الصين والهند ومعجزتهما الاقتصادية

ت + ت - الحجم الطبيعي

دعونا نلقي نظرة بعيدة المدى على التغير الاقتصادي. فهذا العام، من المرجح أن يشهد تحولين كبيرين على جدول مباحثات الدوري الاقتصادي العالمي. فالصين ستتجاوز منطقة اليورو، لتصبح ثاني أكبر منطقة نقد عالمية، كما ستتجاوز الهند، بريطانيا وفرنسا، لتصبح خامس أكبر اقتصاد عالمي.

أنا مدرك تماماً للاحتمال الثاني، فقد تنبأ مركز بحوث الأعمال والاقتصاد، في تقرير له نشر في ديسمبر الماضي، بحدوث ذلك. لكني لم أتنبه إلى الاحتمال الأول، إلا بعد أن أشار موقع بلومبيرغ إليه مؤخراً.

وقال: يتوقع أن يصل الناتج القومي الإجمالي للصين إلى 15.3 تريليون دولار في 2018، متفوقاً بذلك على مجموع الناتج القومي الإجمالي لـ 19 دولة تستخدم عملة اليورو، والبالغ 12.8 تريليون دولار.

ويحتاج تجاوز الاقتصاد الصيني لاقتصاد الاتحاد الأوروبي، إلى بعض الوقت، ولكن في حال مغادرة بريطانيا للاتحاد، فسيحدث ذلك في وقت ما في منتصف العشرينيات من القرن الجاري.

هل يهم إذا كان يجب على عالم الدول المتقدمة، أو العالم المتقدم الحالي، حيث إنه يتم حالياً إنشاء عالم متقدم جديد، إلى جانب الحالي، أن يفقد الأرضية التي يرتكز عليها؟.

المنطق يقول لا، نظراً لأننا نحتكم إلى توازن قوى وجد على مدى ألفي عام أو أكثر، عندما كان لدى الصين والهند اقتصادات أضخم من اقتصادات أوروبا وأميركا.

ثم حققت أوروبا تقدماً، تليها الولايات المتحدة، بسبب الثورة الصناعية، على الرغم من أن هذا التقدم متواصل بشكل أكبر الآن، نظراً لأن السياسات الأوروبية تجاه الصين والهند، ربما ساهمت بإبطاء نقل التكنولوجيا الغربية إليهما.

وهذا النقاش مخصص للمؤرخين، لكي يتأملوا فيه، لكن ما يلي هذا النزاع، هو أن تبني الصين التدريجي لاقتصاد السوق والتكنولوجيا الغربية منذ عام 1978، هو الذي حفز نموها الاقتصادي الأخير، وأن الإصلاحات الأخيرة في الهند، مكنتها من تجاوز الصين، من حيث النمو الاقتصادي.

ونتيجة لذلك، من الصعب أن نرى الصين لا تتجاوز الولايات المتحدة في حجم إنتاجها الاقتصادي في وقت ما، بحلول 2030، وتجاوز الهند لليابان، لتصبح في الترتيب الاقتصادي الثالث بعد ذلك بعقد.

لذلك، فبحلول عام 2050، سيعود الاقتصاد العالمي إلى نوع التوازن الذي كان موجوداً في عام 1820 تقريباً، قبل أن تبدأ الثورة الصناعية بصورة حقيقية. وسيصبح ترتيب السلم الاقتصادي، كما يلي: الصين، الولايات المتحدة، الهند، اليابان وألمانيا، تليها بريطانيا.

ولكن إذا تعين علينا ببساطة تقبل ذلك، فهناك طرق يمكن فيها للغرب المساعدة في تشكيل الاقتصاد العالمي بطريقة إيجابية.

كبداية، يمكن للولايات المتحدة، أن تكون واثقة تماماً بأنها ستظل الثقافة الوحيدة والقوة الاقتصادية والفكرية الأهم لعقد آخر على الأقل.

والصين هي مجرد متحدٍ لها فقط، في حين لا يمكن لأوروبا أو اليابان أن تضاهيها. وبريطانيا لديها الجامعات الوحيدة التي تتيح للولايات المتحدة تشغيل أموالها. وفي المصطلح العسكري، فستظل الرقم الأول، والدولة الوحيدة التي تستطيع استعراض قوتها على امتداد العالم.

والأمر الثاني، هو أن المنظمات التي ساعدت الولايات المتحدة على إنشائها عقب الحرب الكونية الثانية، وتحديداً، الأمم المتحدة، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية، وما إلى ذلك، كانت القاعدة التي شهد العالم فيها أعظم دفعة من الازدهار، وأسرع تضييق في فوارق الدخل العالمي التي عرفها العالم.

ونحن ندرك جميعاً، الأخطاء التي ارتكبتها تلك الهيئات، ولكن علينا أن ندرك جميعاً، النجاح الذي حققته ككل.

والسؤال المطروح هو: كيف نعزز إشرافنا على هذه المؤسسات، ونمرره إلى الاقتصادات الناشئة. كيف يمكن، على سبيل المثال، لمجموعة العشرين، التي حلت محل مجموعة السبع، بوصفها الهيئة التنسيقية الرئيسة للقضايا الاقتصادية، أن تصبح أقل عملانية؟.

والمعروف أن مجموعة العشرين، تضم الاقتصادات الناشئة الرئيسة، في حين أن مجموعة السبع، هي مجرد دول متقدمة.

يجب أن نعترف في النهاية، ونحترم ما يحدث حولنا من تغيرات اقتصادية بارزة، وندرك أن الصين والهند، حققتا معجزة اقتصادية بحق.

الأمر الثالث، هو أنه حتماً، توجد علاقة مهمة، وهي بين الولايات المتحدة والصين. هناك علاقات اقتصادية أخرى بالطبع، وتحديداً بين الهند والصين، وبقية دول شبه القارة الهندية، وهذه العلاقة مؤثرة بالطبع.

* كاتب في صحيفة الـ «إندبندنت»

Email