البيانات.. فجوة بين الاستثمارات والعوائد

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحرص الشركات خلال السنوات الأخيرة على الاستثمار في برمجيات تحليل البيانات، لما لها من فائدة كبيرة على أدائها، وفي الوقت نفسه لمواكبة التطور الهائل الذي طرأ على مجتمعات الأعمال بعد جائحة «كورونا»، لكن الملاحظ أنه كانت هناك فجوة كبيرة بين الاستثمارات التي خصصتها تلك الشركات لبرمجيات تحليل البيانات، والعوائد التي نجحت في تحقيقها من وراء ذلك. 

كشف تقرير حديث لشركة «نيوز فانتج آند بارتنرز»، أن 97% من الشركات التي بدأت رحلة التحول الرقمي في الإمارات بدأت بالفعل بالاستثمار في برمجيات تحليل البيانات، في حين ذكر 19% من تلك الشركات فقط أنها حصلت على نتائج بالفعل وأنها أصبحت مدفوعة بالبيانات حقاً، ما يشير إلى فجوة بين الاستثمارات في البيانات والنتائج التي تم تحقيقها.

يدرك قادة الأعمال في الإمارات ومنطقة الخليج عموماً اليوم أهمية تحسين مهارات موظفيهم في التعامل مع البيانات في إنجاح مبادرات التحول الرقمي ودفع القدرة التنافسية في الشركات إلى حد كبير. ووفقاً لاستبيان قامت به «يوجوف» بتكليف من شركة «ألتريكس» الأمريكية المتخصصة في تقنيات تحليل البيانات، فإن ما يقرب من ثلثي العاملين في مجال البيانات في الشركات الكبيرة في الإمارات والسعودية يمتلكون المهارات التحليلية المتقدمة اللازمة للوصول إلى رؤى تجارية صائبة باستخدام تحليلات وصفية (57%)، توجيهية (61%) وتنبؤية (60%). ومع ذلك، وعلى الرغم من مجموعة المهارات القيّمة التي تتمتّع بها، يستخدم 28% فقط من العمال هذه المواهب لتعزيز مزايا الشركات التي تعمل بها، مثل زيادة الكفاءة، أو تنمية الإيرادات من خلال إنشاء نماذج بيانية.

ويساعد تحليل البيانات في تغذية تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والنمذجة واتخاذ القرارات وتحديد الفرص ووضع التصورات ووضع الخطط والرؤى المستقبلية في الشركات. وتقوم العديد من القطاعات في الإمارات هذه الآونة من تعزيز استثماراتها في البيانات، مثل القطاع الحكومي والنفط والغاز والتجزئة والتصنيع والصحة والسلع الاستهلاكية وخصوصاً القطاع المصرفي والمالي، وذلك بسبب حجم البيانات المتوفرة في البنوك والمؤسسات المالية والنمو المتسارع لتلك البيانات.

بطء العمليات

وحول أسباب عدم استفادة شريحة كبيرة من موظفي الشركات من تقنيات تحليل البيانات في الإمارات بالرغم من توافرها، تقول بولا هانسن، الرئيس التنفيذي للإيرادات في «ألتيريكس» لـ «البيان» إن السبب في ذلك يعود إلى أن الاستثمار في البيانات ركّز في أغلب الحالات على مجموعة صغيرة من الموظفين في الشركة فقط، وهي فريق الخبراء، أو بالتحديد، فريق علم البيانات، أو على مؤسسة تحليلية متخصصة، مشيرة إلى وضع شركة ما صلاحية اتخاذ القرارات بالاعتماد على البيانات بين أيدي فريق صغير سيؤدي حتماً إلى بطء العمليات.

وتوضح هانسن أن القطاع العام في الإمارات هو أكثر استفادة من الخاص من البيانات بفضل الدعم الحكومي الكبير فيما تتمثل نتائج أو ثمار استخدام تحليل البيانات في هذه الآونة في القدرة على اتخاذ قرارات أكثر دقة لإجراء التغيير والتحول، ودفع نمو الإيرادات، وإدارة الكفاءات، ودفع التغيير المجتمعي.

وتضيف: معتقد أنه يجب أن يتمكن عدد أكبر من الموظفين من الوصول إلى البيانات، وذلك لأن إضفاء الطابع الديمقراطي على تلك البيانات، وتعزيز ذلك بالقدرات التحليلية والأتمتة، يعطي قوة اتخاذ القرار للموظفين الأقرب إلى البيانات، والقدرة على اتخاذ تلك القرارات بسرعة، وإدراك الرؤى من ورائها، وبعد ذلك التعاون عبر كافة مستويات الشركة لتنفيذ المهام والوظائف المختلفة لتحقيق التحول الحقيقي، لأن العمليات في أي شركة تمتد لأكثر من فريق واحد. إنها تمتد إلى الشركة بأكملها.

مقارنة

ولدى سؤالها عن فجوة الاستثمار في البيانات في الإمارات بالمقارنة مع أسواق الولايات المتحدة أو أوروبا، تقول هانسن: ينطبق هذا في واقع الأمر على الولايات المتحدة وأوروبا كذلك. لذلك، يمكننا القول إن العالم ككل ما زال في بداية الرحلة لتحقيق «النضج التحليلي»، وهو معيار دولي قام بوضعه «معهد التحليلات الدولي». ويتألف النموذج من خمس نقاط توصل الشركات التي تستوفيها إلى مرحلة النضح التحليلي. إلى الآن، يبلغ المتوسط الذي وصلت إليه المؤسسات على مستوى العالم حوالي 2.2 نقطة على هذا المقياس خماسي النقاط. لذلك، هناك الكثير من فرص النضج لكل سوق.

وأفاد 51% من العاملين في مجال البيانات أنهم يرون ارتباطاً وثيقاً بين تحسين مهارات البيانات وزيادة المرتبات، بينما يتوقع 10% زيادة في المرتبات بنسبة 71 ـ 100%، ويتوقع 57% زيادة لا تقل عن 21% في المرتبات كنتيجة مباشرة لتحسين مهاراتهم. ليس من المستغرب إذن، مع هذه التوقعات بزيادة المرتبات، أن يكون 64% من العاملين في البيانات في منطقة الخليج مدفوعين بحافز تنمية مهاراتهم خارج نطاق التدريب الذي توفره شركاتهم.

جاهزية البيانات

وحول مدى جاهزية البيانات في الشركات للمعالجة، تقول هانسن: هذا جزء من الأمر. عدم تنظيم البيانات ونموها الهائل في جميع أنحاء أي شركة يجعلها تبدو أمراً معقداً. بالنسبة لإمكانية الوصول إلى تلك البيانات لمن هم في أمس الحاجة إليها، وتمكين الراغبين في أخذ تلك البيانات بالقدرات التحليلية لتحويلها إلى قرارات، كلها أمور محدودة للغاية في الوقت الحالي. هناك نسبة صغيرة فقط من الموظفين القادرين على القيام بذلك.

وحول ما يمكن أن تقدمه ألتريكس لتحسين جاهزية البيانات، تقول هانسن: لدينا منصة تسهّل عملية استخراج البيانات لأي موظف في أي مؤسسة أو شركة، بأشكال مختلفة وإدخالها في المنصة، بغض النظر مهاراته، مما يجعله قادراً على تطبيق التحليلات على تلك البيانات، واتخاذ قرارات أفضل.

لذلك، نسميها التحليلات للجميع، مما يعني أنه، بغض النظر عن مهاراتك، سواء كنت خبيراً وعلى دراية كاملة بجداول البيانات الأساسية، أو عالم بيانات ضليع، تخدم منصتنا احتياجات الجميع داخل الشركة وتمكنهم من اتخاذ قرارات عمل أفضل.

عندما يتعلق الأمر بالنتائج النهائية، فإننا نقود ونحدد مجالات توفير التكاليف، ونساعد في أتمتة العمليات اليدوية، وتعزيز الإنتاجية، وتوفير الوقت والتكاليف. تُستخدم حلولنا في إدارات الشؤون المالية كثيراً، وتستخدم الشركات برامجنا لأتمتة الضرائب، للتنبؤ بحال السوق، إجراء حساباتها، وإدارة الامتثال التنظيمي.

دراسة حالة

وحول وجود أي حالة أو دراسة توضح قدرة تحليل البيانات في مساعدة الشركات على خفض التكاليف أو زيادة الكفاءة، أفادت هانسن: نعم. هناك الكثير من الأمثلة على ذلك. أعتقد أن أول شركة تتبادر الذهن هي «فيليبس 66»، شركة الطاقة العالمية الرائدة.

تستخدم الشركة برنامجنا للحد من تكاليف قسم التكنولوجيا التشغيلية تُقدّر الشركة أن برنامجنا قد ساعدها على توفير 800 ساعة في هذا القسم فقط كل شهر من حيث العمليات التشغيلية التي يديرها القسم. ومن منظور الربحية، تقدر الشركة أنها أضافت حوالي مئة مليون دولار صافي فائدة من الأتمتة سنوياً.

علماء البيانات

وتضيف هانسن: لا يوجد عدد كافٍ من علماء البيانات في العالم اليوم لحل مشاكل الأعمال التي تواجهها الشركات، كما لا يمكن للشركات توظيف عدد كافٍ منهم. لذلك أعتقد أنه يتعين على الشركات تمكين باقي الموظفين، وليس فقط علماء البيانات، في مجال المعرفة وتنمية قدرتهم على التحليلات لدفع التحول الرقمي. ونظراً لعدم وجود عدد كافٍ من علماء البيانات، فنحن بحاجة إلى صقل مهارات الموظفين وتدريبهم وتمكينهم من تحليل واستخدام البيانات. من الأسهل بكثير أن يتعلم محاسب التحليلات، من أن يتعلم عالم البيانات المحاسبة.

«سبارك إي دي»

وحول وجود برامج لتدريب الموظفين على استخدام البيانات، تقول هانسن: «نعم. لدينا برنامج يسمى سبارك إي دي، SparkED وهو استثمارنا في الجيل القادم من موظفي التحليلات، نتبرع من خلاله بالبرمجيات ونقدم المناهج والتدريب للجامعات والكليات على مستوى العالم.

لقد بدأنا بذلك في مايو، وتبرعنا بالفعل بالبرمجيات لأكثر من 800 جامعة وكلية على مستوى العالم حتى يتمكنوا من البدء في تطوير الجيل القادم من العاملين في مجال التحليلات، حتى نتمكن عند تخرّجهم من سد هذه الفجوة بين الـ19% والـ92% من الشركات التي تشعر أنها مدفوعة بالبيانات.

وأعتقد أن سد هذه الفجوة في البيانات في المستقبل القريب في الإمارات. ستكون عملية مستمرة لأن البيانات تستمر في النمو، وكذلك تواصل المشاكل والتحديات والفرص في الظهور. لذلك لا أعتقد أن هذا شيء سيتوقف أبداً. أعتقد أنها فرصة متطورة ومستمرة».

وتعتبر «ألتريكس» رائدة عالمياً في أتمتة التحليلات، وتخدم الشركة ومقرها العالمي في مدينة «إيرفاين» في كاليفورنيا حالياً أكثر من 8,000 عميل، بينهم 45%من الشركات على قائمة فوربس لأفضل 2,000 شركة عالمية.

وتضيف هانسن: «نحن نقوم دوماً بالاستثمار والابتكار للاستفادة من الفرص المستقبلية التي تتيحها البيانات والتحليلات. لقد قمنا خلال العام الماضي، من خلال تطوير منتجاتنا، وكذلك من خلال الاستحواذ، بإثراء مجموعة منتجاتنا. نعتقد أن الابتكار سيساعد عملاءنا في تحقيق النضوح التحليلي لتصبح شركاتهم مدفوعة بالبيانات وتحقق النجاح».

 

Email