة وحقوق الإنسان. فدولة الإمارات العربية المتحدة، هي من بين أوائل الدول التي وقّعت على اتفاقية محاربة التمييز العنصري في عام 1974، وهو أمر يعكس جوّ التسامح الذي يعبق به المجتمع الإماراتي قيادة وشعباً.

فقد أدرك الشيخ زايد بفطرته أن المتسامح متواضع بطبعه، وأن المتكبر على الناس، لا يمكن أن يكون متسامحاً، حتى لو ظل طيلة الوقت يزعم هذا، وهنا يقول: «أكبر نصيحة لأبنائي البعد عن التكبر، وإيماني بأن الكبير والعظيم لا يصغره ولا يضعفه أن يتواضع ويحترم الناس أكثر مما يحترمونه».

حوار الأديان

لعل الذين قدر لهم البحث المعمّق في أوراق الشيخ زايد الخير وخطبه الثرية، يدركون أن فكراً سامياً راقياً قد ملأ قلبه وعقله، فكر يقوم على جناحين، الأخوّة من ناحية، والتسامح من ناحية أخرى، إقليمياً ودولياً. حيث كان دائم الدعوة إلى التعاون بين الدول، مهما كانت معتقداتها الدينية. وأقواله في هذا الأمر كثيرة ومتنوعة، نذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر، قوله: «إننا جميعاً على هذه الأرض خلقنا الله سبحانه وتعالى، وساوى بيننا، وكانت مشيئته أن يخلقنا أجناساً وديانات مختلفة، وإن تعاليم ديننا تدعو إلى التعاون مع كل إنسان، مهما كانت ديانته».

على خطى القائد المؤسس

تلقفت دولة الإمارات هذه الاستراتيجية التي صاغها الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وهذا المنهج الإنساني الذي دعا إليه فوضعت البرامج المناسبة لتنفيذ تلك الاستراتيجية التي باتت فلسفة التعايش والسلام، واحترام الآخر، من أهم الصفات التي تميز هذه البلاد، يتعايش على أرضها أتباع أكثر من مئتي جنسية، بأديان ومعتقدات مختلفة، بسلام ووئام.

احتضنت أبوظبي في 2014 منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي أسسه الشيخ عبد الله بن بيه، ويعقد سنوياً، في مسعى إلى تأكيد أولوية السلم، باعتباره الضامن الحقيقي لسائر الحقوق، وتعزيز دور العلماء في نشر الفهم الصحيح والمنهجية السليمة للتدين.

وأصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مرسوماً بقانون رقم 2 لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية، والذي يهدف إلى إثراء ثقافة التسامح العالمي، ومواجهة مظاهر التمييز والعنصرية، أياً كانت طبيعتها، عرقية، أو دينية، أو ثقافية. كما تعد الزيارة التاريخية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى الفاتيكان في 15 سبتمبر 2016 بمثابة تتويج لحوار الأديان وللعلاقات التاريخية ما بين دولة الإمارات والفاتيكان.

وفي يونيو عام 2017، أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، قانوناً بإنشاء المعهد الدولي للتسامح، هو الأول من نوعه في المنطقة، ويتضمن إطلاق جائزة تسمى «جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للتسامح». وهدف إنشاء المعهد الدولي للتسامح إلى بث روح التسامح في المجتمعات.

وثيقة «الأخوة الإنسانية»

شكلت زيارة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية في فبراير 2019 التي تعد الأولى من نوعها تاريخياً إلى منطقة الخليج، محطة مهمة للإمارات، حيث كانت الزيارة تهدف لتعزيز قيم التسامح والتعايش.

وتماشياً مع عام التسامح، فقد شهدت العاصمة أبوظبي خلال 2019 ولادة وثيقة «الأخوة الإنسانية» من قبل قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، حيث مثلت هذه الوثيقة نموذجاً فريداً في مجال الدعوة إلى التقارب بين الشعوب.

اكسبو منصة للتسامح

ودرجت الإمارات على بناء جسور الثقة والشراكة مع دول العالم، من خلال انتهاجها ثقافة الحوار، ونشر التسامح والانفتاح والتعاون البناء مع جميع الدول، ومن شأن «إكسبو دبي»، أن يكون واحة للتسامح العالمي، والحوار البناء بين الثقافات، حيث انطلق المهرجان الوطني للتسامح والتعايش بقيم التسامح الإماراتية إلى العالمية، ويتشارك مع العالم أهم التجارب المتميزة في تعزيز قيم وثقافة التسامح وقبول الآخر واحترام الاختلاف، وتعزيز التعاون ومواجهة التعصب سواء كان لدين أو جنس أو لون أو ثقافة، من أجل مجتمع عالمي أكثر سعادة، يعيش في سلام وأمن.

ويعد اكسبو 2020 دبي تعبيراً قويا عن رؤية الإمارات في نشر السلام والمحبة بين الجميع والتركيز على مفهوم الأخوة الإنسانية، وأيضا تجسيد لقناعة قوية بين البشر أجمعين بأهمية الاحتفاء بالقيم والمبادئ والأخلاقيات التي يشترك فيها بنو الإنسان في كل مكان.

ويبحث مهرجان التسامح في إكسبو هذا الأسبوع الأساليب والطرق المتنوعة لتعزيز الأخوة الإنسانية لدى كافة الأمم والشعوب وذلك من خلال خلق مناخ دولي يسمح بالتعاون العالمي في مختلف المجالات.

Email