توقّعات متفائلة بنمو الاقتصاد العالمي في عام 2018

هنريك بوهمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بإلقاء نظرة على عام 2017، وبقراءة ما سيحدث في عام 2018، يمكن القول إن عملة «البتكوين»، المتخفية في مكان ما في أحد خوادم الويب في العالم، شكلت رمزاً لسنة مالية متقلبة عام 2017.

فهل يمكن اعتبار البتكوين مالاً؟ بالإمكان تخزينها في محفظة رقمية على الهاتف الذكي الخاص، لكن من أجل شراء أي شيء بها، ينبغي عموماً تحويلها إلى مال «حقيقي»، كما أن قيمتها متقلبة كثيراً إلى حد أن قلة من الناس تستخدمها بكل الأحوال. وقد احتلت العملة الجديدة عناوين الصحف بانتظام خلال العام الماضي، حيث ارتفعت بسرعة متنقلة من رقم قياسي إلى آخر، ثم سرعان ما انهارت مجدداً.

وبشكل مماثل، حوصرت بورصات العالم بموجة من المضاربات. في ألمانيا، ارتفع بارومتر سوق الأسهم الأهم في البلاد، والذي يتعقب الشركات الرئيسية، إلى مستويات غير مسبوقة. وفي نيويورك، سجل «داو جونز» رقماً قياسياً جديداً أعلى 70 مرة من مساره خلال العام. وكان العام في كل مكان أوقات ازدهار لأصحاب الحصص في سوق الأسهم. ومن غير المفاجئ بالتالي، أن تكون التوقعات لعام 2018 متفائلة عموماً.

وقد توقع «دويتشه بنك» أخيراً أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.8% العام الجديد، وأدلى حكماء آخرون ببشائر مماثلة. وكانت هذه المرة الأولى في غضون عقد، والمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية، التي تنمو جميع مناطق العالم بشكل متزامن مرة أخرى، باستثناء ربما الشرق الأوسط الذي تمزقه الحروب. وفي أوروبا، تبقى ألمانيا قاطرة النمو. فماذا يمكن أن يحدث عن طريق الخطأ؟

ماذا لو كان ارتفاع سوق الأسهم في الولايات المتحدة وألمانيا مدفوعاً أيضا، كما البتكوين، بالمضاربة؟

في عام 2008 وبعد إفلاس مصرف «ليمان بروذرز»، كشف في الولايات المتحدة عن فقاعة ضخمة مالية وعمليات احتيال في التمويل العقاري، وهذه الفقاعة انتشرت عالمياً عبر مبيعات المشتقات المالية المصنفة بشكل غير سليم، فحلت بالنظم المصرفية الأوروبية والأميركية الكارثة، وانكمش الاقتصاد الألماني بنسبة 5% في عام 2009 على أساس سنوي.

ويمكن أن تحدث صدمة على نطاق مماثل مرة أخرى. وقد تكون المصارف أقل عرضة للأزمة نتيجة لإعادة اللوائح التنظيمية، لكن هناك الكثير من المخاطر الأخرى، بدءاً بكوريا الشمالية. كما تختمر المزيد من المتاعب في الشرق الأوسط، وإذا ما خرجت عن السيطرة فإنه بإمكانها أن تضر بالاقتصاد العالمي.

ويمكن أن تشوه الإصلاحات الضريبية للحزب الجمهوري في أميركا أيضاً بنية التجارة العالمية شديدة الحساسية. فإذا مضى كل شيء كما يأمل الاستراتيجيون الأميركيون، فإن عجز الحساب الجاري الأميركي يمكن خفضه إلى النصف.

لكن يوجد خاسرون في مكان ما في المقابل. ويشعر المصدرون الألمان بالقلق إزاء مبيعاتهم الأميركية. وتقرع جماعات الضغط في قطاع الصناعة الطبول في برلين لإصلاح ضرائب الشركات، للتعويض عن أي أوضاع سلبية محتملة قد تنشأ عن إجراءات خفض الضرائب على الشركات في الولايات المتحدة.

لكن سباقاً على تخفيض ضرائب الشركات، وهو ما أعلنت عنه المملكة المتحدة للتعويض عن أي عواقب سلبية لخروجها من الاتحاد الأوروبي، سينتهي بكارثة، لأنه سباق نحو القاع: ففي النهاية، سوف تفتقر الدول إلى الإيرادات الكافية لتمويل عمليات تطوير البنية التحتية وعملياتها.

وهذا ليس كل شيء. فهناك بعض التحديات في أوروبا أيضا. فالازدهار الاقتصادي المستمر في ألمانيا، والذي ما فتئ يمضي على مدى عقد من الزمن، قد يكون في خطر الإنهاك الشديد. كل طفرة تنطوي على بذور أزمة. وفي ألمانيا، هنا نقص في الطواقم المؤهلة في عدد كبير من الصناعات، ولا تريد الشركات توظيف عدد كبير من الناس ستضطر إلى تسريحهم عند اندلاع الأزمة المقبلة.

لكن القدرات الإنتاجية للشركات في بعض الصناعات لم تعد كافية. وما يمكن أن يحدث إذا ما انتشر الأمر. سيؤدي ارتفاع الأسعار إلى تراجع الطلب ومن ثم لانحسار الاتجاه إلى الاستثمار في الطاقة الإنتاجية الجديدة. وهكذا تعمل الدورات الاقتصادية.

وماذا سيحدث إذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل غير منتظم، بالانفصال من دون اتحاد جمركي على سبيل المثال؟ فاقتصادات الجزيرة الانجليزية والقارة الأوروبية، لا سيما ألمانيا، هي مترابطة بشكل وثيق. ثم هناك شركات أوروبا التي بحاجة إلى إنقاذ، ويقع معظمها في جنوب أوروبا. تلك الشركات شديدة المديونية، ولا يمكنها سداد قروضها. لكن المصارف التي تدين لها تلك الشركات قدراً كبيراً من المال خائفة في المطالبة بقروضها، لأن ذلك سينطوي على تخفيضات كبيرة، واعتراف من جانب المصارف بأنها معسرة.

* المحلل الاقتصادي في موقع إذاعة «دويتشه فيله»

Email