القَط العسيري تراث عالمي
يستعرض جناح المملكة العربية السعودية عبر فعاليته للفنون البصرية مفهوم فن «القَط العسيري» الذي ارتبط بالعمارة للمنازل في جنوب المملكة، والمراحل التي مر بها ودلالات الألوان البراقة الرائعة المبهجة إضافة إلى النقوش واختلافها من منطقة لأخرى، بعدما كان هذا الفن يمارس حصرياً من قبل النساء ويستخدم فيه شعر ذيل الماعز أو الأغصان كأداة للتلوين وكانت الألوان تستخلص في السابق من لحاء الشجر ومن الورود والحشائش، وكذلك من أنواع من الحجر والفحم، وبات اليوم يمارس من قبل الفنانين والمصممين والمهندسين.
تنوع جغرافي
وتتميز مقاطعة عسير بتنوعها الجغرافي والاجتماعي الذي نتج عن خلق ثقافة عريقة مليئة بالألوان والحياة، وتبرز هذه الألوان الحيوية في أنحاء مختلفة في الحياة اليومية لسكان المنطقة مثل التصميم العمراني والديكور الداخلي للمنازل والفولكلور والرقصات الشعبية والعادات الاجتماعية.
كما يعزز هذا الأسلوب الفني لـ«القط العسيري» الترابط الاجتماعي والتضامن في المجتمع، وهو ما دفع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» إدراج فن القط العسيري في القائمة التمثيلية الخاصة بالتراث الثقافي غير المادي لدى المنظمة الدولية التابعة للأمم المتحدة.
فن تلقائي
من جانبها، قدمت الفنانة السعودية عفاف دعجم، النصائح وإرشادات لزوار الورشة المصاحبة للجناح حول فن القط العسيري إذ عرضت مفرداته الأصيلة من رجال ألمع وبلاد قحطان وشهران تتضمن: التقطيع العمري، البنات، الريش، الحظية، اللبة، إناء الزرع، تزيين النوافذ، وذلك أمام مدخل الجناح، إلى جانب رسم لوحة تفاعلية مباشرة أمام الجمهور.
وتعد كل نقشة من نقوشه حالة فنية تشكيلية تلقائية يقترب مما يعرف بالتكعيبية، كما يعبر عن جانب من الواقع الروحاني الصوفي أو ما يسمى بالحدسيات الفطرية الفنية الصادقة، وهو ما تقوم به المرأة بشكل كبير في المجتمع الذي ينطوي على تزيين الجدران الداخلية لمنازلها، لاسيما الغرف المخصصة لاستقبال الضيوف، ودرجت العادة أن تدعو النساء قريباتهن من مختلف الفئات العمرية إلى مساعدتهن في تزيين منازلهن باستخدام الألوان من الطبيعة ممزوجة بالصمغ النباتي، وفن القط العسيري عبارة عبر أسلوب فني عفوي، الأمر الذي يسهم في نقل معارفهن ومهاراتهن من جيل إلى آخر.
كما أن تلك النماذج المعروضة لهذا الفن ومنها ما هو مرسوم باللون الأسود على الورق الأبيض حتى يسهل للزوار تلوينه، وتحاكي بشكل كبير بيوت عسير التي تستقبل الزائر بواجهات زاهية بمنتهى الروعة، وأحزمة متمازجة من الألوان الجريئة، أقواس قزح براقة، طقوس من الألوان المنسقة بانتظام، ولعل هذه التصاميم الخارجية ليست إلا غلافاً يخفي في داخله مهرجاناً من التصاميم متعددة الألوان، يغطي الجدران والسقوف والأبواب، وكأن بيوت عسير تلتهم الألوان بيوتهم والتي تعتمد بشكل كبير على التعبير عن معطيات الحياة البيئية المحيطة لكن لا وجود للإنسان ولا المخلوقات الحية كصورة واقعية ضمن أعمال النقش قديماً، ولا يعتمد تصوير الأحياء ولو رمزاً، ربما كان ذلك لأسباب دينية، بينما أمكن التعبير فيه عن وصف الطبيعة رمزاً فقط، وفق نماذج هندسية أو نباتية.