إصلاح الجهات التنظيمية يعالج مشكلات النظام الرأسمالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت الأوضاع صعبة لمن ترعرع في بريطانيا في السبعينيات. فقد أدت تحركات عمال المناجم إلى انقطاع متكرر للتيار الكهربائي، وتكديس القمامة في الشوارع. كان «شتاء السخط» كما وُصفت إضرابات القطاع العام عامي 1978-1979، ما مهد الطريق لأول نصر انتخابي لرئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر، ولتخصيص الصناعات المؤممة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

لكن التغيير في الملكية من القطاع العام إلى الخاص لم يفعل شيئاً لناحية إيجاد حل للتحدي المتمثل في تنظم الاحتكارات الطبيعية مثل الكهرباء وسكك الحديد، أو تقييد قدرة السوق في الصناعات موفورة الحجم. وأصبح واضحاً إخفاق التدابير التنظيمية وسياسة المنافسة خلال العقود الآن أكثر مما يجب.

لقد عصر المستثمرون الماليون قدر الإمكان كل قطرة من صناعة المياه بدلاً من إعادة استثمار الأرباح. وعلى الرغم من إجراء تحقيق من جانب «هيئة المنافسة والأسواق» في سوق الكهرباء، إلا أنه حتى السياسيين المحافظين باتوا يقترحون ضوابط على الأسعار.

فشركات الاتصالات والجهة التنظيمية «أوفكوم» على خلاف. وحيثما كانت المنافسة حاضرة، كما في صناعة الطيران، أثيرت الشكوك بشأن حماية المستهلك. فلا عجب في أن تشير دراسة لمؤسسة ليغاتوم إلى تأييد واسع لفكرة أن الرأسمالية في أزمة.

لم يكن النظام الرأسمالي المشكلة، بل السياسة التنظيمية. ولن تؤدي سياسة إعادة التأميم إلى خدمة الناس بشكل أفضل من دون تصميم دقيق للحوافز والمساءلة. وتشير تجربة العقود الأربعة الماضية إلى تحديات أساسية.

هناك صعوبة في جعل الصناعات الاحتكارية الطبيعية قادرة على المنافسة. وحتى عندما تكون هناك مزادات على تراخيص أو امتيازات، فإن الشركات المتنافسة تعلم أكثر من الجهات التنظيمية عن التكاليف والخيارات التكنولوجية والطلب.

وكما أفاد العالم الحائز على جائزة نوبل جين تيرول في كتابه الجديد «اقتصاد من أجل الصالح العام»، لا يمكن التغلب على عدم تماثل المعلومات بين الجهة التنظيمية والمزود بالكامل. وهذا الإدراك أدى إلى استخدام بريطانيا لعروض أسعار ثابتة للامتيازات، ما منح الشركات العاملة حوافز أقوى لتصبح أكثر كفاءة.

المشكلة هي أن الجهات التنظيمية والسياسيين يحبون فكرة أن تدفع الشركات، إذا ما ذهبت الأمور في الطريق الخطأ، لكن ليس أن تجني المكافأة عندما تذهب الأمور في الطريق الصحيح. الميل لاسترجاع بعض العوائد من خلال تغيير القواعد هو قوي، وفي قطاعات كثيرة كان هناك تغيير مستمر تقريبا. فلا عجب أن كل الشركات المعنية تقوم بتوظيف فريق عمل للتعامل مع الجهة التنظيمية، كما من الواضح أن بعض الجهات التنظيمية في القطاعات متساهلة أكثر مما يجب مع شركاتها.

وتعكس الجاذبية السياسية الحالية لسقف الأسعار، سواء في الكهرباء في بريطانيا أو رسوم مكالمات الهاتف المحمول في الاتحاد الأوروبي، شكوكا في أن الرأسماليين يستفيدون أكثر مما يجب من الصناعات الاحتكارات الطبيعية. في بعض الحالات، قد يكون الشك في محله.

لكن هذا يؤدي مباشرة إلى تحد آخر: إذا كانت الأسعار المتدنية للمستهلكين على حساب الأرباح، ستتقلص الاستثمارات الجديدة أو ستتوقف التحسينات على جودة الخدمة، أو قد تسترد الشركات الخسائر من أماكن أخرى. يضاف إلى ذلك رغبة الحكومات في عصر العطاءات قدر المستطاع لصالح الخزانة، وفي الكثير من القطاعات التي تم تأميمها في بريطانيا من قبل، كان هناك نقص كبير في الاستثمار على مدى سنوات.

ما وراء القطاعات المؤممة سابقاً، تعاني المنافسة والسياسات التنظيمية أيضا من الفوضى. فالناس لا تثق بأن المنافسة تحمي المستهلكين، بمعزل عن الفوائد التي تجلبها في حالات كثيرة. وبالتأكيد، بعض الأنظمة تعتبر ضرورية، فلا أحد يريد منافسة دون قواعد على المعايير الفنية والسلامة. ولا يمكن أن يكشف السوق تخفيضا خطيرا في التكاليف من قبل الشركات عديمة الضمير إلا بعد فوات الأوان.

 

 

Email