سيشل.. رائدة الاقتصاد الأزرق

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لاكتشاف كنوز سيشل لا تكفيك بضعة أيام، فخلف كل شيء هناك تقف حكاية ما، فمناطق تلك الجزيرة، رائدة الاقتصاد الأزرق، تبدو على الخريطة العامة أشبه بنقطة، حافلة بالحكايات القديمة، بعضها له أصل عربي، وأخرى ترتبط بمستكشفين وصلوها يوماً ما من أوروبا.

جزيرة الحكايات والمانغو وجوز الهند

تسكن سيشل في رؤوسنا ضمن خانة المناطق السياحية المعروفة عالمياً، وهي فعلياً كذلك، فطيران الإمارات بالتعاون مع هيئة السياحة في سيشل، أطلق سلسلة من الحملات الإعلامية المشتركة في منطقة الخليج، التي تعد واحدة من أهم الأسواق المصدرة للسياحة إلى هذه الجزر، التي يصلها طيران الإمارات يومياً حاملاً على متن طائراته مجموعة كبيرة من عشاق البحر والخضرة، والباحثين عن لحظات صفاء.

جزر سيشل ليست كبقية دول العالم، فهي تبدو في مشاريعها أكثر اعتماداً على الاقتصاد الأزرق الذي يكاد يمثل العمود الفقري للحياة فيها، ولعل ذلك ما يبرر إطلاق سيشل لعديد المشاريع التي تهدف إلى حماية شواطئها من التلوث، بوصفها «مصدر رزق» تستند إليه سيشل، فضلاً عن كونها تمثل جزءاً من «صورتها السياحية» و«سحرها الطبيعي»، فشواطئ سيشل وحدها تشكل فصلاً من كتاب حكاياتها الثري، كشفت عنه خلال مشاركتها في معرض إكسبو 2020 دبي، حيث استعرضت مجموعة من مشاريعها التنموية الهادفة إلى حماية شواطئها الزرقاء من التلوث، حيث يشكل موقع ألدابرا، أحد عناوينها البارزة، فالمكان يوصف بأنه «كنز لا مثيل له»، لكونه يمثل واحداً من أغلى كنوز سيشل الوطنية، ولأجل ذلك فقد تم إدراجه في 1982 على لائحة اليونسكو للتراث العالمي، موقع ألدابرا هو عبارة عن واحد من أكبر تجمعات الشعب المرجانية المرتفعة في العالم، وهو ما دعا الحكومة إلى تحويلها إلى محمية طبيعية تخضع لقوانين صارمة ونظم خاصة وضعت لحمايتها. وللمحافظة على أناقة هذا الموقع، فقد أطلقت الحكومة هناك مشروع «تنظيف ألدابرا» من التلوث البلاستيكي، الذي يشكل تهديداً حقيقياً للموقع.

سيشل استطاعت بفضل مشاريعها المختلفة، أن تتحول إلى «قدوة» تتبعها دول العالم في «الاقتصاد الأزرق» الذي تفيد التقديرات الصادرة عن منتدى «اقتصاد البحار» الذي عقد العام الماضي في كينيا، إلى أن الاقتصاد الأزرق سينمو ضعف معدلات نمو الاقتصاد التقليدي حتى عام 2030 على أقل تقدير، وربما يزيد المعدل إذا تنامت اتجاهات اللجوء إلى البحار والمحيطات في توليد الطاقة وتحلية المياه. أهمية الاقتصاد الأزرق تبرز بصورة أكبر في الدول التي تتكون من جزر، وتقدر دراسة للأمم المتحدة اعتماد الناتج المحلي لبعض تلك الدول عليه بنسبة تصل إلى 50% في بعض الحالات وتقل لتصل إلى 10% في حالة بعض الدول المتقدمة، كالنرويج على سبيل المثال.

لحن غجري

لا شيء في سيشل يضاهي جمال الشواطئ، التي تعودت ارتداء ثوبها الأزرق الصافي، والذي يتقاطع مع لون الرمل الذهبي، وأحزمة خضراء تتماهى مع لون الصخور، لتشكل جميعها لوحة طبيعة ساحرة، كفيلة بأن تغري كل من يطأها، كما المصور الإيطالي جيان باولو باربيري الذي وقع في هوى سيشل، منذ اللحظة الأولى التي حط رحاله فيها عام 1975 من أجل جلسة تصوير خاصة بمجلة فوغ باريس، ليكتشف خلالها سحر الطبيعة وعمقها. آنذاك لم يستطع جيان باولو باربيري أن يشيح بنظره عن الطبيعة الخلابة ومشهد الشاطئ الذي دفعه للاستفسار عن إمكانية شراء الأرض هناك، ليعيش من خلال ذلك تجارب عديدة، بدأت بشراء منزله الأول «مومبراسم»، ومن ثم بيته الثاني الذي أطلق عليه اسم «تابو»، ليتخلى عنه لاحقاً من أجل الحصول على منزله «مانغو هاوس» الذي خطف قلبه، وخلف هذا الاسم اختبأت حكاية أخرى، تدرك تفاصيلها بمجرد أن تلج بوابات «ال اكس ار مانغو هاوس سيشل» (LXR Mango House Seychelles)، حيث السر يكمن في تلك الأشجار التي كانت تحيط بهذا المنزل كما المانغو والأفوكادو، فيما افترشت العديد من الزهور والفواكه الأخرى أراضيه. أثمرت شجرة مانغو خلف المطبخ فاكهة بيضاء لذيذة وغنيّة بالعصائر لم يتذوّق جيان باولو باربيري مثلها، الأمر الذي دعاه لأن يطلق على منزله هذا الاسم، حيث المكان لا يزال يحتفظ بذات الاسم، فكل ما فيه تشعر أنه يوحي بهذه التسمية لمنتجع مانغو هاوس سيشل، المواجه لشاطئ المحيط، الذي لم يتعب صوته يوماً ما، فيما بدا بالنسبة للمصور الإيطالي باربيري أشبه بلحن غجري تارة وإفريقي تارة أخرى، يستمتع به في كل ليلة، فيما يطالع صوره التي التقطها لوجوه وأناس اختلفت أشكالهم كما ألوانهم، اعتادوا العيش بين ثنايا الجزيرة، ليشكلوا لاحقاً هوية الكريوليه التي تحتفي بها سيشل سنوياً في يوم خصصته لها، لتبين من خلالها تنوعها الثقافي.

تصميم خاص

باربيري الذي قطع عتبة عقده الثامن بسنوات قليلة، عاد إلى دياره الأصلية، ولكنه ترك وراء ظهره بيتاً يمتاز بتصميم خاص، ليتحول لاحقاً إلى ملك مجموعة فنادق هيلتون، التي قامت بتحويل المكان إلى منتجع متكامل، يتألف من 41 غرفة، وبحسب ساشا تايس، مديرة منتجع «ال اكس ار مانغو هاوس سيشل»، فإن «لكل غرفة طابعها وتصميمها الخاص المستوحى من غابات أشجار المانغو وجوز الهند»، وتقول: هيلتون آثرت أن تحافظ على أصل المكان، وأن تبقي على بيت المصور باربيري، والذي بات يشكل حالياً الواجهة الرئيسية التي تستقبل نزلاء المنتجع الذي تم تصميم أجوائه لتكون أشبه بالبيت، حيث تجد فيه ما تبحث عنه من دفء وهدوء وراحة، مانحة في الوقت نفسه المكان اسم «مانغو هاوس» أو بالعربية «بيت المانغو».

المسافة الفاصلة بين مطار سيشل ومانغو هاوس سيشل لا تكاد تتجاوز مده 30 دقيقة، خلالها ستتابع مشهداً جمالياً رائعاً يذكرك بأحد مشاهد فيلم (cast away) الذي لعب بطولته اوليفر ريد، واماندا دونوهي، وجورجينا هيل، حيث تتشابك أغصان الأشجار لتبدو أشبه بمظلة تغطي الشوارع الضيقة، خلالها ستمر على أطلال أول فندق بني في سيشل، وتتابع بعضاً من مشاهد الحياة اليومية لأهالي سيشل، حيث يمضي الصغار في طريقهم نحو مدارسهم، بينما الآخرون منشغلون في التركيز على الطريق الضيق والمتعرج.

طبيعة خلّابة

ما أن تقف بباب منتجع «ال اكس ار مانغو هاوس سيشل»، يستقبلك طاقمه بابتسامة عريضة، بينما ينطق أحدهم بجملة «أهلا بك في الجنة»، وهي جملة ستتردد على مسامعك كثيراً، فقد كانت جزءاً أصيلاً من سيناريو فيلم «كاست اواي»، الذي لا يزال حياً في ذاكرة سكان الجزيرة، ليمثل دليلاً على ما تمتلكه من جمال أخاذ وخير وطبقة خضراء وطقس يتناسب مع شغف العشاق وأولئك الذين يبحثون عن المتعة والهدوء والاسترخاء. في الجزء الجنوبي الغربي من جزيرة ماهي، يقع منتجع «ال اكس ار مانغو هاوس سيشل»، ويسكن على شاطئ نقي، يمتد على طول خليج آنس أو بول بلو بمياهه المتلألئة، حيث المكان يوفر تجارب متنوّعة وإطلالات آسرة وأجواء مميزة وسط طبيعة جزر السيشل الخلّابة، وهو ما جعل من هذا المنتجع عنواناً لعشاق الاستكشاف، فهو يشكل دارة للفن والثقافة، وموئلاً للهدوء والراحة، وذلك بسبب ابتعاده عن الضجيج الساكن بين جنبات شوارع المدينة التي تضج بحياة مفعمة بالأمل، وهو ما جعل منها وجهة فريدة من نوعها.

مشاريع هيلتون العالمية في سيشل تبدو متسعة، فقد أعلنت أخيراً عن توقيعها اتفاقيات إدارة بهدف إيصال علامتها الفاخرة فنادق ومنتجعات والدورف أستوريا، وعلامتها المتميزة كانوبي باي هيلتون إلى سيشل، ووفقاً لكارلوس كنيسر، نائب رئيس هيلتون العالمية للتطوير في الشرق الأوسط وأفريقيا، فمن المقرر أن يتم افتتاح المنتجعين خلال العام المقبل، لينضمّا إلى المجموعة التي تضم 3 من فنادق هيلتون الموجودة في جزر سيشل، بالإضافة إلى مانجو هاوس سيشل – فنادق ومنتجعات إل إكس آر المفتوح حالياً، وفي هذا السياق يقول كارلوس كنيسر: لا تزال سيشل واحدة من أبرز الوجهات العالمية التي تجذب المسافرين، ونفخر بالدور الذي قام به فريق عملنا في التطوير المستدام في سيشل«، مضيفاً بأن الفنادق الجديدة»ستسهم إلى جانب فندق مانجو هاوس سيشل التابع لعلامة فنادق ومنتجعات إل إكس آر، في منح الضيوف خيارات غير مسبوقة من الوجهات ذات المستوى العالمي الرفيع للاختيار من بينها عند التخطيط لزيارة لا تنسى.

هيلتون العالمية تدير 6 علامات تجارية في إفريقيا والمحيط الهندي، حيث وصل عددها أخيراً إلى 100 فندق تعمل في القارة أو قيد التخطيط لبدء عملها، في وقت أكدت فيه هيلتون استمرار التزامها تجاه التنمية المستدامة لقطاع السفر والسياحة بالمنطقة، وقد طبقت العديد من تدابير الاستدامة الحائزة على الجوائز في منتجعاتها وفنادقها في سيشل، بدءاً من عملية التخلص من استخدام العبوات البلاستيكية لاستخدام المنتجات المحلية، وليس انتهاءً بالحفاظ على الحياة البرية ومشاريع التواصل المجتمعي.

شاطئ خاص

لا حدود لحكايات سيشل، فأينما وليت وجهك فيها، فتحت عينيك على حكاية جديدة، تكشف لك أسرار المكان وثقافته، ذلك ما تتلمسه بمجرد أن تقع البوابة الرئيسية لمحمية «كاب لازار»، والتي لا تفتح بوابتها أمام أحد من دون حجز مسبق، في حدود هذه المحمية التي تقع في جنوب جزيرة ماهي، يمكنك أن تعيش سحر الطبيعة، لوهلة تشعر بأن الزمن توقف في حدودها، فهي تطل على شاطئ خاص وبحيرة فيروزية اللون، وتضم بين حدودها مئات الأشجار والنباتات التي تختلف عن بعضها كما أسمائها. الهدوء يلف جنبات هذه المحمية، لا يكسره سوى صوت الريح وحفيف الشجر، في تلك المحمية تقع واحدة من أكبر محميات السلاحف البرية على جزيرة غرانيتيك، تضم سلاحف ضخمة، أعمارها تتجاوز حدود مئتي عام، ويمكن لزوار المكان التفاعل معها وإطعامها، وحتى التقاط الصور أيضاً، في الوقت نفسه، تحتضن هذه الجزيرة مجموعة مذهلة من الكائنات البحرية ذات الألوان الزاهية.

حكايات سيشل لا تنتهي عند بوابات «مانغو هاوس»، وإنما يتفتح جلها على شواطئ هذه الجزر، التي تشهد مساعي حثيثة لحمايتها من التآكل، كما حدث مع ساحل جزيرة «انس آه لا موج»، الذي يعاني من التآكل نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر هناك، ما أدى إلى إزالة أجزاء كبيرة من رمال الشواطئ في 2011، لتطلق الحكومة على إثرها مشروعاً لترميم وتأهيل الخط الساحلي الحساس، ليبتكر المهندسون نوعين فريدين من مصدات الأمواج من أجل التحكم بالأمواج وحركتها.

Email