الإمارات وكوريا الجنوبية.. شراكة استراتيجية في وجه أمن الطاقة والتغير المناخي عالمياً

ت + ت - الحجم الطبيعي

 يأتي برنامج تسريع الحياد المناخي أحدث المشاريع المشتركة بين دولة الإمارات وجمهورية كوريا الجنوبية، في إطار الشراكة الاستراتيجية المتينة التي تربط البلدين والتي أعلن عنها قبل نحو خمس سنوات وانتقالها إلى مرحلة جديدة من التعاون الثنائي لمواجهة التحديات الدولية الخاصة بأمن الطاقة وتحديات التغير المناخي.

كما تأتي هذه المرحلة الجديدة من العلاقات تتويجاً لأكثر من 40 عاماً من التعاون الوثيق بين البلدين في مختلف المجالات، بينما أصبحت تكنولوجيا الطاقة النووية السلمية في صلب هذه العلاقات مع اختيار تصميمات مفاعلات الطاقة النووية الكورية المتقدمة من طراز 1400 وذلك قبل نحو 14 عاماً.

هو تاريخ حافل بالمراحل المهمة التي عززت العلاقات الثنائية بين الإمارات وكوريا وساهمت في وصولها إلى الشراكة الاستراتيجية الخاصة، بدأت فصوله الجديدة في العام 2009 بإنشاء مؤسسة الإمارات للطاقة النووية والتي تم تكليفها بتنفيذ أهداف البرنامج النووي السلمي الإماراتي، وفي مقدمتها تطوير محطات براكة للطاقة النووية السلمية.

وبدأت المؤسسة على الفور في الإجراءات والأنشطة اللازمة لتنفيذ هذا المشروع الاستراتيجي الضخم، من حيث اختيار الموقع والتقنية وغيرها، حيث وقع الاختيار على الشركة الكورية للطاقة الكهربائية "كيبكو" كمقاول رئيس للمشروع الذي تقرر تطويره في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي.

وفي العام 2010 بدأت التحضيرات والاستعدادات في موقع محطات براكة على بعد نحو 50 كيلومتراً من مدينة الظنة وذلك لبدء العمليات الإنشائية التي كانت تنتظر ترخيص الهيئة الاتحادية للرقابة النووية الجهة الرقابية المستقبلة في دولة الإمارات والتي تتولى تنظيم كافة الأنشطة النووية في الدولة والتي بدأت في العام 2011 مراجعة طلب رخصة إنشاء المحطتين الأولى والثانية، إلى حين صدور هذه الرخصة عام 2012 لتبدأ على الفور العمليات الإنشائية في المحطة الأولى، في لحظة فاصلة دشنت أول مشروع للطاقة النووية السلمية في العالم العربي.

وفي العام 2013 بدأت العمليات الإنشائية في ثاني محطات براكة في وقت كانت الهيئة الاتحادية للرقابة النووية تراجع طلب رخصة إنشاء المحطتين الثالثة والرابعة والتي أصدرتها الهيئة بعد عام في 2014 لتبدأ العمليات الإنشائية في المحطة الثالثة في ذلك العام.

وبتوجيهات القيادة الرشيدة الخاصة بضرورة تطوير وتأهيل الكفاءات الإماراتية التي ستتولى قيادة هذا المشروع الاستراتيجي والحيوي طيلة فترة التشغيل التي تتجاوز العقود الستة المقبلة افتتحت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية مركز تدريب بالمحاكاة في موقع محطات براكة والذي يعد الأحدث من نوعه في العالم وذلك لتوفير برامج التدريب المتقدمة للكفاءات الإماراتية، بعد نجاح برنامج "رواد الطاقة" الذي أطلقته المؤسسة عام 2009 في تخريج المئات من المهندسين والفنيين الإماراتيين المتخصصين في تكنولوجيا الطاقة النووية.

وفي العام 2015 بدأت العمليات الإنشائية للمحطة الرابعة، ليصبح مشروع محطات براكة للطاقة النووية السلمية في ذلك العام أكبر مشروع إنشائي للطاقة النووية في العالم، مع تشييد أربع محطات متطابقة في ذات الآن.

ومع وصول العمليات الإنشائية إلى مراحلها النهائية في المحطة الأولى في العام 2016 سعت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية إلى تقديم نموذج جديد للعالم في إدارة وتمويل مشاريع الطاقة النووية من خلال توقيع اتفاقية الائتلاف المشترك مع الشركة الكورية للطاقة الكهربائية "كيبكو" لتنتقل العلاقات بين المؤسسة والشركة من المقاول الرئيسي للمشروع إلى شريك فيه الأمر الذي شكل سابقة في هذا القطاع على المستوى الدولي.

وخلال العام التالي 2017 خضعت أولى محطات براكة إلى سلسلة من الاختبارات ضمن مرحلة الاستعدادات التشغيلية، بينما استقبل موقع المحطات أول شحنات حزم الوقود النووي لاستخدامها في مفاعل المحطة الأولى.

وفي عام 2018 اكتملت الأعمال الإنشائية للمحطة الأولى وتم تسليم أنظمة المحطة لفريق التشغيل الذي بدأ على الفور بإجراء الاختبارات ضمن مرحلة الاستعدادات التشغيل حيث شهد العام التالي 2019 حصول أول مجموعة من الكفاءات الإماراتية على ترخيص الهيئة الاتحادية للرقابة النووية كمديري تشغيل ومشغلي مفاعلات نووية، بعد برامج تعليمية وتدريبية متقدمة في أرقى المؤسسات الأكاديمية المحلية والعالمية ومحطات الطاقة النووية حول العالم.

وكانت هذه المجموعة المكونة من 15 مهندساً ومهندسة إلى جانب الخبرات الكورية والعالمية نواة فريق التشغيل الذي وصل عدد أعضائه الذي حصلوا على ترخيص الهيئة في العام 2022 إلى 159 بينهم 60 إماراتياً من ضمنهم 8 إماراتيات.

وبالفعل نجح فريق التشغيل في العام 2020 في بدء تشغيل مفاعل المحطة الأولى، وبعدها بأيام قليلة تم ربط المحطة بشبكة الكهرباء الرئيسية، لتنتج أول ميغاواط من الكهرباء الخالية من الانبعاثات الكربونية باستخدام تكنولوجيا الطاقة النووية للمرة الأولى في تاريخ دولة الإمارات ، التي كتبت بهذا الإنجاز فصلاً جديداً من تاريخ التقدم والرقي والرفعة.

وكانت دولة الإمارات على موعد مع حدث استثنائي في العام 2021 حين بدأت أولى محطات براكة للطاقة النووية السلمية التشغيل التجاري، لتصبح الدولة بذلك الأولى في العالم العربي التي تنتج الكهرباء الخالية من الانبعاثات الكربونية على مدار الساعة باستخدام الطاقة النووية كما شهد العام نفسه إنجازاً جديداً مع بدء تشغيل مفاعل المحطة الثانية وربط المحطة بشبكة الكهرباء الرئيسية.

وبدأ في عام 2022 التشغيل التجاري للمحطة الثانية في براكة وبذلك أصبحت دولة الإمارات الأولى في العالم العربي التي تمتلك مشروعاً للطاقة النووية متعدد المحطات في مرحلة التشغيل ولتضاعف بذلك من كمية الكهرباء التي تنتجها محطات براكة إلى ما يصل إلى 2800 ميغاواط وتحد مما يصل إلى أكثر من 11 مليون طن من الانبعاثات الكربونية كل عام.

كما شهد العام 2022 إنجازاً جديداً تمثل ببداية تشغيل المحطة الثالثة وقرب انضمامها إلى المحطتين الأولى والثانية في إنتاج الكهرباء الوفيرة والصديقة للبيئة والحد من الانبعاثات الكربونية الأمر الذي من شأنه دعم الجهود الرامية لتسريع عملية الانتقال لمصادر الطاقة الصديقة للبيئة وكذلك تسريع عملية خفض البصمة الكربونية لقطاع الطاقة والقيام بدور محوري في تحقيق أهداف مبادرة الدولة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.

وبذلك تكون دولة الإمارات عبر هذه المسيرة التاريخية قدمت للعالم نموذجاً في علاقات الشراكة الثنائية التي تعود بالنفع على كل من دولة الإمارات وجمهورية كوريا وتقوم بدور أساسي في التصدي للتحديات التي يواجهها العالم أجمع وفي مقدمتها أمن الطاقة والتغير المناخي.

Email