الضريبة الرقمية للاتحاد الأوروبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لن تزول فكرة "الضريبة الرقمية" في أوروبا على عائدات التكنولوجيا، مهما حدث. وسوف تقترح المفوضية الأوروبية الضريبة رسمياً، والاقتراح ليس بالضرورة محكوماً عليه بالفشل، على الرغم من مواجهته معارضة شديدة من الدول ذات الضرائب المنخفضة، مثل أيرلندا ولوكسمبورغ.

الخريف الماضي، أعلنت الاقتصادات الأكبر في الاتحاد الأوروبي المتمثلة بألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا، أنها تؤيد ضريبة أعمال أطلقت عليها تسمية "ضريبة التكافؤ". ووفقا لبيانات الاتحاد الأوروبي، يبلغ عبء الشركات الضريبي بالنسبة إلى شركة تقليدية 23%، لكن بالنسبة إلى الشركات الرقمية فيبلغ مجرد 10%.

ويمكن لتخطيط ضريبي عدواني عابر للحدود أن يدفع بهذا الرقم إلى الصفر، لا سيما عندما تختار الشركات ولايات قضائية صديقة للأعمال مثل إيرلندا كمقراتها الأوروبية. فإذا كان من غير الممكن إجبار "غوغل" و"فيسبوك" و"آبل" وغيرها من منصات التكنولوجيا المتعددة، على دفع ضرائب على الشركات في كل مكان تعمل فيها، فإن هذا لا يعني أنه يجب أن تكون قادرة على التنصل من دفع أي شيء، وفقاً للدول.

وكان يعني الجزء المتعلق بـ "التكافؤ" إجبارها على التخلي عما يكفي من عائداتها في كل دولة في الاتحاد الأوروبي، لتغطية العائد الضريبي الضائع على الشركات في تلك الدولة العضو. وقد حشد المقترح في نهاية المطاف دعم 19 دولة في الاتحاد الأوروبي، ورفضته الدول ذات الضرائب المنخفضة، إلى جانب بريطانيا والسويد، والتي أعربت عن مخاوفها بشأن تقزم نمو القطاع الرقمي. وفي "القمة الرقمية" في تالين في نهاية سبتمبر الماضي، لم يجر التوصل إلى إجماع. وأفادت الوثيقة الختامية للقمة: "نحن ملتزمون بتغيير عالمي في قواعد الضريبة وتكييف الأنظمة الضريبية لدينا لضمان أن الأرباح المتولدة رقمياً في الاتحاد الأوروبي تُفرض عليها ضرائب حيث يجري توليد القيمة".

وبدت فكرة ضريبة "التكافؤ" بأنها تتلاشى، لكن هذا العام، كانت هناك فرص أفضل لكي يجري تبنيها من قبل بعض الدول الأوروبية، إن لم يكن جميعها. حتى المملكة المتحدة، التي كانت معارضة للاقتراح في الأساس، تنظر في فرض ضريبة دخل رقمية بعد مراجعة حكومية.

أما بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، فقد تسرب مشروع الاقتراح إلى الإعلام الشهر الماضي. ويسعى الحل المؤقت الذي تفضله فرنسا وألمانيا إلى فرض ضريبة على عائدات الإعلانات الرقمية وبيع بيانات المستخدم والوساطة الرقمية، بمعدل 1% إلى 3%. ولن تتأثر خدمات الاشتراكات مثل "نتفليكس" وشركات التكنولوجيا المالية، ومؤلفو المحتوى الرقمي، بالضريبة.

وأخيرا، أفادت صحيفة "فايننشال تايمز" أن الاتحاد الأوروبي "من المرجح" أن يفرض ضريبة جديدة نسبتها 3%. وهذا الاقتراح يتطلب تصويتا بالإجماع من الدول الـ28 الأعضاء، فيما البلدان منخفضة الضريبة لا تزال ترفضه. لكن بقاء الفكرة بشأن "ضريبة التكافؤ" واستمراريتها، على الرغم من الانتكاسات السابقة، كان يعني أن الاقتصادات الأوروبية الأكبر هي جدية بما فيه الكفاية لإبقاء الضغوط. وما يمكن أن يخرج هو حل حيث عدد من الدول تتفق على تطبيق الضريبة، تاركة المستنكفين وراءها. وطالما كل الاقتصادات الكبرى تؤيد المقترح، وهذا ما يبدو عليه الأمر، فسيكون الأمر مماثلاً كما ضريبة شاملة للاتحاد الأوروبي على الشركات الرقمية.

ومن جهة أخرى، ليس هناك الكثير لإثارة اعتراض إيرلندا أو لوكسمبورغ أو قبرص على ضريبة نسبتها 3%. ووفقاً للاتحاد الأوروبي، مثل هذه الضريبة سوف تولد فقط 4.8 مليارات يورو (5.9 مليارات دولار) في السنة في أنحاء الاتحاد الأوروبي، ما يمثل ربع الضرائب التي تحصلها ألمانيا وحدها في معدل شهر. وسوف تقلص تلك الضريبة إلى حد ما عائدات الضرائب في البلدان حيث تقيم فروع شركات التكنولوجيا الكبرى في الاتحاد الأوروبي، لكنها لن تترك فجوة كبيرة في ضوء معدلات الضرائب في هذه الولايات القضائية.

العام الماضي، حققت شركة "فيسبوك" 9.9 مليارات دولار من العائدات في أوروبا، فيما فرض ضريبة نسبتها 3% عليها سوف يكلفها 297 مليون دولار. وعندما يكون معدل ضريبة الشركات في إيرلندا 12.5%، فإن تلك الدفعات تعني فقدان 37 مليون دولار في العام بالنسبة لإيرلندا، إذا استمرت "فيسبوك" في حجز كل عائداتها وأرباحها في الاتحاد الأوروبي في ذاك البلد. بدءا من هذا العام، مع ذلك، لم تعد الشركة تقوم بذلك: وتستعد لدفع المزيد من الضرائب حيث تسير أعمالها بالفعل. وبينما الفرع الإيرلندي لا يزال مركز الضرائب الأوروبية للشركة، إلا أن الدولة ستفقد أصلاً بعضاً من أموال "فيسبوك" إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.

ومهما حدث، تبقى ضريبة الأعمال فكرة سيئة.

فالإصلاحات السريعة للاتحاد الأوروبي تدوم وتستوطن، فقواعد ضريبة القيمة المضافة الحالية تم تبنيها كإجراء مؤقت في عام 1993. لكن هل تحتاج فعلا الدول الأقوى في التكتل إلى 5 مليارات يورو بحيث أنها على استعداد أن تبقى عالقة فيها لسنوات، وربما عقود؟ أليس من بعد النظر أن يجري العمل بنشاط مع الشركات متعددة الجنسيات من أجل هيكلة عملياتها لدفع ضريبة أكبر على الشركات حيث تحقق أرباحاً؟

أثبتت "فيسبوك" أنها قابلة لمثل هذه الضغوط، وشركات أخرى يمكن حضها في الطريق نفسه. وليس هناك حاجة لحل سريع، بل إن حلا منصفا ومنطقيا سيكون أفضل بكثير، ولا يتطلب بالضرورة إصلاحاً ضريبياً واسع النطاق في الاتحاد الأوروبي أو عالمياً. وبمواجهة مطالب واضحة، فإن شركات التكنولوجيا العملاقة يمكنها في النهاية الالتزام طواعية، بدلاً من مواجهة قنص مستمر من سياسيين وقانون ضرائب غامض.

وكما يعبر عن الأمر الرئيس التنفيذي لشركة "غوغل"، ساندر بيتشاي: "نحن سعداء لدفع كمية أعلى من الأموال، أياً يتفق عليه العالم، بأنه الإطار السليم. المسألة ليست قضية تتعلق بحجم الضريبة التي ندفعها بقدر ما كيف يمكن تقسيمها بين الدول المختلفة". هذا الأمر يجب أن يكون موضوع النقاش، وليس فرض ضرائب أعمال مؤقتة.

*صحافي روسي وكاتب عمود في "بلومبيرغ"

emirates@albayan.ae

Email