مفارقات العملات النقدية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن العملات النقدية تقاوم الانقراض في عصر التكنولوجيا الرقمية، وازدياد العمليات التجارية والتحويلات عبر الإنترنت، وهذه واحدة من المفارقات الغريبة في العالم. نحن ندفع أكثر وأكثر عبر البطاقات والهاتف الذكي، لكن كمية النقد المتداولة، تستمر في الصعود في كل دول العالم.

ففي العام الماضي، وبالمملكة المتحدة، كان هناك أكثر من 73 مليون جنيه استرليني من الأوراق المالية المتداولة، مقابل نحو 67،819 مليون جنيه استرليني في عام 2016. وهذا أسرع بكثير من التضخم والنمو مجتمعين، ويتداول الناس في بريطانيا ما معدله 1،100 جنيه استرليني لكل رجل وامرأة وطفل في البلاد.

غير أن الدولارات الأميركية المتداولة، مثيرة للذهول بصورة أكبر، فهناك ما يقرب من 1.6 تريليون دولار من الأوراق النقدية المتداولة، والتي يبلغ معدلها 5 آلاف دولار لكل شخص في أميركا.

بالطبع، ليست كل تلك الدولارات يتم تداولها في الولايات المتحدة. لكنها الوسيلة المفضلة للتبادل في التجارات غير المشروعة على الصعيد العالمي، ولكنها تستخدم مع ذلك في جميع أنحاء العالم، في معاملات شرعية تماماً. وفي معظم الأماكن السياحية، نجد عادة أن الأسعار هي بالدولار.

ومع ذلك، حتى في ألمانيا، تقوم البطاقات بضخ مبالغ نقدية. ووفقاً لبوندسبنك ، شكلت المبالغ النقدية في العام الماضي، لأول مرة، أقل من نصف المعاملات من حيث الحجم. وحسب دراسة أجراها البنك، فإن الألمان يحبون استخدام النقود، لأنها تعلم الأطفال كيفية استخدام المال وإدارة شؤونهم المالية الخاصة. ولكن من الواضح أنه لا يمكن إجراء معاملات عبر الإنترنت نقداً، وكلما زادت المعاملات، قل الرصيد النقدي.

إذن، ما الذي يحدث؟، فمن جهة، هناك تحول ثابت عن استخدام النقد في جميع أنحاء العالم المتقدم، حتى في مناطق مثل ألمانيا. ومن ناحية أخرى، هناك طلب لا ينتهي لنشر المزيد من الأوراق النقدية، حتى في المملكة المتحدة!، حيث يتم استخدام البطاقات على نطاق واسع للغاية، وتتزايد المعاملات عبر الإنترنت كل عام.

لم أجد أي تفسير واحد بسيط يبرر ذلك. في الواقع، يبدو أن الخبراء يشعرون بالارتباك. هناك عدد من الاحتمالات، والقضية المهمة، هي أنه ربما كان لأسعار الفائدة المنخفضة للغاية، خاصة في أوروبا، بعض التأثير، لأنه إذا لم يكسب مالك أي شيء في أحد البنوك، فليس هناك أي ميزة، باستثناء الأمن، في إبقائها هناك. في الواقع، يبدو أن الخوف من أن البنوك ليست آمنة حقاً، قد دفع الكثير من الأوروبيين نحو الحصول على المزيد من الأموال النقدية.

قد يكون هناك بعض ردود الفعل أيضاً ضد الاقتصاد المعرض للمراقبة. يفضل بعض الأشخاص ، لا سيما أولئك الذين يملكون القليل من المال، ألا يحصلوا على كل المدفوعات التي يتلقونها أو يسجلونها على حساب مصرفي أو شبكة اجتماعية. قد يكون هناك ارتفاع في الاقتصاد الرمادي، وهي أنشطة قانونية تماماً في حد ذاتها، ولكن يفضل الممارسون لأي سبب من الأسباب، الاحتفاظ بها خارج شبكة الضرائب.

ولكن هذا التمرد ضد عمليات مراقبة الاقتصاد، إذا جاز التعبير، يجب أن يكون واسع النطاق، لمراعاة الزيادة في استخدام الأوراق النقدية، ويبدو أنه لم يكن هناك زيادة كبيرة في التهرب الضريبي في السنوات الأخيرة. لذلك، لا شيء من هذا القبيل يشرح حقيقة ما يجري.

أعتقد أننا يمكن أن نكون متأكدين إلى حد ما، أن الأموال ستظل مهمة لجيل آخر على الأقل. لقد مرت فترة طويلة على استخدام النقود، ربما 5000 سنة. وحتى في السويد، هناك ضغوط لحماية استخدامها. وقد تعرضت قيمة الكرونا السويدية المتداولة، لانخفاض مطرد منذ عام 2009، وعادت القيمة الإجمالية الآن إلى مستويات عام 1990. يتخذ بنك ريكسبنك، البنك المركزي، إجراءات لحماية المدفوعات النقدية، على الرغم من أنه إذا لم يستخدم الناس الأموال النقدية ببساطة، فليس هناك الكثير مما يمكنهم فعله حيال ذلك. إذن، هل ما يحدث في السويد علامة على أحداث مقبلة تتعلق بالعملة النقدية، أم أنها شيء آخر؟، تخميني، بالنظر إلى كل تلك الجنيهات والدولارات واليورو المتداولة، أن الأخير هو الصحيح. لكن الأمر متروك لأولئك الذين اعتادوا الاختيار.

* محلل اقتصادي في الـ «إندبندنت»

emirates@albayan.ae

Email