النمو الاقتصادي في عصر التنافسية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

النمو الاقتصادي في المجتمعات بات هدفاً أساسياً على أجندة الدول حتى تستطيع منح حياة كريمة لشعوبها. وبما أن تطور المجتمعات في مختلف المجالات ناتج عن جهود أفرادها، فما يملكه أفراد المجتمع من إمكانيات سوف يحدد مستقبل النمو في كافة المجالات وخاصة في المجال الاقتصادي.

الأمر كان سهلاً في الماضي إذ إن امتلاك فئة قليلة من المجتمع لبعض الموارد كان يحقق النمو الاقتصادي المطلوب للأفراد والدول والمجتمعات.

ففي العصر الزراعي، كل ما كان يحتاجه الفرد هو امتلاك الأراضي والأيدي العاملة لتحقيق النمو الاقتصادي المرجو. وأما في العصر الصناعي، فكان امتلاك الفرد لرأس المال والأيدي العاملة يضمن له نجاح مشروعه وبالتالي ارتقاؤه اقتصادياً. فرأس المال كان مطلباً هاماً لبناء المصانع وشراء الأجهزة التشغيلية. أما الآن في عصرنا المعرفي فالنجاح الاقتصادي لا يحتاج بالضرورة للأراضي ورأس المال والأيدي العاملة.

إنما النجاح يتحقق عن طريق توظيف القدرة العقلية لتطوير فكرة جديدة. فالجانب العقلي للأفراد أصبح مهماً أكثر مما سبق. ولكن علينا أن ندرك أننا نعيش أيضاً في مجتمع تنافسي حيث أصبح التنافس بين الأفراد والمؤسسات والدول سمة العصر الذي نعيش فيه. ولكي نحقق فيه النجاح فلا يكفي أن نعتمد فقط على أفراد قلة لديهم القدرة العقلية الكافية لتطوير الأفكار. بل يجب أن نطور جميع الجوانب المتعلقة بشخصية الفرد بحيث نجعل منه عنصراً اجتماعياً واقتصادياً فعَّالاً.

وخلافاً للعصر الزراعي والصناعي، فلا يكفي أن تكون عندنا قلة من الأفراد الذين يتمتعون بالقدرات المطلوبة للمضي أماماً في الارتقاء بالمجتمع. بل يجب أن نطوِّر أعداداً كبيرة من الأفراد لكي نتمكن من الصمود في وجه التنافس الشرس بيننا وبين الآخرين.

وهنا نتساءل، إذا أصبح النمو الاقتصادي في هذا العصر مبنياً على الأفراد وقدراتهم المختلفة، فهذا الاعتقاد قد يكون سلاحاً ذا حدين. فالاعتماد على قدرات الأفراد قد يمنحنا المقومات اللازمة للنجاح بسهولة أو العوائق اللازمة للفشل بسهولة.

فرضية سهولة تحقيق النجاح عن طريق الاعتماد على قدرات الأفراد تكمن في أن مقومات تطوير الأفراد أصبحت منتشرة بشكل كبير. فالتعليم أصبح متوفراً للجميع ولا يقتصر على طبقة اجتماعية معينة أو فئة معينة في المجتمع كالذكور وغير من ذلك. والتكنولوجيا أصبحت في أيدي الجميع. فالهاتف الذي نحمله والذي يسمى بالهاتف الذكي أقوى من الكمبيوتر الضخم الذي أرسل أول إنسان إلى سطح القمر. والوقت أصبح متوفراً أكثر مما سبق بسبب التطور في مختلف مجالات الحياة. فالمواصلات مثلا اختصرت أوقات الانتقال والتطبيقات التكنولوجية جعلتنا ننجز المعاملات خلال دقائق.

فهل هذا يعني أننا مقبلون على زمن ذهبي نستخدم فيه فقط قدراتنا كأفراد لتحقيق النمو الاقتصادي، أم أننا مع كل مقومات تنمية الفرد فشلنا في تحسين هذا الجانب ليتلاءم مع متطلبات تطوير وخلق الأفكار التي تعتبر ركيزة النمو الاقتصادي؟

فإذا كان رهاننا على المدارس في تطوير القدرة العقلية للجيل الجديد فإننا وللأسف مخطئون. فالمدارس أصبحت تُقيّد العقل والتفكير بسبب منطق الحفظ والتركيز على الاختبارات.

أما إذا كان رهاننا على الأسرة في تنمية شخصية أبنائنا، فللأسف أصبحت الممارسات الأسرية عائقاً في هذا المجال بسبب الاستعانة شبه الكلية بالخدم وهذا بدوره سلب من أطفالنا القدرة على الاعتماد على النفس وبالتالي أصبح الجيل الجديد يعتمد على الغير في قضاء أبسط الحاجات كإعداد السرير بعد النوم. رهاناتنا أصبحت خاسرة وطمست أي حاجة لتنمية الفرد. وللأسف أنتجت جيلاً «استهلاكياً» لا يضفي على العالم أي شيء.

وفِي النهاية يبقى السؤال المحيّر الذي يتردد على الأذهان، هل هناك مخرج من الوضع الحالي الذي نمر فيه والذي يتّسم بالإخفاق في تطوير أفراد قادرين على دفع العجلة الاقتصادية للمجتمع؟ نعم هناك مخرج ولكنه صعب للغاية. الحل للأسف لا يعتمد على الاستعانة بالآخرين كما جرت العادة في تحقيق معظم حاجياتنا. الحل يكمن في الاعتماد على أنفسنا فقط، في الاعتراف بأننا إن لم نطوِّر أنفسنا فإن هذا سوف يدخلنا كأفراد ومجتمعات في ركود اقتصادي وسوف تجعل الحياة الكريمة التي نطمح فيها بعيدة المنال.

فكرب الأسرة عليك خلق المواقف التي تجبر أبناءك على الاعتماد على النفس بدلاً من الوضع الحالي الذي يتمتع به أبناؤنا وهو الحصول على كل شيء من دون جهد أو حتى مقابل. وكرب الأسرة عليك ألا تعطي مسؤولية تطوير شخصية أبنائك وتنمية قدراتهم الذهنية كلياً للمدارس. الكل يشكو من فعالية المدارس في تنمية مختلف الجوانب المتعلقة بالطلبة. دعونا لا نعتمد على إيجاد حلول لمشكلات المدارس بل بدلاً من ذلك دعونا نأخذ بزمام الأمور ونبذل ما بوسعنا من تطوير وتنمية الجيل الجديد.

* كاتب ومحلل إماراتي

emirates@albayan.ae

Email