الاستثمار في التنقل والتواصل يعيد رسم خارطة الحضارات عبر التاريخ

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تسعى دول العالم دوماً إلى التقدم والازدهار، وهذه الرغبة محكومة بعوامل عدة، منها ما هو ناتج عن ظروف خارجة عن إرادتها، وأخرى تتعلق بإدارة الدولة ذاتها وما يرتبط بها داخلياً، فهنالك دول وامبراطوريات عبر التاريخ تمكنت من تحقيق قفزات نوعية في مجالات الاقتصاد والسياسة، واستطاعت بحكمة سياستها وذكاء راسمي خططها أن تتبوأ مرتبات عليا من النهضة. ولطبيعة الاتصال والتواصل مع العالم الخارجي مكانة محورية في عمليات النهضة عبر التاريخ.

إن قوة أي دولة لا تأتي صدفة، وإنما هي نتاج تراكمي مبني على علم ودراية وتخطيط سليم للمستقبل المقبل، يتضمن القدرة على تذليل الصعوبات وتحويل التحديات إلى فرص والاستفادة من الإمكانيات الجيدة المتوفرة.

فعبر التاريخ هنالك دول ومدن تقدمت وازدهرت خلال فترات معينة، واستطاعت أن ترسم شكلاً جديداً للعالم والبشرية، وارتبطت الاكتشافات الجغرافية بشكل مباشر بتوسع التجارة العالمي، الذي أخذ بالتطور بعد الثورة الصناعية التي قسمت دول العالم إلى دول نامية وأخرى متقدمة.

مكانة عالمية

أستاذ علم الاجتماع، د. محمد الدقس قال: «إن المدن تأخذ مكانتها العالمية في التنقل للأفراد والبضائع ووفقاً للموقع الجغرافي، وكذلك من خلال التخطيط السليم للموارد البشرية والمادية المتاحة مع توظيف التكنولوجيا المتقدمة ومواكبة التقدم العالمي، ومن الجدير بالذكر أن خطوط التجارة العالمية قديماً وحديثاً لعبت دوراً مهماً في تقدم الدول أو تراجعها، فالمدن الواقعة على خطوط التجارة العالمية هي مدن متقدمة أكثر من غيرها نظراً للتوسع في حركة التجارة والأفراد فيها، كما أن تغير طرق التجارة عن مدينة ما يؤدي إلى ركود الحركة التجارية فيها، واليوم تزداد أهمية المدن التجارية في ظل التقدم المتسارع».

وبيّن الدقس أن للتخطيط الناجح جملة مواصفات، وهي أن يكون مبنياً على أساس علمي، أي يتم بعد دراسة علمية معمقة ووفق مدة زمنية معينة، فالتخطيط التنموي يكون وفق خطة تنموية مقترنة بزمن محدد، كالخطة الخماسية التي تنجز في 5 سنوات وتخضع للتقييم، وتكون شاملة لكل مناطق الدولة، وكذلك المدن، ويأخذ بعين الاعتبار في التخطيط الإمكانات المادية والبشرية للدولة ليتم توظيفها بشكل سليم وأن تتصف الخطة بالمرونة، بمعنى أن تكون قادرة على استيعاب المتغيرات أثناء فترة تنفيذ الخطة، وعموماً فلا نهضة من دون تخطيط ناجح أو بمعنى آخر لا تنمية بلا تخطيط.

دبي نموذج

ويضيف: من جهة أخرى فإن التواصل بين الأمم من شأنه أن يقارب بينها في الثقافة وخصوصاً في ظل العولمة اليوم التي تسهم في تقارب وربما توحيد ثقافات الدول، الأمر الذي يؤدي إلى تقدمها، في حين أن عدم التواصل يؤدي إلى العزلة الثقافية، كما يؤخر تلك الدول بوجه عام، وفي ظل العولمة أصبح العالم قرية صغيرة على حد تعبير عالم السيسيولوجيا الكندي لوهان، ومن النماذج الناجحة التي نراها إمارة دبي اليوم تقوم بدور مهم في التجارة العالمية، فهي تربط بين كثير من الدول، وتؤدي دورها السليم في حركة التجارة العالمية، هذا الدور يتماشى والقوانين السائدة فيها، وهي تعد من أهم المدن في حركة التجارة نظراً لتقدم البنية التحتية، وكذلك لانفتاحها على ثقافة الشعوب والأخذ بوسائل للتكنولوجيا الحديثة، ومن أمثلة ذلك إقامة معرض إكسبو 2020 دبي الذي يعد ثمرة التواصل بين الأمم وإلى تعزيز وتقدم التجارة العالمية، فهذا الانفتاح جعلها تزدهر في مجالات متعددة مثل الصناعة والتجارة والسياحة، ولهذا تعتبر اليوم مدينة دبي من أبرز وأشهر المدن العربية وحتى العالمية.

صناعة الفرص

وبدوره أكد أستاذ التاريخ د. خليل الحجاج أن صناعة الفرص تستلزم تسهيل تنقل الأفراد والاستفادة من قدراتهم وتيسير عملية تلاقي الأفكار والثقافات التي من شأنها إدخال عناصر مضافة إلى التقاليد المحلية المستخدمة في الأعمال، لأن ذلك يزيد من اهتمام الآخرين ويدفعهم للتواصل، وبيّن الحجاج أن صناعة الفرص تحتاج للتخطيط الاستراتيجي الذي يستهدف تحقيق مجموعة أهداف تسعى الدول أو المؤسسات للوصول إليها على مراحل، وهذه العملية تعد طويلة الأمد، فالتخطيط يتطلب وجود عناصر لديها القدرة على الابتكار والمعرفة لما يدور في جميع الجوانب المحيطة للمنطقة المراد استهدافها وخصوصاً في عمليات الاستثمار للاستفادة من كل العوامل التي قد تساهم في تطوير ونجاح الخطة المراد ترجمتها في أي عملية استثمار، وهذا يعني أن الموقع مهم جداً واختياره يأتي نتيجة فهم عميق ودقيق للعوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في العمل المنوي التخطيط له سواء في المكان أم الأفراد أم المجتمع.

وبدوره يشير الخبير الاستراتيجي د. أيمن أبو رمان إلى أن قوة أي دولة تعني فاعلية الدولة ووزنها في المجال الدولي، وهما ناتجان عن قدرتها على توظيف مصادر القوة المتاحة لديها في تعزيز إرادتها وتحقيق أهدافها التنموية، والتأثير في الدول الأخرى، وأن تصبح محوراً للتواصل بين خطوط التنقل التجارية والاقتصادية والثقافية، وتتحدد هذه القوة في ضوء عنصرين: مصادر القوة ثم عملية إدارة وتوظيف تلك المصادر، فمصادر القوة لا تكتسب وزناً بمجرد وجودها وإنما ترتبط بالتدخل الواعي لتحويلها طاقة مؤثرة، ولم تعد الدول تعتمد فقط على عوامل القوة التقليدية بل بات من الضرورة امتلاكها لناصية العلوم والتكنولوجيا، فهما المولد الأساسي للثروة.

وبيّن أبو رمان أن التخطيط الاستراتيجي هو جهد منتظم لاتخاذ قرارات أساسية، والقيام بأعمال ورسم سياسات من شأنها الاطلاع على المستقبل والسعي للصورة الأفضل، وهذا التخطيط يبنى على أسس اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية متشابكة.

Email