الجمود يسيطر على الوضع بإيطاليا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تتجاوب الأسواق المالية مع منطقة اليورو بشكل صحيح. في كثير من الأحيان، أصيب المستثمرون بالذعر عندما لم يكن من المفترض بهم أن يشعروا بذلك، وحدث ذلك مجدداً قبيل الانتخابات الفرنسية العام الماضي. ومن ناحية أخرى، تعاملوا على الانتخابات الألمانية بحالة من عدم مبالاة إلى حد بعيد.

وفقد معظم المراقبين في الخارج الاهتمام عندما أدركوا أن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل سوف تصل إلى المستشارية مرة أخرى. حالياً، تشعر الأسواق بالرضا بشأن الانتخابات الإيطالية المقررة في 4 مارس. وهناك توافق في الرأي بأن الانتخابات ستؤدي إلى حالة من الجمود في البرلمان، بحيث سيتمكن الرئيس سيرجيو ماتاريلا حينها من إعادة تعيين رئيس الوزراء الحالي باولو جنتيلوني.

الجمود هو بالتأكيد واحدة من ثلاث نتائج محتملة. النتيجة الأخرى هي فوز تحالف يمين الوسط، حزب إيطاليا إلى الأمام (فورتسا إيطاليا) لرئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني، وجبهة الشمال الإيطالية (ليغا نورد)، والحزب القومي إخوة إيطاليا (بروذرز أوف إيتالي).

لكنّ هناك احتمالاً ثالثاً يجري التقليل من شأنه بشكل واسع خارج إيطاليا، وهو تحالف بين حركة "النجوم الخمسة" و"ليغا نورد". قد لا تصل استطلاعات الرأي للحزبين إلى أكثر من 50% من الأصوات، لكن استطلاعات الرأي الإيطالية تميل إلى التقليل من شأن الأحزاب الشعبوية.

وكان احتمال تحالف كهذا قد طرحه أخيراً الزعيم البرلماني لحركة "النجوم الخمسة" ليويجي دي مايو. وفي ظل نظام انتخابي، حيث نسبة 37% من الأصوات تُحدد في الدوائر الانتخابية من خلال حصول العضو على أكبر عدد من الأصوات، فيما يجري انتخاب الباقين بالتمثيل النسبي، فإنه ليس من السهل ترجمة النسب المئوية إلى مقاعد. ويحظى حزب "ليغا نورد" بفرصة جيدة للفوز بعدد من المقاعد في شمال إيطاليا، في حين أن ضعف الحزب الديمقراطي، حزب يسار الوسط لجنتلوني في الجنوب، قد يساعد "النجوم الخمسة" في الفوز بعدد من المقاعد هناك.

وسيكون من السخف الرهان على حكومة من "النجوم الخمسة /‏‏ ليغا نورد". في كل الأحوال، فإن حزب "ليغا نورد" في تحالف مع برلسكوني، وقد لا يحدث تحالف بين "النجوم الخمسة"/‏‏وليغا نورد" أبداً حتى لو كان قابلاً للحياة من الناحية الحسابية. لكن إذا انقسم يمين الوسط أو أخفق في تأمين غالبية إثر الانتخابات، فإن كل الرهانات ستنهار. وتزداد الإشارات إلى خلاف بين برلسكوني وزعيم "ليغا نورد" ماتيو سلفيني، بشأن قواعد منطقة اليورو، ومن يفترض أن يتولى رئاسة الوزراء إذا فاز التحالف.

ويختلف حزبا "ليغا نورد" و"النجوم الخمسة" الموصوفان بالشعبوية في طبيعتهما. حزب ليغا نورد تقليدياً سعى من أجل استقلال شمال إيطاليا، أما حركة "النجوم الخمسة" فتمثل انتفاضة ضد النظام السياسي على نطاق واسع من جانب الطبقة الوسطى. لكنّ الحزبين تجمعهما الكثير من الأشياء المشتركة. فكلاهما مشكك باليورو وإن بدرجات مختلفة، وكلاهما يريد تحسين علاقاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما أنهما يفضلان التخفيضات الضريبية على نطاق واسع. ويشير البيان الانتخابي للحزبين إلى أنهما ينتميان لبعضهما بعضاً.

وسوف يسبب التحالف بين "النجوم الخمسة / ‏‏ليغا نورد" المستثمرين الدوليين بأزمة قلبية بالتأكيد. وكما يحدث في الغالب، فلنتوقع تحول مشاعر الرضا الى ذعر بسرعة البرق. الحقيقة ستكون ربما أقل تطرفا. فالحزبان خفضا خطابهما ضد اليورو. ولم تعد حركة "النجوم الخمسة" تريد أن تجري استفتاء على عضوية إيطاليا في العملة الموحدة. لكن الحزبين أيضاً غير ملتزمين بقواعد المشاركة في منطقة اليورو، لا سيما بمختلف أهداف العجز التي وقعت عليها إيطاليا على مدى السنين.

ومن بين جميع الحكومات المحتملة، فإن التحالف بين "النجوم الخمسة" و"ليغا نورد" سيكون الأقل تقيداً بتلك الأهداف. ويستمر زعيم الحزب الديمقراطي الإيطالي، ماتيو رنزي، في التذمر بشأن الاتفاق المالي، أما تعهد برلسكوني باحترام القواعد المالية فيتعارض بوضوح مع سياساته الضريبية. وبغض النظر عما سيحدث في 4 مارس، فإن التوترات بين الحكومة الجديدة والاتحاد الأوروبي مضمونة.

من منظور أوروبي، فإن الفارق بين حكومة "النجوم الخمسة/ ‏‏ليغا نورد" وإدارة أكثر تقليدية من اليمين الوسط أو اليسار الوسط سيكون بدرجة بسيطة. لا أحد من الأحزاب الكبيرة يقدم برنامجاً إصلاحياً، وليس هناك سجالات كثيرة بشأن الإنتاجية والمعدل المنخفض لمشاركة القوى العاملة، ولا يقترح أي من الأحزاب الكبيرة مجموعة محددة من السياسات لمعالجة الضعف المستمر للقطاع المصرفي، والذي كان عائقاً أمام النمو الاقتصادي على مدى السنوات العشر الماضية.

صحيح أن إيطاليا كانت تتمتع بانتعاش اقتصادي، لكنها كانت منطقة أضعف بكثير من أي مكان آخر في منطقة اليورو. ومع مستويات الديون العالية وغياب أي نقاشات جدية بشأن الإصلاحات، ليس هناك ما يدعو للرضا بشأن إيطاليا. هذا الأمر، وليس احتمال تشكيل تحالف بين "النجوم الخمس/ ‏‏وليغا نودر"، هو ما يثير القلق.

* كاتب عمود في صحيفة «فايننشال تايمز»

Email