القيادة الشخصية وثقافة الشركة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تؤثر المعايير الثقافية والقيم والعادات والتقاليد في جميع الجوانب المهنية في شركاتنا، من هيكلية العمل إلى الاستراتيجية والعمليات.

ويواجه المسؤولون التنفيذيون في يومنا هذا -وفي ظل بيئة الأعمال العالمية المتزايدة التعقيدات- تحديات كبيرة تتمثل في مواءمة ثقافتهم المؤسسية مع ثقافة المجتمعات التي يعملون فيها، بالتزامن مع سعيهم لتحقيق أهداف العمل الفورية وطويلة الأجل.

حتى أمهر القادة يواجهون تحديات كبيرة في بناء وإدارة ثقافة مؤسسية قوية وثابتة داخل شركاتهم.

وتعتبر الثقافة المؤسسية في جوهرها هي الموجّه والمحفّز لكل قرار يتم اتخاذه داخل المنظمة، كما أنها لا تشكل سؤال «لماذا» فحسب، بل هي أيضاً السبب الذي يكمن وراء جميع الإجراءات والعمليات والسياسات.

وتنعكس ثقافة الشركة على سلوك أفرادها، لكن السلوك هو مجرد انعكاس ظاهري للثقافة. فعند التفكير ببعض أنجح الشركات في العالم، يمكننا أن نتوقع كيف ستكون ردة فعلها تجاه التحول المفاجئ في الاقتصاد أو حيال أي أزمة داخل قيادتهم المؤسسية أو أي تغير غير متوقع. وفي حال تمكّنا من التنبؤ بردة فعلهم، فإن ذلك سيعني إلى حد كبير أننا قادرون على تفهم الثقافة المستقرة التي تحفز اتخاذ القرارات داخل هذه الشركة.

ومن ناحية أخرى فإن الثقافة والقيادة القويتين خلال فترات الأزمات والانكماشات الاقتصادية تعدان أمراً أساسياً لتعزيز وتوجيه عملية صنع القرار الفعال.

إن الأشخاص الذين يشرفون على شركات عالمية (أو يرغبون في ذلك) يواجهون التحدي المتمثل في دمج ثقافات شركاتهم مع الثقافات المتنوعة للأشخاص الذين يعملون معهم. ويتميز القائد الناجح بفهمه العميق للثقافات المختلفة، حيث يكون قادراً على التكيف مع ذلك.

فعلى سبيل المثال، عند القيام بأعمال تجارية في الولايات المتحدة، قد تعتمد الشركة عادةً على شخص أو شخصين بشكل رئيسي لاتخاذ القرارات التجارية الرئيسية بسرعة. ويمكن أيضاً ألا تكون ثقافة اتخاذ القرارات السريعة والفردية ناجحة أو مستقبلة في منطقة الشرق الأوسط، حيث يميل أغلب القادة إلى قضاء فترات طويلة للتشاور وبناء الإجماع.

يتميز القائد الناجح أيضاً بقدرته على التعامل واستيعاب هذه التناقضات الثقافية، ويعمل على تكييف أسلوب قيادته ونهجه في حل المشكلات وفقاً لذلك. وكما قال الكاتب والمعلم والمؤلف وصاحب الرؤية التجارية بيتر دروكر: «تنفذ الإدارة الأمور بشكل صحيح، بينما تعمل القيادة على القيام بالأشياء الصحيحة».

وبناءً على هذا، وفي سياق المناقشة الحالية، فبما أن «الشيء الصحيح الذي يجب تنفيذه» عادة ما يبقى ثابتاً، فإن «الطريقة الصحيحة للقيام به» تتغير بشكل عام وفقاً للتأثيرات الثقافية. ولا تعد هذه القدرة على التكيف سمة مطلوبة فحسب، بل هي ضرورة عملية، حيث يميل المستهلكون والمستثمرون والعملاء إلى تفضيل الشركات التي تعكس قيمهم، والتي يعمل موظفوها بأداء أفضل عندما يطوّرون الثقة بين بعضهم بعضاً من خلال الثقافة المشتركة.

ونتيجة لما سبق، من الواضح أن قادة الشركات اليوم أمام مهمة صعبة للنجاح كقائد عالمي المستوى. فهم بحاجة إلى إظهار قيمهم وأسلوبهم الإداري في البداية للتوافق مع زملائهم في الشركة. وتأتي بعد ذلك مهمة تكيف ثقافتهم المؤسسية مع الاختلافات الثقافية بين الأفراد والمجتمعات التي يعملون فيها، ويجب أن يتم ذلك بالتوازي مع استجابتهم لوتيرة التغير التقني والاقتصادي العالمي.

وفي ضوء التعقيدات السابقة، يسعى عدد أكبر من القادة إلى الحصول على فرص تعليمية تساعدهم على تطوير نقاط قوتهم وأن تكون مصممة خصيصاً لتلبية الاحتياجات الحالية والطويلة الأمد لشركاتهم. وتساعد برامج التعليم التنفيذي المخصصة الأفراد على تعلم طرق تكييف أساليب قيادتهم مع أي موقف معين، كما تساعد القادة على بناء الرؤية والقيم والاستراتيجيات التي تميز الشركة عن غيرها، ويمكن أن يضمن تخصيص هذه البرامج توافق التطبيق العملي والملاءمة والكمال مع الثقافة المؤسسية واحتياجات التطوير المحددة للجمهور المستهدف.

وبشكل ملخص، يتم قياس مدى نجاح شركة عالمية من خلال مدى تنوع قيادتها التي تعكس تنوع قاعدة عملائها، ومدى قدرة هذه القيادة على الاستفادة من مهارات فرق عملها. وستكون الشركات التي تستثمر في تطوير القادة الحاليين والمستقبليين باستمرار، خاصة في مجالات الذكاء الثقافي والعاطفي، في مكانةٍ جيدةٍ من حيث الاستقرار والنجاح في بيئة الأعمال المعقدة الحالية.

* عميد كلية إدارة الأعمال والإدارة العامة في جامعة دريك بالولايات المتحدة

Email