مستقبل الشركات العائلية الخليجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي، أحد القطاعات الأكثر انتشاراً ورواجاً، إذ توجد في معظم القطاعات، حيث منها المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والشركات متعددة الجنسيات المعروفة، وعليه، فإن الشركات العائلية تمثل حجر الأساس لاقتصاد المنطقة. وقد لعبت هذه الشركات دوراً حاسماً في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي للمنطقة، وهو ما يمثل دوراً هاماً للأعمال في معظم القطاعات في المنطقة، منذ ما يزيد على عقد من الزمن.

يعد تأسيس أي شركة عائلية أمراً سهلاً، ولكن تكمن الصعوبة في الحفاظ عليها واستمرارها على مر الأجيال. قد تؤدي النزاعات العائلية، نظراً لسوء التواصل والفجوات بين الأجيال، إلى التأثير سلباً في استمرارية هذه الشركات، وخطط التعاقب الخاصة بها. بالرغم من ذلك، تتمتع تلك الشركات بالعديد من مراكز القوة، منها: تحقيق الاستدامة، نتيجة لمنهج الالتزام طويل الأجل، من قبل أفراد العائلة الحريصين على مواصلة الاستثمار في مستقبل الشركة، بما لديهم من رؤى مشتركة.

شهدت الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي، خلال العامين الماضيين تحديات بالغة، نظراً للتغييرات الهامة في السياسات، وفرض ضرائب جديدة، وعدم الاستقرار الاقتصادي. ورغم ذلك، تمتعت الشركات العائلية في المنطقة بمرونة كبيرة، إذ شهدت معدلات نمو مستدامة إلى حد كبير. وكشف تقرير الأعمال الصادر عن «كي بي إم جي»، حول الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2017، أن ما يزيد على ثلث الشركات المشاركة في الاستبيان، أكدوا نمو إيراداتهم خلال الـ 12 شهراً الماضية، في حين أفاد 40 ٪ منهم باستقرار الإيرادات أو تحسنها من عام إلى آخر.

وفي الواقع، ساهمت رؤية التنويع الاقتصادي، في خلق المزيد من الفرص للشركات العائلية، لا سيما بالنسبة لأولئك الذين يدركون أهمية التحول في القيادة والحوكمة والملكية، وكذلك هؤلاء المتبنين للابتكار والإبداع.

ومع ذلك، لا يزال نقل الشركات العائلية إلى الجيل القادم، أحد الأمور التي تشغل مالكي هذه الشركات. هذا، ويعتقد 88 ٪ من المشاركين بأن إعداد الجيل القادم وتدريبه، يعد أمراً بالغ الأهمية لاستمرار ونجاح الشركات العائلية، وهي المسؤولية الملقاة على عاتق الجيل الأول (الأكبر)، متمثلة في غرس مجموعة من التوجيهات والآراء والمبادئ العائلية الخاصة بهم. تتطلع الشركات العائلية إلى ضمان اتباع أفضل أساليب الحوكمة، هذا، وقد أشار 85 ٪ إلى تعيين مجلس إدارة رسمي، في حين أشار 22 ٪ إلى تعين مجلس استشاري رسمي. يمثل التعاقب القيادي، أزمة لكافة الشركات العائلية. إن ما يميز بعض الشركات عن غيرها، هو وضع أسس لإدارة واحتواء عملية الانتقال، وما تنطوي عليه من صعوبات بين الشركات والعائلة، وذلك بغرض ضمان تحقيق النمو المستقبلي.

وهنالك مجموعة من الظروف الداخلية والخارجية، التي تدفع مالكي الشركات، إلى البحث عن مديرين تنفيذين خارج نطاق العائلة، وذلك من منطلق البحث عن منظور جديد وأجيال مستقبلية لا تتطلع إلى مواصلة الإرث. وتأكيداً لذلك، فإن 5 ٪ من الذين شملهم الاستطلاع، أكدوا على أهمية وجود مديرين تنفيذيين خارج نطاق العائلة.

ومع ذلك، تواجه الشركات العائلية، العديد من التحديات والصعوبات في استقطاب المواهب التي تتطلبها، وقد يرجع ذلك إلى المفاهيم الخاطئة في أسلوب العمل المتبع لدى بعض الشركات، أو أنهم يفتقرون إلى القدرة على استقطاب تلك المواهب، مقارنة بالمؤسسات متعددة الجنسيات. بغرض جذب المواهب المناسبة، تسعى الشركات العائلية حالياً، إلى اعتماد أسلوب أفضل في التواصل معهم بالشكل الأمثل.

على الجانب الآخر، ينظر بعض مالكي الشركات العائلية، إلى أن قرار نقل القيادة إلى خارج نطاق أفراد العائلة، يتأثر بالجانب العاطفي إلى حد ما، وبغض النظر عن مدى الاستفادة، فإن فكرة فقدان السيطرة تتغلب عليهم على النحو المعتاد.

وبالإضافة إلى التحديات المتمثلة في التعاقب القيادي، يتعين على الشركات العائلية، البحث عن طرق جديدة، حتى تتمكن من مواكبة المنافسة المتزايدة في السوق، ويمكن أن تواجه تلك الشركات خيارات صعبة، يرافقها انخفاض محتمل في الربحية. وتوصلت الدراسة الاستقصائية حول الاستعداد الجيد للمنافسة، إلى أن 30 ٪ من المشاركين في الاستطلاع، يتطلعون إلى أن يصبحوا أكثر ابتكاراً، بينما يتطلع 38 ٪ إلى تنويع المنتجات، وإطلاق خدمات جديدة. وفي هذا الصدد، فإن التركيز على إنشاء محفظة متنوعة، وتقديم خدمات ومنتجات مبتكرة جديدة، يسهم في تحقيق استمرارية الأعمال على المدى الطويل، كما أن البحث عن فرص استثمار محلي وخارجي، يعتبر أمراً يتسم بالحكمة.

وبالإضافة إلى ذلك، تبرز التكنولوجيا، لا سيما الذكاء الاصطناعي والروبوتات، كأداة تغيير حقيقية في إدارة وتنفيذ الأعمال، كما تحتاج الشركات العائلية إلى تقييم وتطوير نماذج التشغيل الخاصة بها، لضمان تلبية احتياجات العملاء.

من أجل مستقبل أكثر إشراقاً للشركات العائلية، فمن الأفضل، مواصلة تنفيذ استراتيجيات نمو مواكبة للعصر، لتلبية المتطلبات المتغيرة للأفراد، ومواكبة الاحتياجات المتعلقة بالتكنولوجيا، فضلاً عن استكشاف فرص توسع في أسواق جديدة. ونحن نعتقد أن تأمين وضمان نمو هذه الشركات والحفاظ على إرثها، يعتمد على مواصلة الاستثمار في الحوكمة الرسمية، وإجراء تحسينات على التخطيط لعملية التعاقب والتواصل بين الأجيال.

* رئيس قطاع الشركات العائلية في شركة «كي بي إم جي»

Email