الفضاء.. 1200 عام من مغامرة «ابن فرناس» لطموح «راشد»

ت + ت - الحجم الطبيعي

شكّل استكشاف الفضاء والبحث عن أسراره، ديدن الباحثين والعلماء المتخصصين حول العالم، وأداة لا تقدر بثمن، خاصة أن هذا القطاع، أصبح وجهة مثالية لإجراء الاختبارات، وإيجاد الحلول لمشاكل متعددة، تعاني منها مجتمعاتنا، وفي مقدمها الاستدامة والتحديات الغذائية والمائية، ويأتي «إكسبو 2020 دبي»، ليكون منصة مهمة، ينطلق منها المتخصصون العالميون خلال فترة انعقاده، ليتحاوروا خلال جلساته وورش عمله، للكشف عن الجديد في هذا القطاع، والبحث في أهم الابتكارات والتقنيات، التي من شأنها دفع عالمنا نحو إنجازات جديدة.

كما ينظم «إكسبو 2020 دبي» أسبوع الفضاء الذي ينطلق 17 إلى 23 أكتوبر الحالي بالتعاون مع مركز محمد بن راشد للفضاء ووكالة الإمارات للفضاء.

محطات

وبنظرة متأنية لمحاولات الإنسان السابقة للطيران، ومن بعدها رحلات استكشاف الفضاء وكواكبه ومجراته، نجد التاريخ يقف عند أهم المحطات التي أسست لإنجازات ونجاحات كبيرة لاحقة، يأتي في مقدمها، محاولات العالم المسلم عباس بن فرناس القرطبي، وذلك قبل 1200 عام، حيث صنع هذا الرجل ذو السبعين عاماً، آلة للطيران من الحرير وريش النسور، فيما يعتبر أول شخص أجرى في القرن التاسع، تجربة طيران بآلة صنعها وطار بها بنجاح عدة مرات فوق مناطق صحراوية.

وبدأت محاولة ابن فرناس الأولى عام 852 ميلادية، عندما أحاط نفسه بمظلة واسعة مقواة بدعائم خشبية، وقفز من مئذنة الجامع الكبير في قرطبة، حيث انزلق وكأنه في طائرة شراعية، فيما أخفقت المحاولة، بيد أن سقوطه كان متباطئاً، بحيث لم يصب بغير أضرار طفيفة.

فكانت تلك أول محاولة للقفز بالمظلة، ثم جاءت محاولته الثانية، حيث صعد تلة في ضواحي قرطبة في الأندلس، بعد أن وضع اللمسات الأخيرة على آلته، وقذف ابن فرناس بنفسه إلى الهواء، وبقي في الجو لفترة وجيزة، قبل سقوطه على الأرض، فتحطم الشراع وانكسرت إحدى فقراته، ولسوء الحظ، فإن الضرر الذي لحق به في الطيران، منعه من إجراء مزيد من التجارب، ليجسد اكتشافه حاجة الذيل ووظيفته في الهبوط.

وتابع الناس محاولات الطيران بعد ابن فرناس، حيث جرت عدة محاولات، منها محاولة الجوهري، وهو معلم تركي، ألقى بنفسه من مئذنة جامع أولو عام 1002، مستخدماً جناحين من خشب وحبل، وتوفي فور ارتطامه بالأرض، وكذلك فعل الإنجليزي ايلمر من مالميسبري، وقد نسي هو الآخر الذيل، فانكسرت ساقاه عندما قفز عام 1010 من برج بارتفاع ستمئة قدم، فيما شهد العالم حالة من الصمت لتجارب طيران أخرى، حتى جاء العالم الشهير ليوناردو دافنشي، المهندس الرائد، الذي أسس تفكيراً علمياً مناسباً في الطيران.

الأخوان رايت

وتتابعت المحاولات، ليذكر التاريخ أسماء، من بينها التركي لاغاري حسن شلبي، الذي اخترع في 1633 أول صاروخ مأهول، أطلقه باستخدام ثلاثمئة رطل من مسحوق البارود وقوداً له، ثم جاء هزارفن أحمد تشلبي، وهو تركي من القرن السابع عشر، والذي استخدم للطيران ريش النسور، مخيطاً على جناح شراعي، وبعد تسع محاولات تجريبية، قرر كيف ينبغي أن يكون هذا الجناح الشراعي، وكان أشهر طيران له، في عام 1638.

وجاءت لاحقاً محاولات الإخوة مونتغولفير في الطيران، بمنطاد مملوء بالهواء الساخن، وصولاً إلى الألماني أوتو ليلنتال هيمن، في القرن التاسع عشر، الذي درس القوى الرافعة للسطوح، وأفضل أشكال الانحناء للجناح، وحركة مركز الضغط باختلاف زواياه، الأمر الذي كان عاملاً مهماً لاستقرار الطائرة، وبدء محاولات طيران شراعي نوعية، ولكنه مات أثناء طيرانه فوق برلين عام 1896، عندما هبت عليه ريح عاصفة، أدت إلى انهيار آلته، ولم يقدر على استعادة السيطرة عليها، فيما يعتبر الأخوان رايت، أكثر الأسماء شهرة في عالم الطيران، واللذان أسسا للتطور الهائل الحاصل حالياً في عالم الطيران، فيما كان الأول من ديسمبر لعام 1903، الذكرى الأولى لطيرانهما.

رحلات الفضاء

ومن بعد محاولات الطيران والتقدم الكبير الذي حدث له، جاءت مرحلة أكثر أهمية في التاريخ البشري، وهي بدء الرحلات الفضائية، التي كانت استجابة للفضول البشري، لسبر أغوار الأرض والقمر والكواكب والشمس، وغيرها من النجوم والمجرات، حيث تجوب المركبات المأهولة وغير المأهولة خارج حدود الأرض، لجمع المعلومات المهمة عن الكون.

ودخلت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق، في تنافس كبير، لتطوير برامجهما المتعلقة بالفضاء، حيث قادهما ذلك إلى إنجازات استكشافية هائلة، فيما تبعهما لاحقاً دول عدة، بينها الهند واليابان والصين ودول أوروبية، ومؤخراً، الإمارات، التي دخلت هذا القطاع بقوة، من خلال برنامجها الفضائي، الذي شمل بناء أقمار صناعية، وإرسال مسبار الأمل إلى المريخ بنجاح، وإطلاق مركبة لاستكشاف القمر «المستكشف راشد»، نهاية 2022.

وبدأ عصر الفضاء في 4 أكتوبر 1957، بإطلاق الاتحاد السوفييتي أول قمر اصطناعي (سبوتنيك 1)، ليدور حول الأرض، فيما كانت أول رحلة طيران فضائية مأهولة، 12 أبريل 1961، حين دار رائد الفضاء السوفييتي، يوري غاغارين، حول الأرض في السفينة الفضائية «فوستوك 1»، في رحلة استغرقت 108 دقائق، وزادت المركبات الفضائية غير المأهولة، والتي تسمى «مجسات ومسابير»، من معرفتنا بالفضاء الخارجي، ففي 1959، مر مجس فضائي بالقرب من القمر، وارتطم آخر به، وفي 1962، حلق مجس أمريكي بالقرب من كوكب الزهرة، وفي عامي 1974 و1976، أطلقت أمريكا، مجسين فضائيين ألمانيين، إلى مدار كوكب عطارد، القريب من الشمس، وفي 1976، هبط مجسان أمريكيان على سطح كوكب المريخ.

وبدأت أول رحلة مأهولة للقمر، في 21 ديسمبر 1968، عندما أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية، المركبة الفضائية أبولو 8، والتي دارت حول القمر ثماني مرات، ثم عادت سالمة إلى الأرض، وفي 20 يوليو 1969، هبط رائدا الفضاء الأمريكيان، نيل أرمسترونغ وإدوين ألدرين الابن، بمركبتهما أبولو 11 على سطح القمر، وأصبح أرمسترونغ أول إنسان تطأ قدماه سطح القمر، وبعد ذلك، قام رواد الفضاء الأمريكيون بخمس عمليات هبوط على سطح القمر، قبل استكمال برنامج أبولو القمري 1972، وانطلاقاً من ذلك، وخلال سبعينيات القرن العشرين، طور رواد الفضاء مهارات مختلفة للعيش في الفضاء، على متن محطتي الفضاء «سكايلاب وساليوت»، وصولاً لمحطة «مير»، ومحطة الفضاء الدولية.

Email