الذهب ملاذ المستثمرين في زمن «كورونا»

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مع تفشي جائحة فيروس «كورونا» قبل نحو شهر، هبطت أسعار المعدن الأصفر على نحو غير معتاد ومغاير للتوقعات رغم كونه الملاذ الآمن في أوقات الأزمات باعتباره أفضل أدوات الاستثمار قليلة المخاطر، وهو ما طرح تساؤلات عدة، تمحورت حول مدى تأثر بريق المعدن النفيس بالظروف الراهنة؟ وما هي أسباب صعوده مجدداً لأعلى مستوياته في 7 سنوات؟.

طرح «البيان الاقتصادي» التساؤلات على محللين ومختصين في أسواق السلع والمال العالمية، حيث أكدوا أن الذهب سيظل الملاذ الآمن في كل الأزمات، إذ يلجأ المستثمرون لشرائه مع زيادة المخاطر، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، كما أنه سلعة رئيسية في احتياطيات البنوك المركزية حول العالم.

وقال المحللون إن هبوط الذهب مع اشتعال أزمة «كورونا» يرجع بشكل رئيسي إلى الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها دول العالم لمنع تفشي الفيروس، وهو ما جعل اقتناء الذهب أمراً صعباً، لا سيما مع إغلاق أغلب مصافي الذهب في أوروبا، وتوقف رحلات الطيران التي كانت تنقل مليارات الدولارات من الذهب، فضلاً عن احتمالات بيع بعض البنوك المركزية المعدن النفيس لشراء الدولار وأيضاً بيع بنوك استثمار عالمية للمعدن لتوفير سيولة إضافية تساعدها على تغطية خسائرها في أسواق الأسهم.

وتوقع المحللون استمرار مكاسب المعدن الأصفر مع تدافع المستثمرين إلى التماس الأمان في المعدن النفيس، إضافة إلى تنامي المخاوف إزاء تراجع اقتصادي أعمق، وفي ظل تدابير ضخمة على صعيد السيولة من جانب بنوك مركزية عالمية، خصوصاً بعد إعلان مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي أخيراً عن تحفيز ضخم لمكافحة التداعيات الاقتصادية لجائحة فيروس «كورونا».

وأوضح المحللون أن المخاوف بشأن التوقعات الاقتصادية العالمية تدعم أسعار الذهب في المدى القريب، إلى جانب السيولة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بالإضافة لخفض أسعار الفائدة، وهو ما يجعل من المعدن النفيس استثماراً أكثر جاذبية.

وأظهر رصد «البيان الاقتصادي»، وصول سعر الذهب بنهاية الأسبوع الماضي لحدود 1694.6 دولاراً للأوقية (الأونصة)، بعد تخليه عن معظم مكاسب الأسبوع الماضي بعد تحسن شهية المستثمرين للمخاطرة بفضل خطط أولية لإعادة فتح الاقتصاد الأمريكي ومؤشرات مبكرة على نجاح عقار تجريبي لعلاج فيروس «كوفيد 19».

ارتفاع التكاليف

أكد محمد زيدان، كبير محللي الأسواق لدى «ثينك ماركتس» الشرق الأوسط، أن المعدن الأصفر تراجع في بداية أزمة «كورونا» على عكس المتوقع بصعوده، لعدة عوامل على رأسها تعطل بعض الأسواق مع ارتفاع تكلفة التمويل على الدولار الأمريكي، واتجاه بعض المحافظ لبيع الأصول ذات السيولة المرتفعة ومن ضمنها الذهب.

وذكر أنه خلال الأسبوعين الماضيين عاد الذهب للصعود مجدداً مع عودة الطلب عليه، لا سيما مع تدخل الفيدرالي الأمريكي وإضعافه للفائدة بشكل مستمر من خلال مقاييس غير اعتيادية مثل شراء السندات وهو ما عزز صعود المعدن النفيس.

وقال إن الذهب يقوم بدوره الرئيسي حالياً والمتمثل في الحفاظ على القيمة الشرائية مع السياسات التوسعية للبنوك المركزية وانخفاض العوائد على السندات وانخفاض أسعار الفائدة، وهو ما يزيد حيازته من قبل المحافظ، إلى جانب دوره الأساسي في التحوط ضد المخاطر، مع استمرار إغلاق أغلب المدن حول العالم وتوقف العديد من الأنشطة الاقتصادية، وهي جميعها عوامل ستدفع الذهب للصعود على المدى القصير، خصوصاً مع استمرار الفيدرالي الأمريكي في سياسته التوسعية ودعم سيولة الدولار.

وقال روي كنعان، المحلل المالي المعتمد، والعضو بجمعية المحللين الماليين بالإمارات، إنه غالبًا ما يُنظر إلى الذهب على أنه أداة تحوط منذ القدم، حيث يُستعمل كوسيلة تحوط في مواجهة التضخم ولكن هذا الترابط لم يصمد دائماً في أوقات التوتر الاقتصادي الشديد.

وأضاف أنه خلال التداعيات الأولية لفيروس «كوفيد 19»، كانت هناك مخاوف من اقتراب الاقتصاد العالمي إلى الانهيار وسط انخفاض سوق الأسهم، وقد أدى هذا الانخفاض الكبير في فئة الأصول إلى البيع القسري للحفاظ على السيولة في فئات الأصول الأخرى، مثالاً الذهب.

وأشار إلى أن الذهب يستخدم أيضاً في العديد من الصناعات، لذلك فإن انخفاض الطلب أسهم أيضاً في انخفاض سعر الخام الأصفر، موضحاً أن هذه المخاوف تعتبر قصيرة إلى متوسطة المدى في طبيعتها، حيث صعد الذهب بعد ذلك إلى مستويات قياسية عندما أعلنت الحكومات عن تدابير صارمة للحفاظ على استمرار الاقتصاد.

ولفت كنعان إلى أن ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة سيؤدي إلى صعود أسعار الذهب، حيث إن الذهب مقوم بالدولار الأمريكي، مشيراً إلى أنه من الممكن أن تنعكس هذه العوامل في ارتفاع سعر الذهب إلى 1738 دولاراً أمريكياً اعتباراً منتصف الشهر الجاري، إذ يعد السعر قريباً من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 1780 دولاراً أمريكياً في يوليو 2012.

وقال ديفيس هول، رئيس أسواق رأس المال الآسيوية بشركة «إندوسويس» لإدارة الثروات، إنه على الرغم من الإقبال أخيراً على بيع الذهب للحصول على السيولة والحد من التعرض للمخاطر، ما زال المضاربون يحتفظون بمراكز طويلة الأمد تكاد تبلغ أرقاماً قياسية، راكموها من مستويات دون 1400 دولار وبأرباح كامنة تجب حمايتها.

وأكد هول أنه من الضروري أن تؤخذ صورة التمركز هذه في الاعتبار في حالة فشل الذهب في استعادة مكانته في ظل انتعاش أسواق الأسهم وانخفاض مستوى التقلبات والتلاشي المأمول للمخاوف الحادة من الفيروس قريباً، وذلك بالتزامن مع وصول الذهب إلى عتبة الـ 1450 دولاراً.

وأوضح أن هذه الارتفاعات تعكس بشكل متزايد انخفاض التوتر في أسواق ليبور للتمويل الدولاري، التي رفعت الدولار ظاهرياً في المقام الأول، مشيراً إلى أن الموقف الحالي يقدم مزيداً من الدعم لمؤشر فيلادلفيا للذهب والفضة، حيث أوقفت مصافي الذهب في تيسينو عملها، لذا لن تتوفر أي قطع جديدة في شكل سبائك 999.9 حتى إشعار آخر.

وتوقع هول أن يحظى الذهب بأساس ودعم أقوى، عقب الإنفاق المالي العالمي المتضخم وإعلانات التيسير الكمي مفتوحة الأمد، في ظل وصول معدلات الفوائد على الودائع إلى الصفر في كل مكان، فضلاً عن أن نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي المتضائل في دول مجموعة العشر على وشك أن تتضاعف خصوصاً في الولايات المتحدة، وتخضع الأصول الورقية لإعادة التقييم بعد توترات العرض والطلب الحالية المفتقرة للسيولة في كل فئات الأصول.

وقال محمد مهدي عبد النبي، مستشار أسواق المال العالمية، إنه مع حلول أزمة جائحة «كورونا» تغيرت الكثير من الثوابت الاقتصادية التقليدية التي اعتاد عليها المستثمرون طوال العقد الماضي بعد أن فقدت مؤشرات الأسهم معظم ما حققته طوال السنوات الأربع الماضية، فيما اتجهت أنظار رؤوس الأموال نحو الذهب باعتباره الملاذ الآمن مع صعوده فقط بنحو 16 % منذ بداية العام الجاري.

وتوقع استمرار زيادة الطلب على الذهب، لا سيما وأن الأزمة الحالية هي أزمة صحية في المقام الأول وليست أزمة مالية مثل ما حدث في عام 2008، إضافة إلى احتفاظ أغلب دول العالم باحتياطاتها من الذهب وتكوين مراكز شرائية هادئة في ظل أزمة «كورونا» التي استنزفت الكثير من الأموال في دعم الأسواق العالمية وخطط الإنقاذ الاقتصادي، وهو ما عطل أيضاً أعمال التنقيب عن المعدن الأصفر بنحو 60% مقارنة بنشاط التنقيب في الربع الأول من العام الماضي.

توفير سيولة

وأكد يوغيش خيراجاني، محلل أبحاث الاستثمار لدى «سنشري فاينانشال»، أن أسعار الذهب قبل شهر واحد من الآن كانت تتداول عند أدنى مستوياتها في عام 2020، ليتراجع المعدن الأصفر بنسبة 14% إلى جانب انهيار تقييمات الأسهم، حيث أجبرت زيادة التقلبات ونداءات الهامش المستثمرين على رفع التمويل لتوفير السيولة.

وأضاف أنه مع توقف النمو العالمي، قلق المقرضون من جدوى المقترضين المحتملين وسحبوا الكثير من رأس المال الذي رفع تكاليف الاقتراض وأجبر المشاركين في السوق اليائسين على تصفية ممتلكاتهم من الذهب لجمع الأموال.

وأوضح أنه خلال الأزمة المالية لعام 2008، واجه الذهب خسائر مماثلة مع انخفاض أسعاره في البداية بما يتماشى مع الأسواق، لكن جاءت نقطة التحول للذهب بعدها عندما أعلن البنك الاحتياطي الفيدرالي عن التسهيل الكمي، وعندها بدأ المعدن في الارتفاع.

ونظراً لإجراءات التحفيز النقدي والمالي غير المسبوقة التي اتخذتها الحكومات والبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم فقد حقق المعدن انتعاشاً قوياً.

ولفت إلى أن العقود الآجلة تقترب الآن من 1800 دولار للأونصة بعد التداول في نطاق 1400 دولار قبل أقل من شهر مضى، موضحاً أن الطفرة الأخيرة في أسعار الذهب تأتي مع تباطؤ وتيرة الإصابة بعدوى «كوفيد 19» في بعض الاقتصادات الأكثر تضرراً، مع التركيز الآن على كيفية تخفيف عمليات الإغلاق.

وذكر أنه مع استعداد بنك الاحتياطي الفيدرالي لاستخدام جميع الأدوات الموجودة تحت تصرفه حتى ينتعش الاقتصاد الأمريكي، ستبقى السبائك على استعداد لتحقيق المزيد من المكاسب حتى يستقر الاقتصاد العالمي.

 

Email