العالم ينزلق نحو حالة من انعدام التعاون

أياً كان من يحكم أميركا.. الحرب التجارية مستمرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر التوتر التجاري القائم حالياً بين الولايات المتحدة من جهة والقوى الاقتصادية الكبرى الأخرى في العالم، خاصةً الصين وأوروبا، من الأزمات الأكبر والأخطر التي تواجه الاقتصاد العالمي، ويرى محللون أنه سوف يستمر إلى أمدٍ بعيد، بصرف النظر عن شخصية من يجلس على سُدة الحكم في البيت الأبيض، وأن العالم ينزلق نحو حالة من انعدام التعاون.

متفائلون

وأشار المحلل الاقتصادي الأميركي، تيلر كاون، أستاذ الاقتصاد بجامعة جورج ميسون الأميركية، إلى أولئك الذين يأملون بنزع فتيل الحرب التجارية في حال ما ترك الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه إما قبل الموعد المحدد لانتهاء ولايته، وهو احتمال ليس ببعيد، في حال ما ثبتت صحة الاتهامات الموجهة إليه بالتواطؤ مع السلطات الروسية في التلاعب بمجريات سير الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أقيمت عام 2016 وأتت به إلى البيت الأبيض، وإما بعد انتهاء ولايته في حال إخفاقه في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2020، وقال إن هؤلاء المتفائلين يتعين عليهم إعادة النظر في تفكيرهم. ونشر كاون مؤخراً تحليلاً على موقع شبكة «سي إن بي سي» الإخبارية الأميركية، شرح فيه وجهة نظره، وقال إن المنهج الذي يتبناه ترامب، وإن كان غير تقليدي في التاريخ الحديث، إلا أنه يحمل إشارة واضحة إلى عقود مقبلة من التوتر والتشنج ستسود النظام التجاري العالمي.

لا تعاون

وقال كاون: «يتعلق الأمر بانهيار التعاون الدولي، ويبدو أنه بانتظارنا عقد أو عقدان تسود خلالها حالة من التفكك في العلاقات بين القوى الدولية الكبرى المفترض أن تتعاون مع بعضها البعض».

وأضاف قائلاً: «الكلفة الحقيقية على المدى القصير والمتوسط والبعيد لما يحدث الآن هي انزلاق العالم نحو حالة من انعدام التعاون، بحيث لن تتعاون الدولتان الأقوى اقتصادياً وعسكرياً في العالم مع بعضهما البعض. ولا أعتقد أن هذه الحالة ستزول في القريب العاجل».

ويشير كاون إلى حقيقة أخرى من شأنها مفاقمة هذا الوضع، وهي أن انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية لم يؤد إلى جعل اقتصادها أكثر تحرراً كما كان يأمل الكثيرون.

قيود

ويرى كاون أن القيود المفروضة على الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة، والتي يسعى الرئيس ترامب حالياً إلى تعزيزها وتشديدها، ستصبح أقوى في المستقبل، أياً ما كانت شخصية الرئيس الأميركي وأياً ما كان انتماؤه السياسي.

ويقول كاون: «يتفق الجمهوريون والديمقراطيون في واقع الأمر على فرض هذه القيود على الاستثمارات الصينية في بلدهم. وبالتالي، فحتى لو خلف رئيس ديمقراطي ترامب، فلن يغير من الأمر كثيراً».

ويضيف كاون أن الجديد الذي أتى به ترامب إلى طاولة السياسة الأميركية هو منهجه التفاوضي ذو البعد الأحادي والمتأثر بطريقة إجراء الصفقات والتعاملات التجارية. وقد اكتسب ترامب هذا المنهج من عمله لفترة طويلة في قطاعي المقاولات والترفيه، وهما قطاعان يعتمد إبرام التعاقدات فيهما على عامل واحد فقط، وهو السعر.

ويصف كاون منهج ترامب التفاوضي المتشدد بأنه «فوضوي». فعلى سبيل المثال، عمد ترامب إلى تهديد حليف تجاري وثيق وطرف يضمن للولايات المتحدة عمقاً استراتيجياً هاماً مثل كندا، من أجل تحذير خصم كالصين.

خليفة ترامب

ويستطرد كاون موضحاً أنه حتى لو رحل ترامب عن البيت الأبيض لسببٍ ما أو آخر، فلن يصطحب معه منهجه التفاوضي، وإنما سيظل المنهج باقياً وسيتبناه من يخلف ترامب على سدة الحكم في واشنطن، سواءً كان جمهورياً مثله أو ديمقراطياً. ربما يتلطف خليفة ترامب قليلاً في تبنيه للمنهج، وربما يطبقه على نحو أخف حدة، ولكنه لن يتخلى عنه نهائياً.

فما حدث ببساطة أن ترامب نجح في استغلال مجموعة من العوامل المعقدة لصالحه على نحو الأمثل، بحيث استطاع استقطاب عدد كبير من الأميركيين إلى الوقوف بجانبه في قضية النزاعات التجارية مع الصين وأوروبا.

وتنبع هذه العوامل من الداخل الأميركي، وتتعلق بصفة أساسية بالأوضاع الاقتصادية. ومن أبرز هذه العوامل على سبيل المثال الركود الطويل، والذي استمر على مدى أربعة عقود متواصلة، في رواتب العاملين بالشركات الخاصة في الولايات المتحدة. ويُعزَى هذا الركود بصفة أساسية إلى انخفاض إيرادات هذه الشركات نتيجة إقبال المستهلكين الأميركيين على البضائع المستوردة الأرخص، خاصةً القادمة من الصين.

تأييد

قال تيلر كاون إنه حتى غالبية الأميركيين الذين لم يصوتوا لصالح ترامب في انتخابات 2016، يؤيدون الآن وقفته ضد الصين وأوروبا في قضية التعريفات الجمركية الحمائية. ويستبعد كاون أن يتغير هذا الاتجاه بين الأميركيين في القريب العاجل. ويتوقع كاون أنه حتى لو رحل ترامب، فسيطالب الأميركيون خليفته بتبني نفس الوقفة. ويختتم كاون قائلاً: «ما يقوم به ترامب حالياً يأتي على هوى الناخب الأميركي ويتفق مع مصالحه الاقتصادية».

اقرأ أيضا

  • بعد عقد من الأزمة المالية الاقتصاد العالمي إلى أين؟
Email