طاقة المستقبل.. سبيلنا نحو اقتصاد مستدام

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ بدايات القرن العشرين، والدول تتصارع فيما بينها للسيطرة على مصادر الطاقة لتضمن بذلك تسيير خططها للصناعة والتجارة وتوفير الحياة الكريمة لمواطنيها.

وبمرور السنوات، صار هذا الصراع هو القاعدة في العلاقات الدولية، ومن الصعوبة تصور أن هذه المنافسة ستنتهي في وقت قريب.

وحتى لو تجاوزنا حالة الصراع هذه فلا يمكن تجاوز الخشية من نضوب مصادر الطاقة التقليدية، فنحن نتعامل مع مخزون مادي له نهاية ولا يمكن تجديده، ناهيك عن الأضرار البيئية المتصاعدة التي يحدثها استهلاك الطاقة التقليدية.

إن الحل الوحيد لتجاوز هذه المعضلات يكمن في إيجاد مصادر طاقة عملية ونظيفة ورخيصة تعمل كمحرك رئيس لتنمية شاملة ومتوازنة تحقق رخاء الأجيال المقبلة في الإمارات والعالم. وبالفعل تستمر دولة الإمارات في تبوأ مكانة ريادية في العالم من خلال قيادتها لكافة التوجهات الرامية إلى سعادة البشرية، ومنها في مجال توفير مصادر متجددة ونظيفة للطاقة، حيث اعتبرته حكومتنا الرشيدة أحد ركائز رؤية الدولة «مئوية الإمارات 2071».

ولعل رحلة الألف ميل قد بدأت بالفعل مع ما نشهده اليوم من إعلانات لشركات عالمية عن مشاريع تصب في هذا الاتجاه، بعضها يتسم بالواقعية والآخر يحلق في طموحه نحو المستقبل ليرسم حياة متكاملة للأجيال القادمة من دون المصادر التقليدية للطاقة كالنفط.

وبالتزامن مع جهود الدول التي لا تملك مصادر طاقة كافية، لتأمين الحد الأدنى من طاقتها التشغيلية والإنتاجية، تسخر الدول الصناعية المتقدمة موارد هائلة لإحراز قفزات جديدة لدمج الحلول التشغيلية المعتمدة حالياً مع التكنولوجيا الحديثة عسى أن تتوصل إلى نتائج أفضل من ناحية الكفاءة التشغيلية وترشيد استهلاك الطاقة وتحقيق مستويات أداء عالية.

وهذا يشير إلى أن المنافسة التي تحسمها كميات الطاقة الموجودة في كل دولة، ستتغير تدريجياً مع ازدياد ندرة موارد الطاقة التقليدية لتصبح كفاءة استهلاك الطاقة العامل الأهم في حسم هذه المنافسة في المستقبل القريب. أما في المستقبل البعيد، فالقدرة على إنتاج الطاقة النظيفة المتجددة وامتلاك تقنيات تشغيلها، ستصبح العنوان الوحيد للتطور والتفوق الصناعي.

سيظل تحدي الطاقة في المستقبل يفرض نفسه بقوة على الساسة والاقتصاديين وصناع القرار، لن ينتهي لسهولة، فعلى الرغم من حقيقة أن مصادر الطاقة التقليدية ستنضب يوم ما، وصعوبة تصور مستقبل من دون كهرباء أو مصانع أو أدوات إلكترونية أو تكنولوجيا رقمية، سيبقى تأمين مصادر جديدة للطاقة تحدي البشرية الأكبر، وسيستمر هذا التحدي بالتأثير في مجمل القرارات والبرامج والخطط التي تطرحها الحكومات حول مستقبل مواطنيها والبشرية جمعاء.

لقد عرف الإنسان منذ سنوات أنه يمكن تحصيل الطاقة من الرياح ولكن المشكلة التي كانت حتى وقت قريب تعتبر عائقاً أمام الخوض في هذا المجال بشكل أوسع هي أن تخزين طاقة الرياح على سبيل المثال مكلف جداً ولا يتناسب وحجم الطاقة التي يحتاجها الإنسان ليستمر نمط حياته من دون أي تأثير سلبي.

تبددت هذه المخاوف، أو على الأقل لم تعد بالحدة ذاتها كما كانت في السابق، فور ظهور حل علمي وعملي وكلفته مقبولة، فالبطاريات التي تستخدمها شركة سيارات «تيسلا» التي تسير على الطاقة الكهربائية، بدأت تبرز كحل عالمي لمشكلة شح موارد الطاقة، وكمصدر أساسي للطاقة المستدامة.

فرَجَحَت كفّة التفاؤل على الخوف والقلق من المستقبل المجهول عندما بدأت مصانع سيارات تسلا «جيجا فاكتوري» بإنتاج بطاريات الليثيوم- أيون، التي تعتبر من أكفأ مصادر حفظ الطاقة المعتمدة على مصادر الطاقة البديلة، لكن الطريق ليس معبّداً أو سهلاً لحل مشكلة كبرى كهذه. فكما قال إيلون ماسك، مؤسس «تسلا»: «نحتاج إلى 100 مصنع «جيجا فاكتوري» لتزويد العالم بأسره بطاقة مستدامة ونظيفة».

ومن أجل معالجة حاسمة لإدمان الإنسان على المصادر التقليدية للطاقة، ندعو كل الصناعيين ورجال الأعمال في منطقتنا وفي الإمارات بشكل خاص، دولتنا التي ترعى الابتكار وتروج له كأسلوب عمل لسعادة البشرية، أن يقوموا بدراسة وتخطيط مشاريع كبرى تتناسب وحاجة المنطقة إلى الطاقة.

حيث تتعاظم الحاجة إلى هكذا مشاريع نوعية مع إطلاق استراتيجية الدولة الرامية إلى وضع أسس صلبة لاقتصاد مستدام يستمر في النمو حتى بعد تصدير آخر برميل نفط. فدولة الإمارات شريك رئيسي في عملية دخول العالم حقبة جديدة هي الثورة الصناعية الرابعة، أي أنها تحمل هم مستقبل البشرية في كافة المجالات ومنها الطاقة.

ومن زاوية أخرى، يمكن اعتبار هذه المشاريع الكبرى أهمية وطنية لا تستهدف الاكتفاء الذاتي من الطاقة فحسب، إنما الخبرة التقنية والهندسية والعملية التي سيكتسبها الشباب والشابات الإماراتيات لتشغيل ورفع كفاءة قطاعات الطاقة المتجددة هي المكسب الحقيقي، وعندها ستتمكن الدولة من تصدير هذه التقنية إلى بلدان المنطقة لتكون بالفعل درّة للخليج وللعرب.

إن دعوتنا هذه ليست بعيدة عن الواقع، فالدولة قد وفرت كل ما يلزم لقيام هذه المشاريع، من البنية التحتية المتفوقة إلى المناطق الاقتصادية المتخصصة والتي تدعم أصحاب المشاريع في تطبيق أفكارهم مهما كانت مبتكرة وغريبة. كما أن الدعم الحكومي لا حدود له، وكافة الاستراتيجيات التي أطلقتها الحكومة تدل على اهتمام لا نظير له بأي فكرة مبدعة تترجم رؤية القيادة الحكيمة في صناعة المستقبل.

كما تقدم الحكومة منحاً سخية لبرامج البحث والتطوير في المعاهد والجامعات ومراكز الأبحاث من أجل دراسة العلوم ذات الصلة بموضوع الطاقة ومراقبة تطوراتها في كل مكان عن كثب.

قد يتخوف البعض من أن أي مصدر جديد للطاقة لن يتمكن من منافسة المصادر التقليدية من ناحية الكلفة، فلا تزال تقنية تخزين الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح في بطاريات مكلفة بعض الشيء، لكن التجربة التاريخية تدل على أن هذا هو حال كل تقنية جديدة، وما إن يتم إنتاجها بشكل واسع حتى تبدأ كلفتها بالانخفاض.

 

Email