السياحة والترحال في الإمارات تاريخ ينبض بالحياة وتراث محفوظ في القلوب والعقول

ت + ت - الحجم الطبيعي
تعد «السياحة والترحال» جزءاً أصيلاً من مكونات تراث دولة الإمارات العربية المتحدة.. والماضي القريب والبعيد وصفحات التاريخ تؤكد أنهما قدم وجود الإنسان في هذه المنطقة، فهي تاريخ ينبض بالحياة وتراث محفوظ في القلوب والعقول.
 
وجيل اليوم في مثل هذا الوقت من كل عام ومع قدوم فصل الصيف وبداية موسم الإجازات يمضي بعض وقته في المفاضلة بين زيارة إحدى الوجهات العصرية التي تزخر بها الإمارات والتي باتت مقصد المواطنين والمقيمين والسياح من أنحاء العالم أو شد الرحال إلى الشواطئ والمقاصد السياحية العالمية.
 
وزيارة أحد تلك المزارات والمقاصد السياحية داخل الإمارات أو خارجها يحرك الحنين والشوق لدى جيل الشباب لمعرفة تفاصيل السياحة والترحال في الماضي خصوصاً «المقيظ» وتبديل مكان الإقامة صيفاً كنوع من الاحتيال على الحر اللافح برحلة سنوية يقوم بها سكان الساحل وصولاً إلى المزارع عبر الصحاري أو الاستقرار في بعض الأودية ذات الظلال الوارفة والبعض يفضل الوصول إلى قمم الجبال العالية.
 
ورغم مزايا الحياة الحديثة ورغد العيش لا يزال موسم المقيظ يحتل مكانة مهمة في ذاكرة ونفوس كبار المواطنين الذين يؤكدون أن فصل الصيف هو موسم سياحي منذ القدم وكلمة «القيظ» تعني عند سكان الإمارات المصيف وفقاً للمواطن راشد محمد المزروعي.
 
ويقول المزروعي: «تعتبر المصايف في الإمارات من أجمل المقاصد السياحية منذ قرن تقريباً، حيث تشد الرحال إلى مناطق تواجدها مثل واحات منطقة الظفرة ومدينة العين ومصفوت وحتا والخوانيج ومناطق الشارقة والمناطق الجبلية في رأس الخيمة مثل خت وغليلة والحيل ومعيريض وشعم بالإضافة إلى دبا ومسافي في المنطقة الشرقية وصولاً إلى رؤوس الجبال».
 
ويوضح أن المقيظ رحلة سياحية ابتكرها الإماراتيون قديماً للانتقال من الأماكن الحارة صيفاً إلى الأماكن الأكثر برودة للاستجمام بعيداً عن القيظ وشدة حرارته والاستمتاع بالنسمات العليلة والظلال الوارفة في واحات النخيل ومياه الأفلاج العذبة وفواكه الصيف اليانعة.
 
ويضيف: «لا تزال ذاكرة الرعيل الأول من الإماراتيين مثقلة بتراث السياحة والترحال وقدوم فصل الصيف يحرك بداخلهم الشجون والشوق وينعش ذاكرتهم بذلك الموسم السياحي والترفيهي رغم طول السنين، ورغم التقدم التكنولوجي وتطور وسائل الترفيه وتنوعها في الدولة لأنه جزء أصيل من تراثهم ومكون بارز ضارب في عمق ثقافتهم».
 
ويقول: «ذلك السفر غايته الاستجمام والسياحة مع بداية كل فصل صيف، حيث تبدأ رحلة البحث عن البرودة والماء العذب والظلال الوافرة والثمار اليانعة في الأماكن التي توجد فيها وصولاً إلى بعض الدول المجاورة».
 
ويؤكد المزروعي أنه برز في تلك الرحلات أشخاص من شتى إمارات الدولة امتهنوا الأسفار والرحلات وخبروا الطرقات والدروب بل وعلموا كيف يتصرفون أثناء انقطاع السبل وخطوا طرقاً جديدة تختلف بعض الشيء عن طرق القوافل القديمة.
 
ويضيف المواطن راشد محمد المزروعي: «مع النعم التي حبا الله بها دولة الإمارات انحسرت رحلات المقيظ مبشرة بتطور الحياة ورفاهيتها إذ ظهرت وسائل الراحة والتبريد التي خففت من وطأة حرارة الصيف الحارقة».
 
البحث عن اللؤلؤ
 
ويوضح أن تلك الرحلات كانت تتزامن مع موسم الغوص الذي يبدأ عادة مع بداية شهر يونيو ويستمر حتى نهاية شهر أغسطس، حيث تشرع السفن لتمخر عباب الخليج بحثاً عن اللؤلؤ في رحلة طويلة تقودها إلى موانئ بعض الدول المجاورة للتزود بالطعام والشراب أو للتجارة فتتحول رحلة البحث عن الرزق إلى رحلة سياحية وترفيهية لبضعة أيام أو أسابيع قبل العودة لأرض الوطن.
 
ويقول: «بالإضافة للغوص كانت تنطلق الرحلات البحرية لصيد السمك البعض منها بغرض اقتصادي والبعض الآخر لغرض ترفيهي ناهيك عن تنظيم الكثير من سباقات الشراع والسفن والمهرجانات البحرية وهي جزء أصيل من تراث الإمارات السياحي والترفيهي منذ القدم وما زالت تلك الأنشطة قائمة ولم تندثر وعادت بعد الاتحاد بشكل ممنهج وحضاري».
 
ويشير إلى أنه بالإضافة إلى رحلات الغوص داخل الخليج العربي امتهن الكثير من أهل الإمارات التجارة مع دول كثيرة في شرق أفريقيا والهند وباكستان حتى أصبح السفر خصوصاً البحري جزءاً من ثقافة أهل الإمارات.
 
من جانبه، يقول المواطن حمدان محمد بن غازي: «رحلات المقيظ والغوص ظلت حاضرة في مجتمع الإمارات بتقاليدها المعروفة إلى الربع الأخير من ستينيات القرن الماضي وبعد النهضة العمرانية والحضارية في منتصف السبعينيات ظهرت رحلات من نوع آخر عرفت بـ «المشتى» وهي رحلات ترفيهية مرتبطة بفصل الشتاء».
 
ويضيف: «تنطلق تلك الرحلات من الساحل إلى البر، فمن المعروف أن أجواء الصحراء في فصل الشتاء مساءً تمتاز بالاعتدال ما يشجع الأهالي على قضاء وقت ممتع في مخيمات مؤقتة في المناطق البرية، حيث تقام حلقات السمر والشواء».
 
ويشير إلى أن هذا النوع من الترفيه لا يزال قائماً حتى يومنا هذا تحت مسمى «طلعات البر»، حيث يطيب الانتقال من المدينة وصخبها إلى الإقامة المؤقتة في الصحراء والاستمتاع بالأجواء الهادئة.
ويقول: «بل وزاد الاهتمام به من الناحية الرسمية فنظمته البلديات والدوائر المختصة بإصدار شروط فنية له وتحديد المواقع المخصصة للتخييم».
 
ومع تطور الحياة وتغير مفاهيم السفر والترحال أصبح صنع الآباء الأجداد تراثاً ينبض بالحنين وتاريخاً دون بفطرة الطبيعة يأبى الرحيل من القلوب والعقول.
 
ولا يزال أبناء الإمارات يعشقون الترحال والسفر أثناء موسم الحر إلى مختلف مناطق العالم أو قضاء فصل الصيف داخل الدولة وفاءً لتقاليد وعادات راسخة وذكريات جميلة تلهمهم وتحرك حنينهم إلى الماضي.
 
Email