150.000 عميل في الإمارات تؤهل الدولة لمكانة مميزة عالمياً

الأصول المُشفّرة.. عملة الشباب

ت + ت - الحجم الطبيعي

باتت الأصول المُشفّرة على اختلاف أشكالها، من عُملات رقمية ورموز غير قابلة للاستبدال، أمراً واقعاً وحقيقة ملموسة في عالمنا. وتتكامل هذه الأصول مع آلية جديدة تُعرف باسم سلاسل الكُتل «بلوك تشين» لحفظ البيانات والملفات. وعليه، صارت الأصول الافتراضية عالماً متكاملاً يجمع بين القيمة الاقتصادية وآليات العمل، خاصة بين الشباب ما يمنح العملات المشفرة القابلية الأكيدة لتكون عملة الأجيال.

ولم يعد هذا العالم مُبهماً مجهولاً، بعد أن اكتسب زخماً عالميا ًمُتزايداً خلال السنوات الأخيرة شجع أعداداً مُتلاحقة من المستثمرين والجماهير العادية بدخوله لاكتشافه والتعرف إلى ما يجلبه من فرص للربح الوفير، بعد أن زالت عنهم حالة التوجس منه والريبة تخوفاً مما قد يسببه لهم من مخاطر. وتأكّد الجميع أن الأصول المُشفّرة عالم جديد يتمتع بمستقبل واعد. ولأن الإمارات كعادتها تُجاري المستقبل، إن لم تكن تسبقه في بعض الأحيان، فقد اتخذت خطوات ملموسة جريئة للفوز بحصة كبيرة من ثمار عالم الأصول الافتراضية.

نستشرف فيما يلي آفاق هذا العالم ونصيب الإمارات منه.

تُعد فكرة العملات الرقمية هي الإرهاصة الأولى لمفهوم الأصول الافتراضية، ويذهب غالبية المتخصصين إلى أن أول من ابتكر فكرة العملات الرقمية كان الأمريكي، ديفيد تشوم، المُتخصص في الكتابة بالشفرات، وكان ذلك تحديداً في عام 1980. وكان هدف تشوم من هذه الفكرة هو تأمين والتحقق من صحة المُعاملات المالية، إلا أن أول ظهور لمُصطلح «العُملة الرقمية» كان في عام 1989. ولم يبدأ المبرمجون في تطوير بروتوكولات مُشفّرة من شأنها تسهيل ابتكار عُملة رقمية إلا في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

«بتكوين» الباكورة

في أكتوبر 2008، انتشرت بين المواقع الشبكية العالمية ورقة عمل بحثية بعنوان «بتكوين» ومُوقّعة باسم ساتوشي ناكاموتو «اسم ياباني مُستعار». دعت الورقة إلى اعتماد منظومة للسداد الإلكتروني باستخدام عملة رقمية تحمل اسم «بتكوين» ويُؤرخ لورقة العمل هذه باعتبارها الانطلاق الفعلي لثورة الأصول الافتراضية في عالمنا.

ولم ينتظر ناكاموتو، الياباني المجهول الذي لا يعرف أحد اسمه الحقيقي حتى الآن، كثيراً لتدشين «بتكوين» كأول عُملة رقمية، إذ دشّنها في الــ 12 من يناير 2009، واستخدمها في تسوية مُعاملة مالية مع المُبرمج الأمريكي الراحل، هال فيني.

وبعد مرور عام وشهر، أي في فبراير 2010، أدرك أحدهم إلى أي مدى يُمكن أن ترتفع قيمة «بتكوين»، عندما استخدم 10.000 منها في سداد قيمة فطيرتي بيتزا طلبها من أحد فروع سلسلة «بابا جونز» الشهيرة، وتقدّر قيمة هذه المعاملة الآن بعدة ملايين من الدولارات.

وسرعان ما دارت عجلة «بتكوين»، واكتسبت إقبالاً مُتنامياً من جانب مُستثمرين وأشخاص عاديين، وبدأت ترتفع قيمتها، وأغرى نجاح «بتكوين» مُبرمجين في أماكن مُتفرقة من العالم بتطوير عُملات رقمية جديدة، فكان ظهور «ريبل» في الولايات المُتحدة عام 2012، ثم «إيثريوم» في المملكة المُتحدة عام 2015. وتوالت العُملات المُشفّرة الجديدة، ودخل العالم فعلياً عصر الأصول الافتراضية.

وشهدت العملات الرقمية في نوفمبر الماضي ارتفاعاً تاريخياً، حيث قفزت القيمة السوقية لكافة العُملات المُشفّرة المتداولة في أسواق العالم إلى 3 تريليونات دولار، أي ما يفوق الناتج المحلي الإجمالي لكلٍ من المملكة المتحدة، فرنسا، الهند، وإيطاليا. والآن، تراجعت القيمة السوقية للعملات الرقمية المُتداولة لتستقر عند 2 تريليون دولار.

فرص الإمارات

ثمة أسباب عديدة تؤهل الإمارات للفوز بنصيب كبير من المكاسب المُتزايدة التي تُحققها سوق الأصول المُشفّرة عالمياً، فالإمارات أعلنت منذ فترة عن سياسة بناء اقتصاد عصري يعتمد بالأساس على التقنية. واتخذت الدولة عدة مبادرات عملية لتحويل هذه السياسة إلى واقع ملموس، ففي عام 2018، أطلقت الإمارات «استراتيجية بلوك تشين»، والتي استهدفت تطويع التقنيات المتقدمة وتوظيفها لتحويل 50% من التعاملات الحكومية على المستوى الاتحادي إلى منصّة «بلوك تشين» بحلول 2021.

وفي ديسمبر الماضي، عندما أعلن المكتب الإعلامي لحكومة دبي تحويل مركز دبي التجاري العالمي إلى منطقة مُتكاملة تدعم التنظيم والرقابة على منطقة متكاملة تدعم التنظيم والرقابة على الأصول الافتراضية والمشفرة ومنتجاتها وتبادلاتها الرقمية ومُشغليها في دبي، وذلك ضمن التوجهات الاقتصادية الجديدة لخلق قطاعات اقتصادية مستقبلية في الإمارة.

وفي 8 مارس الجاري، أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، رعاه الله، بصفته حاكماً لإمارة دبي، أول قانون من نوعه لتنظيم الأصول الافتراضيّة الهادف إلى الارتقاء بمكانة دبي والإمارات وجهة إقليميّة وعالميّة في الأصول الافتراضيّة، وتوفير النُّظم اللازمة لحماية المُستثمرين والمُتعاملين في هذا القطاع، والإسهام في جذب الاستثمارات والشّركات العاملة في هذا المجال لتتخذ من الإمارة مركزاً لأعمالها.

وبحسب تقرير حديث نشره موقع «بزنس إنسايدر» الشبكي البريطاني، فإن الإمارات، وبصفة خاصة دبي، تسعى للتحول إلى مركز عالمي لشبكة «ويب 3.0»، ويُقصد بها الموجة المستقبلية من شبكة إبداع الإنترنت، وتعتمد هذه الموجة بالأساس على تقنية «بلوك تشين»، التي دعمت بدورها أفكار الأصول الرقمية، العُملات المُشفّرة، اللامركزية في إدارة الأصول وتسيير التعاملات الحكومية، والاقتصاد القائم على الرموز غير القابلة للاستبدال.

وأوضح تقرير «بزنس إنسايدر» أن دبي تُعد بالفعل في الوقت الراهن وجهة شعبية مُفضّلة لدى مُجتمع «ويب 3.0»، والذي يعد تداول الأصول المُشفّرة من أهم سماته، مشيراً إلى أن الإمارة رغم ذلك لا تكتفي بمكانتها كوجهة شعبية لتداول الأصول الافتراضية، وإنما ترغب في التحول إلى مركز عالمي لهذه النوعية من الأصول.

منظومة بيئية

ويرى مصطفى خريبة منصب رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لبورصة «يوشي ماركتس» للتداول الرقمي، أن الإمارات من خلال هذه المبادرات المتنوعة أظهرت مدى جديتها في التعامل مع الأصول الافتراضية.

وقال: «أظهرت الإمارات مدى جدية تعاملها مع الأصول المُشفّرة، بالمقارنة مع حكومات أخرى عديدة حول العالم، عندما أدخلت هذه الأصول في حيز التنظيم القانوني. وبذلك، برهنت الإمارات على حماسها لإنشاء منظومة بيئية مُشجعة لمجتمع «ويب 3.0» تُترجم في النهاية إلى استثمارات رقمية آمنة. يبلغ عدد مالكي الأصول الرقمية في الإمارات حالياً 150 ألف عميل، وثمة إمكانية هائلة لزيادة هذه الحصة. وعلى مستوى العالمي، يُعد الشباب دون الــ 34 عاماً، أعلى الفئات العُمرية المالكة للأصول الافتراضية، إذ يستأثرون بنسبة 58% من إجمالي الأصول المُشفّرة عالمياً، وتنسجم هذه الأرقام مع التوزيع الديمغرافي للإمارات، والتي يقل أعمار 60% من سكانها عن 34 عاماً».

وأضاف مصطفى خريبة: «وعلاوة على ذلك، فإن الإمارات الثالثة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا في نصيب الفرد من الأصول الافتراضية، حيث تتجاوز نسبة الأشخاص من شاغلي الوظائف الإدارية والتنفيذية الذين يمتلكون أصولاً رقمية في الإمارات 3% من سكانها، ومن شأن الخطوات التي أعلنتها الحكومة بشأن تنظيم تداول الأصول الافتراضية أن توفر منظومة بيئية آمنة وتتسم بالشفافية تُساهم في تعزيز نمو هذه الأصول في الإمارات».

وتطرق خريبة إلى آفاق دبي تحديداً في مُجتمع «ويب 3.0»، فقال: «لطالما سعت دبي دوماً إلى الصدارة العالمية في الابتكار والتحول إلى كل ما هو جديد ومُفيد. ولعل سعي دبي الحثيث إلى رقمنة خدماتها الحكومية يُعد أبسط مثال على ذلك».

وأضاف: «ثمة توجه جديد يجري حالياً في دبي صوب مُجتمع «ويب 3.0»، بإمكانياته المُتمثلة في تقنية «بلوك تشينز» والأصول الرقمية، مما سيُحدث ثورة حقيقية في كافة جوانب الحياة بدبي. فمثلاً، يجري تسجيل العقارات في دبي من خلال «بلوك تشينز» بالفعل. كما تمتلك دبي المرونة اللازمة للنجاح في تطبيق كافة عناصر مُجتمع «ويب 3.0»، ومنها الرموز غير القابلة للاستبدال، والتي تُعد صيغة ثورية لإدارة الأصول الرقمية، ومن المتوقّع أن تُحقق نجاحاً كبيراً في دبي، كون هذه الصيغة تروق للموهوبين، ومنهم عديدون يعيشون في الإمارة».

ومنحت دبي 14 مارس 2022 رخصة تداول الأصول الافتراضية في الإمارة إلى كل من «باينينس هولدينغز»، أكبر بورصة على مستوى العالم لتداول العملات المشفرة من حيث حجم التداولات، وبورصة «إف تي إكس» لتداول الأصول الافتراضية. وتؤكد هذه الخطوة من جانب دبي سعيها للارتقاء بمكانتها وجهة إقليمية وعالمية في الأصول الافتراضية والخدمات المتعلقة بها، وتعزيز القدرة التنافسية للإمارة على المستويين المحلي والدولي وتنمية الاقتصاد الرقمي فيها، حيث باتت دبي مركز جذب لبورصات تداول الأصول الافتراضية العالمية.

Email