قلق متواصل ينتاب المستثمرين

الحرب التجارية تشتت بوصلة الأسواق العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تسببت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في تشتت بوصلة الأسواق العالمية، حيث ظلت مؤشراتها تتأرجح ما بين الارتفاع والانخفاض طوال جلسات، أمس، وظلت حالة من القلق تنتاب المستثمرين. ففي وول ستريت، تذبذب أداء الأسهم الأمريكية في الوقت الذي استمر فيه ضعف الأداء من الشهر السابق بسبب النزاعات التجارية، بينما تأثرت المعنويات أيضاً بفعل تدقيق من الجهات التنظيمية بشأن الشركتين الكبيرتين ألفابت وأمازون.

وارتفع مؤشر داو جونز الصناعي 6.34 نقاط، وتراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بمقدار 2.5 نقطة، وهبط مؤشر ناسداك المجمع 55 نقطة.

ارتفاع أوروبي

فيما صعدت الأسهم الأوروبية بشكل طفيف رغم المخاوف من حدوث ركود، بينما ضغطت صفقة شركة إنفنيون الألمانية لصناعة الرقائق لشراء شركة أمريكية نظيرة لها على قطاع التكنولوجيا. وارتفع مؤشر داكس الألماني، الذي يتأثر بشكل خاص بالمخاطر التجارية، 65 نقطة. وصعد فايننشال تايمز 23 نقطة، وكذلك ارتفع كاك الفرنسي 33 نقطة.

وفي طوكيو، هبط المؤشر نيكي القياسي، فيما ينتاب المستثمرين القلق إزاء تصاعد المخاطر العالمية والنمو المحلي نتيجة حرب رسوم جمركية طويلة وواسعة النطاق بين الولايات المتحدة وشركاء تجاريين رئيسيين لها.

ونزلت أسهم مجموعة سوفت بنك ذات الثقل على المؤشر 6.2 % بعد أن أوردت صحيفة وول ستريت جورنال أن مساعي البنك لجمع أموال لصندوق ثانٍ ضخم اُستقبلت بفتور من بعض كبار مديري الأموال في العام.

تراجع ياباني

وأغلق مؤشر نيكي منخفضاً 0.9% إلى 20410.88 نقاط، وهو أقل مستوى إغلاق منذ التاسع من فبراير. وخلال التعاملات نزل المؤشر 1.4% إلى أقل مستوى في أربعة أشهر ونصف الشهر عند 20305.74 نقاط.

كما أن مكاسب الين المتواضعة أضرت بشركات التصدير التي تتعرض لضغوط بالفعل جراء الخلافات التجارية العالمية. ونزل الدولار 0.1% إلى 108.19 ين بعدما سجل خلال التعاملات الآسيوية أقل مستوى منذ 14 يناير عند 108.10 ين في التعاملات الآسيوية.

وفقد سهم فانوك كورب 3.3% ونزل سهم ياسكاوا إلكتريك 1.8% وتراجع سهم طوكيو إلكترون 2.1 بالمئة وهبط سهم كوماتسو 1.8% وهبط المؤشر توبكس الأوسع نطاقاً 0.9% إلى 1498.96 نقطة.

صعود الذهب

وارتفعت أسعار الذهب لأعلى مستوى في أكثر من شهرين في الوقت الذي أثار فيه تصاعد التوترات التجارية وتهديد واشنطن بفرض رسوم جمركية على المكسيك المخاوف بشأن حدوث ركود عالمي ودفع المستثمرين صوب المعدن الذي يعتبر ملاذاً آمناً.

وارتفع الذهب في المعاملات الفورية 0.5% إلى 1311.24 دولاراً للأوقية (الأونصة) بعد أن لامس أعلى مستوياته منذ 27 مارس عند 1312.60 دولاراً للأوقية. وزادت العقود الأمريكية الآجلة للذهب 0.4% إلى 1316.20 دولاراً للأوقية.

ونزلت العقود الآجلة للأسهم الأمريكية وأسواق الأسهم الآسيوية وأسعار النفط لأدنى مستوى في عدة أشهر في ظل تنامي التوترات التجارية. وتصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة والصين خلال نهاية الأسبوع في الوقت الذي اصطدم فيه البلدان بشأن التجارة والتكنولوجيا والأمن.

صادرات كوريا

وفي مؤشر على أن النزاعات الصينية الأمريكية تُلقي بضغط كبير على الاقتصاد العالمي، أظهرت بيانات رسمية يوم السبت أن صادرات كوريا الجنوبية انخفضت 9.4% في مايو، وهو مستوى أسوأ من متوسط التوقعات الذي أشار إلى انخفاض قدره 5.6%.

ودفعت قتامة الآفاق المتعاملين على زيادة رهاناتهم على أن مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) سيخفض أسعار الفائدة عاجلاً وليس آجلاً. وتجاوزت أسعار الذهب المستوى الرئيسي البالغ 1300 دولار للمرة الأولى منذ أبريل يوم الجمعة.

وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، ارتفعت الفضة 0.2% إلى 14.59 دولاراً للأوقية، وزاد البلاتين 1% إلى 799.25 دولاراً للأوقية، بعد أن نزل الأسبوع الماضي لأدنى مستوياتها منذ 15 فبراير عند 784.42 دولاراً للأوقية. وارتفع البلاديوم 1.1% إلى 1338.24 دولاراً للأوقية.

الدولار والعملات

وارتفع الفرنك السويسري لأعلى مستوياته في نحو عامين مقابل اليورو مع تشديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لموقفه التجاري إزاء دول بخلاف الصين، مما حفز المستثمرين على التحرك صوب العملات التي تُعتبر ملاذاً آمناً. واحتلت توترات التجارة الاهتمام الرئيسي للمستثمرين في الأسابيع الأخيرة بعد أن رفع ترامب الرسوم الجمركية على واردات صينية، وهدد بزيادة الرسوم على واردات مكسيكية وألغى معاملة تجارية تفضيلية للهند.

ودفع تصاعد التوترات بشأن التجارة المستثمرين إلى التخلي عن الأصول العالية المخاطر مثل الأسهم وشراء العملات منخفضة العائد مثل الين والفرنك مع اقتراب الأخير من مستويات عادة ما يتدخل عندها البنك الوطني السويسري لإبقاء العملة منخفضة.

ومقابل اليورو، صعد الفرنك السويسري 0.2% إلى 1.1146 فرنك لليورو بعد أن زاد أكثر من اثنين بالمئة في مايو، مسجلاً أكبر مكسب شهري في ثمانية أشهر. ولم يكن الفرنك العملة الوحيدة منخفضة العائد المتألقة، مع ارتفاع الين الياباني أيضاً بصفة عامة مقابل مجموعة من العملات.

ويوم الجمعة سجلت العملة اليابانية أكبر مكسب يومي في أكثر من عامين، مرتفعة ما يزيد قليلاً على 1.2% خلال الجلسة. وارتفع الين 0.2% مقابل الجنيه الاسترليني و0.1% مقابل اليورو اليوم.

وتراجع الدولار بعد أن نزلت العوائد القياسية لسندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات إلى 2.121%، وهو أدنى مستوياتها منذ سبتمبر 2017. ومقابل سلة من ست عملات رئيسية، تراجع الدولار قليلاً إلى 97.71 على الرغم من أنه لا يزال مرتفعاً 1.6% منذ بداية العام.

أمريكا والصين.. من الخاسر فعلياً؟

انقضى نحو 15 شهراً منذ اندلاع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ولا يزال ثمة جدال دائر بين المحللين الاقتصاديين العالميين حول من الخاسر الأكبر فعلياً في هذه الحرب، ومن الذي يدفع الثمن الأعلى بسببها. ويبدو هذا الجدال حتى الآن أبعد ما يكون عن التوصل إلى إجابة شافية.

ونشرت شبكة «سي إن بي سي» الإخبارية الأمريكية، أمس، تقريراً تحليلياً عن الموضوع، وذكرت فيه أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكد في أكثر من مناسبة أن الولايات المتحدة تجني مليارات الدولار من وراء حرب التعريفات الجمركية الحمائية التي شنها ضد الصين في مارس من العام الماضي.

وكان أحدث هذه المناسبات تغريدة أطلقها ترامب في عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة، وقال فيها: «تتكبد الصين كلفة باهظة، ذلك أنها تدعم بضائعها كي تجعلها قادرة على الوصول إلينا، كما أنها تُخفض قيمة عملتها».

إلا أن ادعاءات ترامب تجد مَن يفندها مِن الداخل الأمريكي، وخاصة من جانب رجال الأعمال الأمريكيين الذين يستوردون بضائع صينية، فهم يجادلون بأنهم وحدهم دون غيرهم المتضررون الأكبر من تعريفات ترامب.

وواقع الأمر، فإن كلاً من الادعاءين صحيح من وجهة نظر اقتصادية بحتة. ويقول سايمون بابتست، كبير المحللين الاقتصاديين العالميين لدى وحدة «انتليجينس يونيت» بصحيفة «ايكونومست» البريطانية: «يتوزع «الألم الفعلي» الناتج عن التعريفات الحمائية على الدولة التي تفرضها والدولة المستهدفة بها».

ويعني ذلك أن كل طرف في سلسلة الإمدادات الخاصة بالمنتجات الخاضعة لتعريفات ترامب، بدءاً من الشركة المصنعة والمصدرة في الصين، مروراً بالشركة المستوردة ثم المستهلك في أمريكا، سيتحمل جزءاً من العبء.

ويتوقف حجم العبء على عدة متغيرات منها كيفية تجاوب أسعار وكميات السلع المستهدفة من التعريفات مع الوضع الجديد بعد فرض التعريفات.

فعلى سبيل المثال، رصد باحثون لدى البنك المركزي الأمريكي «الاحتياطي الفيدرالي» انخفاضاً في الدخل الحقيقي الأمريكي في نهاية العام الماضي بقيمة 1,4 مليار شهرياً، نتيجة التغير في أسعار السلع من جراء تعريفات ترامب.

ولكن على الجانب الآخر، توقعت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة «أكسفورد ايكونوميكس» البريطانية للدراسات والأبحاث، أن يبلغ التراجع في نمو الاقتصاد الصيني عام 2020 حال استمرار الحرب التجارية 1,3%، فيما سيبلغ التراجع في نمو الاقتصاد الأمريكي في نفس العام 0,5% فقط.

إلى هنا انتهى الحديث من وجهة نظر اقتصادية بحتة، ولكن الدوافع وراء تعريفات ترامب تتجاوز الاعتبارات الاقتصادية وتلامس منطقة السياسة. ويقول بابتست: «قد تنظر واشنطن إلى التأثيرات السلبية التي تطالها من الحرب التجارية باعتبارها تضحيات ضرورية من أجل تحقيق انتصار سياسي».

Email