أكدت مجموعة أوكسفورد للأعمال «أوكسفورد بزنس جروب» البريطانية للدراسات الاقتصادية، أن صانعي السياسات ومتخذي القرار في دبي، بما يتميزون به من فكر مستقبلي، وضعوا للإمارة خلال السنوات الأخيرة من السياسات ما أتاح لها المزيد من التنوع في أنشطتها الاقتصادية، وهو ما ساهم بدوره لاحقاً في جعل دبي مهيأة لتحمل التداعيات الاقتصادية الناجمة عن تفشي جائحة «كوفيد 19».
ونشرت المجموعة، أمس، تقريراً بعنوان «دبي: خارطة الطريق للتعافي من تداعيات كوفيد 19». وجاء عنوان الجزء الأول من التقرير بعنوان «المرونة»، حيث تضمن استعراضاً عاماً للاقتصاد الكلي في دبي، ثم تطرق إلى الرعاية الصحية والجوانب الديموغرافية بالإمارة، فيما تناول الجزء الأول في ختامه مساعي دبي للتنوع الاقتصادي والرقمنة.
مكانة عالمية
وذكر التقرير في جزئه الأول أن الاقتصاد الكلي في دبي يعتمد بصفة أساسية على المكانة العالمية المرموقة التي اكتسبتها كوجهة عالمية تنافسية للتسوق ونمط الحياة، وهو ما يتجلى في آخر بيانات رسمية قبل تفشي الجائحة، وهي بيانات عام 2019، والتي أفادت بأن قطاع تجارة الجملة والتجزئة هو أعلى القطاعات مساهمة في الناتج المحلي الإجمالي للإمارة في ذلك العام، حيث استأثر وحده بنسبة 25.4%.
وأضاف التقرير أن ثمة جهوداً حقيقية بذلتها الجهات المعنية في دبي لتعزيز تنافسيتها في تسهيل الاستثمارات وممارسة الأعمال التجارية، وثمة تطورات هامة جرت في هذا الشأن قبل تفشي الجائحة، ومنها منح تأشيرات إقامة طويل الأجل في دبي لفئات محددة من رواد الأعمال، المستثمرين والمهنيين، إلى جانب السماح للأجانب بامتلاك شركاتهم في دبي بنسبة 100% في 122 نشاطاً اقتصادياً.
وهو القرار الذي جرى اعتماده رسمياً في منتصف مارس 2020، مع بدء تفشي الجائحة.
وأوضح التقرير أنه على خلفية مجموعة من التغييرات التشريعية التي جرت في عام 2018، شهدت دبي خلال الربع الأول من عام 2019 نمواً بنسبة 35% في عدد الرخص التجارية الصادرة.
وأضاف أن نجاح هذه التغييرات قد انعكس في صورة تدفقات قوية للاستثمارات الأجنبية المباشرة. وعلاوة على ذلك، حققت دبي زيادة بنسبة 7% في حجم تجارتها غير النفطية في 2019، وذلك على خلفية قفزة هائلة بنسبة 30% في قيمة صادراتها خلال العام نفسه.
وأكد التقرير أن دبي بما لديها من صندوق استثمار سيادي ضخم، ومجتمع غالبية سكانه من الشباب، وارتفاع نصيب الفرد من ناتج دبي المحلي الإجمالي، ومنشآت إعلامية متقدمة، وإنفاق هائل على البنية التحتية في سياق الاستعداد لاستضافة «إكسبو 2020 دبي»، والذي تأجل لاحقاً موعد افتتاحه إلى أكتوبر 2021، باتت مهيأة جيداً للتعامل مع جملة التحديات الهائلة الناجمة عن تفشي جائحة عالمية.
الرعاية الصحية
وتناول التقرير في جزئه الأول قطاع الرعاية الصحية والجوانب الديموغرافية في دبي، فذكر أن القطاع يحظى بتنافسية عالمية، بفضل إدارة وإشراف «هيئة الصحة بدبي». وأضاف التقرير أن القطاع كان واحداً من أبرز القطاعات المستفيدة في دبي من سياسات ومبادرات اتُّخذِت على مدار العقود القليلة الماضية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى دبي.
وأوضح التقرير أن المشاركة القوية الديناميكية بين القطاعين العام والخاص عززت نمو الرعاية الصحية في دبي، وكان لها دور حيوي في تأسيس مرافق طبية وعمليات وإجراءات رعاية صحية مُرقمنة، إلى جانب إعلان مستشفيات خاصة أجنبية شهيرة عن خطط لإطلاق أو التوسع في عملياتها في دبي خلال العام الذي سبق تفشي «كوفيد 19».
وذكر التقرير أن «هيئة الصحة بدبي» تنتهج حالياً إطاراً لسياسة شاملة، وهي «استراتيجية الصحة في دبي من عام 2016 إلى عام 2021»، والتي تشمل أربعة محددات، وهي الصحة ونمط الحياة، والتميز في تقديم الخدمات، والرعاية الصحية الذكية، والحوكمة.
وجرى تأسيس برامج عديدة للتوعية الصحية تحت مظلة هذه الاستراتيجية لمكافحة أنماط الحياة غير الصحية، خاصة وأن المشاكل الصحية التي تنجم عن هذه الأنماط، كأمراض القلب والأوعية الدموية، وداء البول السكري والسرطان من بين أكثر أسباب الوفاة.
المستوى الوطني
وعلى المستوى الوطني، ارتفع متوسط العمر المتوقع في الإمارات من 74 عاماً في 2000 إلى 78 عاماً في 2019، الأمر الذي يعكس تقدماً لافتاً صوب تمتع سكان الإمارات بصحة أفضل، وهو عامل مهم في مرونة الدولة حيال الجائحة. وبصفة عامة، شهدت الإمارات نسبة تبديل مرتفعة نوعاً ما (30%) بين موظفي الرعاية الصحية، إلا دبي تبدو قد خالفت هذا التوجه خلال السنوات الأخيرة.
حيث اقتصرت معدلات تبديل الموظفين في قطاع الرعاية الصحية لديها على أرقام أحادية الخانة، وهو ما يشير إلى الفرص المُتاحة للمهنيين من أصحاب المهارات العالية في قطاع الرعاية الصحية بالإمارة، وبالتالي إلى تقدم القطاع ككل.
وأفاد التقرير بأن عدد الأطباء في دبي بلغ 10223 طبيباً بنهاية 2019، فيما بلغ عدد الممرضين في نفس الفترة 18968 ممرضاً، إلا أنه في ضوء المعدل الذي يتوسع به قطاع الرعاية الصحية في دبي، فمن المتوقع أن تحتاج الإمارة 8300 طبيب و8800 ممرض بحلول 2025.
واختتم التقرير حديثه عن قطاع الرعاية الصحية والجوانب الديموغرافية في دبي، بالإشارة إلى ما يتمتع به القطاع من بنية تحتية هائلة ستتيح له التعامل بكفاءة من النمو المستقبلي المتوقع في الطلب على خدمات الرعاية الصحية، موضحاً أن دبي امتلكت فائضاً في منشآت الرعاية الصحية وعدد أسرّة المستشفيات المتوفرة بها قبل تفشي الجائحة.
تنوع اقتصادي
وانتقل الجزء الأول من التقرير إلى الحديث عن التنوع الاقتصادي والرقمنة في دبي، فذكر أن الاتجاه صوب التنوع الاقتصادي في الإمارات ككل بدأ في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي.
وذلك بُغية استغلال الموارد الطبيعية التي تمتلكها الدولة في تحفيز النشاط التصنيعي لديها، إلا أن دبي تحديداً بدأت هذا الاتجاه مبكراً، واستثمرت بغزارة في بناء اقتصاد خَدَمي بات يُنظر إليه الآن باعتباره الاقتصاد الأكثر تنوعاً في الخليج العربي.
وأضاف التقرير أن دبي استفادت من موقعها الاستراتيجي الذي أهلها لأن تكون واحداً من أهم مراكز النقل والخدمات اللوجستية أهمية على مستوى العالم، ومقراً لكلّ من: أكبر ناقلة جوية «طيران الإمارات» وأكبر ميناء لحاويات «ميناء جبل علي» في الشرق الأوسط. وبالتوازي مع ذلك، واصلت التجارة والسياحة تدفقهما في دبي، ما عزز من إمكانيات الاقتصاد الخَدَمي في الإمارة.
وذكر التقرير أن «استراتيجية دبي الصناعية 2030» التي جرى إطلاقها في عام 2016 وضعت التوسع في النشاط الصناعي بالإمارة تحت دائرة الضوء، ذلك أن الاستراتيجية خصصت 75 منطقة للاستثمار في الأنشطة الصناعية.
وأضاف أن الاستراتيجية تسعى إلى تعزيز مكانة دبي كمركز رئيسي للنقل والخدمات اللوجستية من خلال منح الأهمية الرئيسية لصناعات النقل البحري والفضاء الجوي، مع وضع صناعات الأدوية والماكينات في الاعتبار أيضاً كونها تتيح فُرصاً واعدة.
«إكسبو 2020 دبي»
وأكد التقرير أن «إكسبو 2020 دبي» ساعد بقوة في دعم عملية التنوع الاقتصادي في دبي، ذلك أنه أفاد عدة قطاعات في سياق أعماله التحضيرية، ومن أهمها الإنشاءات، والخدمات التجارية والمالية، والنقل، والتخزين والاتصالات. وتُعد دبي أيضاً موطناً لـ24 منطقة حرة تهدف إلى تشجيع الاستثمارات في قطاعات محددة من خلال تقديم حوافز لامتلاك الشركات التجارية وإعفاءات ضريبية طويلة الأمد.
وأوضح التقرير أن التحول الرقمي والتقني في دبي بدأ بالفعل منذ عدة سنوات، ويقع في موضع القلب من برنامج «دبي الذكية 2021». ومن الجدير بالذكر في هذا الشأن أن دبي تمتلك أعلى كثافة لاتصالات الهاتف «عدد اتصالات الهواتف لكل 100 شخص يعيشون في منطقة واحدة» على مستوى العالم، حيث تبلغ في دبي 1:2.
وتوفر الدوائر الحكومية بدبي الآن 55 خدمة حكومية عبر تطبيقات مُتاحة عبر الهواتف الذكية. وفي ختام جزئه الأول، أكد التقرير أن اقتصاد دبي بما يتمتع به من تنوع ورقمنة إلى حد كبير، لم يستطع استيعاب الصدمة الناجمة عن «كوفيد 19» فحسب، بل وإنما أيضاً بات مؤهلاً لإجراء التحول اللازم صوب العمل عن بعد، التعلم عبر الإنترنت والتجارة الإلكترونية.
تجاوب
وتطرق التقرير في جزئه الثاني، والذي جاء بعنوان «التجاوب» إلى نجاح دبي في سرعة التعامل مع الجائحة واحتوائها، وذلك من خلال عدة نقاط محورية هامة، وهي الإجراءات الصارمة والاحتواء، التدابير المالية والنقدية، رد الفعل الخاص بالرعاية الصحية، وأخيراً توزيع اللقاحات المضادة للجائحة على السكان.
وأكد التقرير في هذا الجزء أن المبادرات والمحفزات المالية المتنوعة والالتزام بالإبقاء على الاقتصاد مفتوحاً ساهما إلى حد بعيد في التخفيف من حدة التأثير الاقتصادي للجائحة على دبي. وفيما يتعلق بتوزيع اللقاحات، أشار التقرير إلى أن الإمارات حتى تاريخ 15 يونيو الماضي تصدرت دول العالم في نسب اللقاحات الموزعة إلى إجمالي عدد السكان، بمعدل بلغ 146.7 جرعة لكل 100 شخص.
وجاء الجزء الثالث والأخير من التقرير بعنوان «التعافي»، حيث تناول مساعي دبي للتعافي من تداعيات الجائحة. واستعرض الجزء عدة نقاط هي آفاق النمو، تمويل التعافي، الرقمنة أولاً، المستقبل الصحي، البناء مجدداً، الاستعداد للطيران، والمستقبل المبهر.
آفاق النمو
وفيما يتعلق بآفاق النمو، ذكر التقرير أن اقتصاد دبي يمتلك آفاقاً قوية للنمو برغم تداعيات الجائحة، وذلك من واقع أحدث بيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي، والتي توقعت أن ينمو اقتصاد دبي هذا العام بنسبة 3.1%، ثم 2.6% في 2022.
وانتقل التقرير إلى الحديث عن تمويل التعافي، فأوضح أن دبي التي تحظى بالفعل بمكانة راسخة كمركز مالي، تعتزم تعزيز اقتصادها الرقمي كي تُصبح رائدة عالمية في التقنية المالية «فينتك». وأضاف أن سوق الخدمات المالية في دبي بدأت عام 2020 واقفة على أرض صلبة، حيث سجلت في الربع الأول من العام نمواً سنوياً بنسبة 4.8%، فيما استأثرت بنسبة 11.9% من الناتج المحلي للإمارة.
وتطرق التقرير إلى نقطة «الرقمنة أولاً»، فذكر أن رقمنة اقتصاد دبي بلغت مرحلة متقدمة وجعلت من الإمارة رائدة إقليمية في هذا المجال. وفي نقطة «المستقبل الصحي»، أكد التقرير أن قطاع الرعاية الصحية في دبي يتميز بالقوة بالفعل من قبل تفشي «كوفيد 19»، وهو ما أكدته كفاءة تعامل الإمارة مع الجائحة.
وتحدث التقرير عن عودة قطاع الإنشاءات إلى العمل بكثافة مجدداً بعد تباطؤ نموه خلال السنوات الأخيرة بسبب انخفاض أسعار النفط. وأكد التقرير أن البنى التحتية تحديداً تبقى في موضع القلب من خطط تنموية عديدة في دبي.
قطاع السياحة
توقع التقرير أن تؤدي مكانة دبي كرابع أكثر مدينة استقبالاً للزوار على مستوى العالم، بالإضافة إلى تنظيم «إكسبو 2020 دبي» بدءاً من أكتوبر المقبل، إلى تعافي قطاع السياحة في الإمارة خلال النصف الثاني من العام الجاري.
واختتم التقرير بالحديث عن المستقبل المبهر المُنتَظَر في دبي، فأكد أنه من المتوقع أن يتعافى اقتصاد الإمارة في عام 2021 وما بعده، بدعم من انتعاش ثقة المستهلك والتخفيف التدرجي لقيود السفر الدولية، ذلك أن قطاعي السياحة والتجزئة سيستفيدان بوجه خاص من استضافة «إكسبو 2020 دبي» لاحقاً.
فيما قد تساعد تدابير التأشيرات المبتكرة في استقطاب المزيد من الوافدين القادرين على العمل عن بعد من دبي على المدى الطويل. وأضاف أن قرار السماح بملكية أجنبية 100% في معظم الصناعات من المتوقع أن يحفز المزيد من الاستثمارات.

