الإمارات نموذج في الإدارة الذكية لمواجهة «كورونا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أظهرت أزمة تفشي فيروس «كورونا» المستجد (كوفيد 19)، قوة وقدرة دولة الإمارات على إدارة الأزمات، عبر آليات واستراتيجيات تحمل النجاة من جائحة «كورونا»، وتبشر بمستقبل جديد، مليء بالفرص المتنوعة. وتمكنت الإمارات من بناء جسور من الأمل، فوق بحور اليأس التي أغرقت العالم بسبب تأثيرات الفيروس، لتصبح نموذجاً خاصاً وملهماً في الإدارة الذكية للأزمة، عبر استخدام أساليب مبتكرة، تفوق الممارسات العالمية في مواجهة الوباء الذي أصاب أكثر من ستة ملايين شخص حول العالم.

ومن استفادوا من استراتيجيات الإمارات، سواء مواطنين أو مقيمين أو زائرين، تقطعت بهم السبل بسبب «كورونا»، يدركون تمام الإدراك، أن الدولة وظفت كافة إمكاناتها المالية والتكنولوجية والبشرية، وبنيتها التحتية الرقمية، لضمان استمرارية الأعمال بكفاءة عالية، وقدرات كبيرة في الحفاظ على صحة وسلامة كل من يعيش على أرض الإمارات.

ولم يأتِ النجاح بين عشية وضحاها، بل جاء نتيجة استثمارها على مدى عقود في التكنولوجيا الرقمية، لتجني ثمارها الأجيال الحالية، وذلك في العديد من المجالات، التي أعطتها مناعة في مواجهة تداعيات الفيروس، أبرزها، الصحة والتعليم والتكنولوجيا والأمن الغذائي.

شهادات دولية

وكان للمتابعة المستمرة على مدار الساعة من قيادات الدولة للإجراءات المتخذة في مواجهة «كورونا»، مضرب الأمثال إقليمياً وعالمياً، إلى جانب تطميناتهم وتأكيداتهم على تحمل الدولة مسؤوليتها عن حماية حياة الإنسان، ما أشاع أجواء الأمن والأمان والراحة بين جميع من يعيش على أرض الإمارات.

فقد أجمعت تقارير دولية، على تمتع الإمارات بأفضلية نسبية، بالمقارنة مع باقي دول منطقة الشرق الأوسط، في ما يتعلق بقدرتها على اجتياز التداعيات الاقتصادية لتفشي «كورونا». وأرجعت التقارير، الأفضلية، إلى خصائص هيكلية كامنة في تركيب الاقتصاد الإماراتي وطريقة تسييره، وفي مقدمها أنه الأكثر تنوعاً، والأقل اعتماداً على عائدات النفط في المنطقة.

وأكد جهاد أزعور مدير منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لدى صندوق النقد الدولي، أن الإمارات قادرة على مواجهة تبعات الأزمة، وتجاوزها بدعم من مصداتها المالية الضخمة، وقاعدة التنويع الاقتصادي.

وقال إن الإمارات كانت من أولى دول العالم في اتخاذ التدابير المناسبة لمواجهة التداعيات الصحية والاجتماعية والاقتصادية لمواجهة الفيروس، وأقرت عدداً من حزم الدعم المالي والنقدي، إضافة إلى عدد من التدابير لخفض الرسوم، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في مواجهة تداعيات الأزمة، مع تركيز لافت على الجوانب الصحية، والحفاظ على سلامة المواطنين والمقيمين.

كفاءة عالية

من جهتها، أشادت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بالجهود الحثيثة والمستمرة التي اتخذتها الإمارات في كافة المجالات، من أجل ضمان كفاءة عالية في التعامل مع أزمة «كورونا»، وبفاعلية هذه الإجراءات، في الحد من تداعيات هذه الأزمة على مختلف جوانب الحياة.

وفي أواخر أبريل الماضي، أشادت منظمة الصحة العالمية، بالجهود الإنسانية والإغاثية، التي تبذلها دولة الإمارات منذ انتشار فيروس «كورونا» المستجد، عبر مواصلة عملها بمساعدة الدول وإغاثتها في ظل هذه الظروف الاستثنائية، حيث أغاثت 64 دولة حول العالم بأكثر من 723 طناً من المساعدات الطبية، استفاد منها أكثر من 716 ألفاً من العاملين في الرعاية الصحية.

إجراءات عاجلة

وقال الدكتور حبيب الملا، الرئيس التنفيذي لشركة «بيكر آند ماكينزي حبيب الملا»، للمحاماة والاستشارات القانونية، إن النموذج الإماراتي، ارتكز على اتخاذ إجراءات عاجلة، ضمن استراتيجية محكمة، مستفيداً من تجارب الآخرين، دون التشابه معهم، ما جعل الإمارات تحتل موقعاً متقدماً بين دول المنطقة والعالم الأفضل في مواجهة جائحة «كورونا».

وأضاف أن الإمارات نجحت في تبني سلسلة من إجراءات الدعم وتحفيز النمو الاقتصادي والتجاري للأفراد والشركات، لافتاً إلى أن تقديم الدعم وخطط التحفيز الاقتصادية الضخمة للقطاعات الأكثر تضرراً، والتي بلغت قيمتها الإجمالية حتى اليوم، 282.5 مليار درهم، ساهم في ضمان استمرارية الأعمال.

منهج مبتكر

وقال الخبير الاقتصادي الدكتور ناصر السعيدي، إن الإمارات وضعت لنفسها نموذجاً خاصاً، ومنهجاً مبتكراً في مواجهة تحديات «كورونا»، حيث لم تتوانَ لحظة عن تقديم الدعم اللازم لجميع القطاعات، بهدف تحفيز الاقتصاد الوطني على كافة الأصعدة، إلى جانب استعداداتها المسبقة من خلال تعزيز المخزون الاستراتيجي للدولة في مجالي الغذاء والدواء، ظهرت جلية من خلال عدم حصول أي نقص في السلع المختلفة في الأسواق منذ بداية الأزمة، إضافة إلى أن تطوّر البنية التحتية في الدولة، وشبكة الاتصالات والإنترنت، أتاح للمدارس والجامعات التحول نحو التعليم من بُعد.

وأضاف أن التحركات السريعة والقرارات الاستباقية المتتالية لحكومة الدولة والحكومات المحلية، مع الاعتماد على الجاهزية والتقنيات المتطورة التي تتمتع بها كافة مؤسسات الدولة، وتطويع التكنولوجيا لإنجاز المهام، وتلبية المتطلبات اليومية لجمهور المتعاملين عن بعد، والذي انعكست آثاره الإيجابية في الحفاظ على سلامة سكان الإمارات، وساهمت في بث روح التفاؤل لدى جميع أفراد المجتمع، ومساعدتهم في الخروج بأمان من التحديات الاقتصادية الحالية.

وأشار إلى أن تلك الإجراءات، تؤكد أن الإمارات ستبقى الملاذ الآمن للاستثمار، في ظل قدرة حكوماتها على التكيف مع كافة المتغيرات والمستجدات الإقليمية والعالمية.

عامل قوة

وتصدر قطاع الشحن والدعم اللوجستي في الإمارات عالمياً، خلال هذه الأوقات الحرجة، عبر توفير الإمدادات والسلع الأساسية للأشخاص حول العالم، ليمثل عامل قوة في دعم الشبكة اللوجستية العالمية لمواجهة تحديات الفيروس المستجد.

وشكلت الأذرع اللوجستية الجوية والبحرية للدولة، جسراً جوياً وشرياناً حيوياً، ضمن استمرارية الإمدادات للعديد من الأسواق العالمية، في ظل تباطؤ سلاسل التوريد بالنسبة لهذه الأسواق، إلى جانب الجهود التي بذلتها في إعادة رعايا بعض الدول إلى أوطانهم، وإنقاذ رعايا دول تقطعت بهم السبل في مناطق مختلفة حول العالم، وإعادتهم إلى أوطانهم سالمين.

وبحسب مؤشر الربط البحري- أحد المؤشرات الموثوقة في قياس وصول الدول وارتباطها بحركة التجارة العالمية- فإن الإمارات تمتلك أعلى درجة ارتباط بشبكات التجارة البحرية العالمية على مستوى الشرق الأوسط والدول الأفريقية المجاورة، وجنوب وغرب آسيا، ما يؤكد دور ومكانة الدولة في هذا المجال.

ريادة تقنية

وأكدت أزمة «كورونا»، ريادة إماراتية في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات، والأهمية الكبيرة لوجود بنية تحتية قادرة على تلبية احتياجات الحكومة والشركات والجمهور، حيث يتعدى دور تكنولوجيا المعلومات، الاتصال البسيط، ليصبح أداة مبتكرة، تعمل على تحسين نوعية الحياة، لا سيما في هذا الوقت الحساس.

وأكد تقرير صادر عن مؤسسة دبي للمستقبل، بعنوان «الحياة بعد كوفيد 19: مستقبل الاتصالات»، على أهمية المبادرات التي أطلقتها الجهات الحكومية وشركات الاتصالات في الإمارات، بهدف دعم الأعمال والأفراد منذ المراحل الأولى للفيروس، من خلال ضمان القدرة على مواصلة العمل والتعليم عن بُعد، بفضل أنظمة الاتصال الحديثة، والبنية المتقدمة المرتكزة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي والخدمات الذكية.

منصات قوية

وشكّلت أزمة «كورونا»، فرصة لإثبات فائدة وجودة قطاع التعليم في الإمارات، فبعد تعليق المدارس والجامعات، بدأت مرحلة التعلم عن بعد للطلاب، بعد انتهاء إجازة الربيع، لمتابعة العام الدراسي، وتتوافر حالياً مجموعة من المنصات القوية للتعليم الذاتي والدراسة عن بعد عبر الإنترنت.

وبحسب تقرير مؤسسة دبي للمستقبل، بعنوان «الحياة بعد كوفيد 19.. مستقبل التعليم»، من المتوقع أن يصل حجم سوق تقنيات التعليم في الإمارات، إلى 40 مليار دولار (نحو 146 مليار درهم)، بحلول عام 2022، إلا أن تفشي الفيروس، سرع من تحرك الجهات المسؤولة لاتخاذ العديد من الخطوات السريعة، لمزيد من التطوير في القطاع.

تكافل إنساني

وفي الوقت الذي يتسابق فيه العالم للوصول إلى العلاج المنتظر، وتطوير أدوات الفحص، أدلت الإمارات بدلوها في مجال التطوير والابتكار، عبر الإنجاز الذي حققه مركز أبوظبي للخلايا الجذعية، ونجاحه في تطوير علاج بالخلايا الجذعية للفيروس، إلى جانب الإعلان عن تطوير أداة جديدة تتيح إجراء فحوص جماعية فائقة السرعة في خلال ثوانٍ، ما يسمح بتوسيع دائرة الفحوصات على نحو غير مسبوق.

وفي الوقت الذي وضع فيه الفيروس طوفان البشرية في مواجهة ضعفها، جسدت الإمارات أبهى صور التكافل الإنساني والاقتصادي بين البشر، لينهمر بحر عطائها، وتصبح الأكثر تقديماً للمساعدات اللازمة، وعبرت مبادراتها الإنسانية الخيرية الحدود، لتطال مختلف أرجاء العالم، والتي أظهرتها الأرقام منذ بدء الأزمة إلى الآن.

ما بعد «كورونا»

بالتوازي مع انشغال كل دول العالم بتحديث خارطة سير فيروس «كورونا»، كانت هناك «خلايا تفكير» في الإمارات، تبحث في مآلات المستقبل، وخاصة ما بعد زمن «كورونا»، لتحجز مكانها في العالم الجديد، بعد نهاية الحرب والانتصار على الفيروس، عبر إعادة ترتيب الأولويات، وإعادة صياغة المفاهيم، خاصة أن هناك إجماعاً على أنه سيكون هناك عالم جديد ما بعد «كورونا».

وبدأت الإمارات بعقد سلسة من الجلسات الحكومية المكثفة، تضم وزراء ووكلاء ومجالس تنفيذية وخبراء عالميين، لبدء صياغة استراتيجية ما بعد «كورونا»، وذلك وضع سياسات تفصيلية، على المديين القريب والبعيد، لتحقيق التعافي واستئناف النشاط الاقتصادي في الدولة.

Email